تطوير القضاء السعودي أصبح ضرورة

  • 4/17/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الإسلام هو دين المملكة العربية السعودية ولن يتغيّر حيال هذا شيء إلى نهاية الزمن. والشريعة هي القانون الذي رضيه الله عز و جل ورسوله صلى الله عليه و سلم للناس، ولا يمكن أن يتغير حيال هذا شيء إلى نهاية الزمن. لكن مع ذلك، قضاؤنا بحاجة إلى إصلاح، ومن يعرف واقع المحاكم يعرف هذا جيداً، ويعرف أن القضايا تمتد إلى خمس سنوات وأكثر دون أن يُبتّ فيها، مع ما في هذا من تعطّل المصالح والخسائر الفادحة التي تقع على المتقاضين جميعاً، أو على بعضهم. أول ما نحتاجه هو زيادة عدد القضاة فما زال العدد قليلاً جداً، فنحن نريد تغطية قارة يسكنها عدد من البشر يسيرون باتجاه رقم ثلاثين مليونا. هذا العزوف عن القضاء من قبل شبابنا خريجي الكليات الشرعية، في تحليلي، سببه الأساس هو عدم التدوين، وإلقاء المسؤولية بكاملها على كاهل القاضي، ولو تصورنا العبء النفسي الناتج عن ذلك، لأدركنا لماذا يتهرب كثير من أهل الورع عن القضاء برغم قدرتهم عليه وتمكنهم منه. والتدوين هو الأمر الآخر الذي نحتاجه، وهو وضع الأحكام الشرعية في مواد قانونية ملزمة. التدوين سيُريح ضمير القاضي. لكن المشكلة أنه ما زالت لدينا حساسية من تدوين القضاء برغم أن موطأ الإمام مالك عندما وضع، لم يوضع هكذا لمجرد الرغبة في تأليف الكتب، بل لأن مالكاً والدولة المسلمة من ورائه أراد وضع قانون أو نظام، سمّه ما شئت، يلتزم به أهل الإسلام ويفصل هو بينهم في العبادات والمعاملات. وعندما تنظر في (رسالة الإمام مالك إلى الليث بن سعد) والليث بن سعد هذا هو فقيه مصر في القرن الهجري الثاني، فستجد أن الرسالة على لباقتها الرفيعة كانت تحوي غضباً وعتباً على الليث لأنه كان يفتي أهل مصر بفتاوى تخالف عمل أهل المدينة وما قرره الإمام مالك في الموطأ. إذن فقد كان هناك إلزام منذ فجر الإسلام. أما القصة التي تُروى أن مالكاً رفض إلزام الناس بالموطأ فالغالب أنها غير صحيحة، فنصوص رسالته لليث تنطق بما يُخالف تلك الرواية. تدوين الأحكام الشرعية فيه مصالح كبيرة وكثيرة، فمن خلاله سنخرج من التحكمية القضائية التي يمارسها قاضٍ واحدٍ، وهو بدوره إنسان يتحكم فيه مزاجه كإنسان وحساسيته من قضايا معينة وبقاء الأحكام أسيرة لعقيدته القانونية التي تختلف عن عقيدة القاضي الذي يجلس في الغرفة المجاورة له. هذا التباين الشديد في الأحكام التي تصدر عن محاكمنا هو أمر ينبغي تجاوزه، وإن كان مبررا شرعاً. هذه ليست دعوة لإلغاء دور القاضي، بل من الضروري أن تترك له مساحة يتحرك فيها بأن تمنح له السلطة التقديرية المحددة. لو أننا أخذنا رواية في المذهب الحنبلي، وحولناها إلى مواد ملزمة فهذا اسمه تدوين أو تقنين. لكن ليس هذا هو كل المطلوب، بل المطلوب هو الاستفادة من جميع المذاهب ومن جميع الآراء الفقهية المتنوعة، والاختيار بين الأحكام يجب ألا يُبنى على التشهي، بل يقوم به فقهاؤنا الكبار الثقات. والحمد لله فالمملكة مليئة بالفقهاء المحكِّمين الذين إذا اجتمعوا فستكون لديهم القدرة على تدوين أفضل الآراء وأحكمها، بدلاً من حصر أنفسنا في مذهب واحد، فالإسلام أوسع من ذلك بكثير والفقه الإسلامي بحرٌ لا ساحل له.

مشاركة :