تترقب الأسواق النفطية اجتماع منتجي النفط العالميين في العاصمة القطرية الدوحة اليوم وانعكاساته على أسعار الخام. واستبقت دول فاعلة على الساحة النفطية هذا اللقاء المهم باجتماع سابق ناجح في الدوحة أيضا في منتصف شباط (فبراير) الماضي ضم السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا وتم خلاله التوافق على تجميد مستويات الإنتاج النفطي عند مستوى كانون الثاني (يناير)، كما شهد الشهر الجاري اجتماعا آخر لمنتجي النفط في أمريكا اللاتينية في مدينة كيوتو تم خلاله التوافق على ضرورة تجميد الإنتاج والالتزام التام بهذا التوجه. وتترقب السوق بشدة نتائج هذا الاجتماع في ضوء تضارب التقديرات بين عديد من المؤسسات الدولية والمالية الكبرى، ففيما يشكك البعض في إمكانية نجاح الاجتماع بسبب الموقف الإيراني المتعنت، يذهب آخرون إلى إمكانية التوافق على تجميد الإنتاج مع التقليل من أثر ذلك في الأسعار، أما الرأي الأخير فقد ذهب إلى التفاؤل بتوافق المنتجين وأيضا بالتأثير الإيجابي في الأسعار، ومن هؤلاء "بنك أوف أمريكا ميريل لنش" الذي أكد أن إعادة التوازن إلى سوق النفط تمضي قدما وأن الأسعار ربما تقفز قريبا فوق 50 دولارا للبرميل. وقال مصدران مطلعان أمس "إن إيران لن تحضر اجتماع الدوحة"، ورغم أنه لم يكن من المقرر حضور وزير النفط الإيراني الاجتماع إلا أنه كان من المفترض أن ترسل طهران ممثلا عنها، وكانت إيران قد أشارت في وقت سابق إلى أنها لن تنضم إلى اتفاق لتجميد الإنتاج لأنها تسعى إلى زيادة إنتاجها النفطي وإعادة حصتها في السوق إلى ما كانت عليه قبل العقوبات. وتتعطش السوق بشدة لتعافي الأسعار والسيطرة على تخمة المعروض وفي مقدمة هؤلاء أصحاب الإنتاج عالي التكلفة وخاصة الإنتاج الصخري في الولايات، والذين ينتظرون الفرصة للعودة بقوة إلى الأسواق. وفي هذا السياق، حذر مختص نفطي أمريكي من أن استمرار أسعار النفط الخام حول 35 أو 40 دولارا للبرميل لمدة عامين يمكن أن يقود إلى انخفاضات حادة وسريعة في إنتاج النفط، مؤكدا أنه إذا حدث ذلك فإنه بحلول العام الثالث سيرتفع سعر البرميل إلى 100 دولار بسبب انهيار المعروض. وقال مارك بابا الذي يلقب بأحد مهندسي ثورة النفط الضيق في الولايات المتحدة في التقرير الدوري لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، "إن هناك بالفعل حاجة ماسة لتحقيق توازن بين إنتاج "أوبك" وإنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة دعما لاستقرار ونمو السوق، مشيرا إلى أن هذا التوازن يتحقق – في تقديره – عند سعر ما بين 60 و70 دولارا للبرميل، ولذا يجب أن يتعاون المنتجون لدفع الأسعار نحو هذا المستوى. وأضاف مارك أن "الطلب العالمي على النفط سينمو خلال السنوات المقبلة بنحو مليون برميل يوميا وأن هناك حاجة لبقاء إنتاج النفط الصخري نشطا ليكمل منظومة الطاقة في العالم وأن تراجع الإنتاج الأمريكي له تداعيات سلبية على الاقتصاد الدولي بصورة شاملة". وذكر التقرير أن الحد الأدنى المناسب لاستمرارية الإنتاج الأمريكي هو 55 دولارا للبرميل، مشيرا إلى أن هبوط الأسعار إلى ما دون هذا المستوى