في إقليم مليء بالاضطرابات ونزيف الدماء، تقف تونس وحدها كنموذج إيجابي بما حظيت به من انتقال سلمي نسبياً ومؤسسات وسياسات احتوائية وانتخابات حرة ونزيهة، ولكن مزيجاً من الرياح المعاكسة الداخلية والعواصف الإقليمية تطفئ الآمال التونسية في التوصل إلى عقد اجتماعي جديد ومتين. وقد حذر أحد منظمي احتجاج في بلدة القصرين قائلًا: «إن كل واحد منا هنا قنبلة موقوتة». ومع كل يوم يمر تتزايد خيبة الأمل عند التونسيين ومعها تنمو احتمالات تمزق النسيج التوافقي الذي ميز تونس عن بعض البلدان الأخرى في المنطقة، وحتى قبل موجة الهجمات الإرهابية والاحتجاجات العنيفة في الآونة الأخيرة، كان أربعة من بين كل خمسة تونسيين يقولون إن بلادهم تسير في الاتجاه الخطأ. فقطاع السياحة وهو شريان حياة حيوي للاقتصاد التونسي انخفض مردوده بنسبة 50 في المئة والبطالة مرتفعة والبنية التحتية ضعيفة. ورأس المال يتسرب إلى الاقتصاد غير الرسمي مما يحرم الدولة من العائدات التي تحتاجها بشدة ويؤثر سلباً على مشروعيتها. وعلى رغم أن عدد سكان تونس يبلغ 11 مليوناً فحسب وناتجها القومي أقل من ناتج ولاية «رود أيلاند» الأميركية، إلا أنها مهمة للنظام الإقليمي ولمصير التحديث والديمقراطية في العالم العربي. وفشل تونس لن يحبط فحسب معنويات من يتوقون ويضحون من أجل المزيد من التعدد في العالم العربي، بل سيلقي أيضاً بآلاف آخرين من التونسيين في أحضان الجماعات المتطرفة وتجار البشر، مما يضر بالحرب ضد «داعش» وجهود أوروبا للتصدي لأزمة اللاجئين وعواقبها السياسية والجيوسياسية العميقة. والجيد في الأمر أن الأوان لم يفت بعد لتغيير المسار التونسي المضطرب في الآونة الأخيرة. والخطوة الأولى هي الاعتراف بأن التونسيين وشركاءهم الدوليين قد فشلوا. والحقيقة القاسية هي أن الإعجاب بتونس لم يُترجم بعد إلى دعم دولي فاعل ومتماسك. والقضية الحقيقية ليست إجمالي الدعم، وهو ليس كبيراً على كل حال، ولكن عدم انسجام الدعم الذي تلقته تونس مع حاجاتها الحقيقية. وتقع على عاتق التونسيين أنفسهم مسؤولية كبيرة أيضاً. فلم يُبذل إلا القليل للغاية من الجهد لاقتلاع الفساد وتحقيق المساواة بين الجنسين والسعي لترقية المناطق والجماعات المهمشة تقليدياً وتحقيق تقدم في قائمة طويلة من الإصلاحات التشريعية المحورية، وإذا لم يكن التونسيون مستعدين لمعالجة هذه القضايا فلن يتحقق تغيير مستدام مهما يكن مستوى الدعم الدولي أو النوايا الحسنة. والخطوة الثانية هي الاعتراف بأن تونس وشركاءها يعرفون على نطاق واسع كيفية تشخيص علل البلاد وعلاجها ولكنهم يفتقرون إلى آلية للمساعدة في تحويل قائمة أولوياتهم المشتركة إلى نتائج، وهذا هو ما يبرز الحاجة الملحة لإعادة إرساء إطار عمل جديد للشراكة في مركب يجمع بين الإصلاحات السياسية والبيروقراطية التي يقوم بها التونسيون مع مزيد من المساعدات الدولية المنسقة والملموسة، وبدلاً من افتراض سوء النوايا ونقد كل طرف للآخر، يجب أن تتكون العناصر الحاسمة في هذا المسعى الجديد من المسؤولية والمحاسبة المتبادلتين بالإضافة إلى البراجماتية وتحديد الأولويات. ويجب على الشركاء الدوليين أن يكونوا مستعدين لتنفيذ مشروعات وتمويل الملحة منها خاصة إذا أظهرت تونس جدية في أدائها، كأن تضع مثلاً آلية تعجل برامج التنمية الاجتماعية مع البدء بعملية إعادة هيكلة طويلة الأمد للجهاز البيروقراطي. وإذا أظهرت تونس استعداداً لإحداث إصلاحات في الإدارة والاستثمار، فعلى شركائها تقديم النصح والخبرة الضروريين. ولا شك أن وزراء التنمية والمالية في واشنطن الذين يلتقون هذا الأسبوع في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سيركزون على أكبر الأزمات الدولية. وعليهم أن يركزوا أيضاً على أكبر الفرص التي ما زالت تونس تمثل واحدة منها. وتحديداً لأن تونس مازال في مقدورها أن تنجح فليس بوسعنا تركها للفشل. * رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ونائب وزير الخارجية الأميركي السابق. ** نائب رئيس مؤسسة كارنيجي ووزير الخارجية الأردني السابق. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
مشاركة :