أدى إلى توقف استثمارات كثيرة وواسعة والآمال معلقة على عودة هذا المستوى من الأسعار لاستئناف الإنتاج مرة أخرى. وأشار مارك في تقريره إلى منظمة "أوبك" إلى أن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها شركات النفط الصخري متفاوتة، مشيرا إلى أن بعض الشركات تواجه مخاطر أقل ويمكنها استئناف الإنتاج عند مستويات أسعار أقل من 55 دولارا للبرميل. وأوضح التقرير أن العودة إلى مستوى 55 دولارا واردة في المستقبل القريب حيث تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن هذا المستوى المتوسط للأسعار سيستمر كثير ربما عشر سنوات أو أكثر وهو ما يضمن تنشيطا نسبيا للاستثمارات، مضيفاً أن "هامش الربح سيكون بالفعل أقل ولن يصل إلى مستويات الأرباح السابقة التي وصلت إلى 25 و30 في المائة"، مؤكدا أن عمليات استئناف الحفر لن تعود بشكل سريع إلا إذا حدثت طفرة في مستويات الأسعار. وتشير توقعات أسعار النفط إلى أنها سترتفع قليلا في أواخر 2016 وبمستوى أكبر في 2017، لكن عملية بدء تغيير مسار مستوى الإنتاج في الولايات المتحدة تحتاج إلى بعض الوقت خاصة في ضوء توقع تراجع الإنتاج الأمريكى بنحو 700 ألف برميل يوميا في عام 2016 مع توقعات بتراجع الإنتاج في 2017 بنحو 200 ألف برميل يوميا بعد استئناف بعض الشركات عمليات الحفر في ضوء التحسن النسبي للأسعار. وأضاف تقرير "أوبك" نقلا عن المختص الأمريكي أن "انهيار أسعار النفط الخام على مدار قرابة العامين الماضيين أجبر المنتجين الأمريكيين على اتخاذ تدابير مالية قاسية شملت خفض التكاليف والنفقات الرأسمالية والتشغيلية إضافة إلى تخفيض عدد الموظفين وتأجيل المشاريع وبيع الأصول وفي بعض الحالات الأكثر صعوبة تم إعلان الإفلاس". ويؤكد التقرير أنه يوجد بالفعل 20 في المائة من المنتجين في الولايات المتحدة على وشك الإفلاس، كما لجأت أغلب الشركات الكبرى إلى الحد بشكل كبير من الاستثمارات والمشاريع داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وأشار إلى أن وضع الاستثمارات النفطية الأمريكية حاليا يراوح بين شركات صغيرة أو متوسطة مهددة بالإفلاس، وبين شركات كبيرة تواجه مأزقا وصعوبات مالية واسعة وهو ما سينعكس دون شك على مستوى إنتاج الولايات المتحدة بشكل عام. وبناء على سعر النفط الحالي وهو أقل من 40 دولارا للبرميل فإنه يمكن القول إن صناعة النفط المحلية في الولايات المتحدة تواجه موقفا كارثيا لأن هذا المستوى من الأسعار لا يتيح لأي شركة في الولايات المتحدة الإقدام على التنقيب عن النفط في أي مكان داخل أمريكا. ويتوقع مختصون كثيرون موجة إفلاس في قطاع النفط الأمريكي، وذكرت مؤسسة ديلويت للاستشارات في شباط (فبراير) الماضي، أن نحو ثلث شركات إنتاج والتنقيب عن النفط مهددة بالإفلاس، وطرحت شركة أليكس بارتنزر للاستشارات صورة قاتمة مشابهة، وقد سمحت ظروف سوق النفط المواتية خلال سنوات ارتفاع الأسعار لعديد من الشركات الصغيرة بالاقتراض. وأشار تقرير "أوبك" إلى أنه من الطبيعي توقع واحدا من الانخفاضات الحادة في إنتاج الولايات المتحدة خلال العام الجاري وذلك للمرة الأولى في أربع سنوات، منوها بتوقع تراجع إجمالي إنتاج الولايات المتحدة إلى نحو 8.3 مليون برميل يوميا خاصة مع انخفاض إنتاج الحقول البرية في خليج المكسيك بنحو 750 ألف برميل يوميا. وذكر التقرير أن بعض المشاريع البحرية ستحد نسبيا من تراجع الإنتاج حيث ستنمو في 2016 بنحو 150 ألف برميل يوميا، وهذه المشاريع تم تأسيسها كمشاريع طويلة المدى ودفعت تكاليفها الاستثمارية مقدما، وكانت أسعار النفط وقت تأسيس هذه المشاريع قبل ثلاثة أعوام تتجاوز 100 دولار للبرميل، ولذا فإن استمرارها أمر طبيعي وإنتاجها حتى لو بيع بأي سعر لن يمثل عبئا اقتصاديا. وتوقع التقرير نقلا عن المختص الأمريكي أن العام الجاري والأعوام المقبلة ستشهد كثيرا من التطورات الإيجابية فيما يتعلق بتضييق الفجوة بين العرض والطلب بشكل مستمر وهو ما سيدفع الأسعار إلى النمو وربما تصل إلى 65 دولارا للبرميل في عامى 2017 أو 2018 وهو الأمر الذي من المؤكد أنه سيدفع في اتجاه نمو إنتاج الولايات المتحدة مرة أخرى. من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، فقد أغلقت أسواق النفط في ختام الأسبوع المنصرم على انخفاض وسط تعاملات هزيلة في الوقت الذي قال فيه محللون "إن اجتماع كبار مصدري النفط المزمع عقده غداً لن يسهم كثيرا في التخلص من تخمة المعروض العالمي سريعا حتى إن كان ذلك قد يضع حدا لهبوط السوق". وتسببت تخمة المعروض في هبوط أسعار النفط نحو 70 في المائة منذ منتصف 2014، حيث يبلغ فائض الإنتاج العالمي من الخام نحو 1.5 برميل يوميا فوق حجم الطلب. وبحسب "رويترز"، فقد انخفض سعر خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة 74 سنتا إلى 43.10 دولار للبرميل عند التسوية، ونزل خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في العقود الآجلة 1.14 دولار عند التسوية أيضا إلى 40.36 دولار للبرميل، وتراجع الخامان في وقت سابق قبل إغلاق التعاملات بأكثر من 3.5 في المائة غير أنهما ارتفعا على أساس أسبوعي للأسبوع الثاني. إلى ذلك، ذكرت شركة "بيكر هيوز" للخدمات النفطية أن شركات الطاقة الأمريكية خفضت عدد الحفارات النفطية للأسبوع الرابع على التوالي ليصل إلى أدنى مستوى منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 مع استمرارها في تقليص الإنفاق على الرغم من تحقيق قفزة بأكثر من 50 في المائة في أسعار عقود النفط الآجلة منذ أن هوت في شباط (فبراير) لأدنى مستوى في نحو 13 عاما. وقالت "بيكر هيوز" في تقريرها الذي يحظى بمتابعة وثيقة "إن شركات الحفر أوقفت تشغيل ثلاثة حفارات نفطية في الأسبوع المنتهي في 15 نيسان (أبريل) لينخفض إجمالي عدد الحفارات إلى 351 مقارنة بـ 734 حفارا كانت قيد التشغيل في نفس الأسبوع قبل عام". وأوقفت شركات الحفر في 2015 تشغيل 18 حفارا نفطيا كل أسبوع في المتوسط ليصل إجمالي الخفض في عدد الحفارات على مدى العام إلى 963 حفارا وهو أكبر انخفاض سنوي منذ عام 1988 على الأقل وسط أكبر هبوط في أسعار الخام في 30 عاما، وقبل هذا الأسبوع خفضت شركات الحفر عدد الحفارات بمتوسط 13 حفارا في الأسبوع أو بواقع 182 حفارا إجمالا منذ بداية العام.
مشاركة :