أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب اليوم قرار الهيئة العلمية ومجلس أمنائها بمنح لقب شخصية العام الثقافية في دورتها العاشرة للكاتب اللبناني باللغة الفرنسية أمين معلوف تقديرا لتجربة روائي حمل عبر الفرنسية إلى العالم كله محطات أساسية من تاريخ العرب وتاريخ أهل الشرق بعامة وسلط أضواء كاشفة على شخصيات نذرت نفسها لإشاعة الوئام والحوار الثقافي بين الشرق والغرب وأعاد خلق تجارب فذة ومغامرات مؤثرة وتميز في هذا كله بأسلوب أدبي يجمع مفاتن السرد العربي إلى بعض منجزات الحداثة الغربية في الكتابة الروائية وكتابة البحث الفكري. عاش أمين معلوف المولود في 25 فبراير 1949 الحرب الأهلية اللبنانية في صميم حياته الشخصية وخبرها عن كثب ثم قرر اصطحاب زوجته وأطفالهما والرحيل إلى باريس..وهناك اشتغل في مجلة النهار العربي والدولي الأسبوعية كما اشتغل في المجلة الفرنسية جون أفريك أو أفريقيا الفتاة .. وكان قبل ذلك قد درس الاقتصاد وعلم الاجتماع في جامعة بيروت واشتغل في صحيفة النهار البيروتية متخصصا في الأحداث والسياسة الدولية فزار من أجل ذلك ما يزيد على ستين بلدا وغطى أحداثا كبرى من بينها حرب فيتنام. بعد سنوات فاجأ القراء بكتابه الأول بالفرنسية الحروب الصليبية كما رآها العرب عام 1983 .. في هذا الكتاب كشف عن شغفيه الأساسيين بالتاريخ من جهة وبالكتابة السردية من جهة أخرى.. وكانت الحروب الصليبية تشكل أحد الموضوعات الأساسية في الدراسات التاريخية والنصوص الأدبية التي تستلهم التاريخ بالفرنسية لكنها نادرا ما عرضت من وجهة نظر العرب.. جعل معلوف من الحروب الصليبية كما عاشها المجتمع العربي بمختلف شرائحه وانتماءاته موضوع كتابه كله.. لقد وصفها وحللها بمنتهى الموضوعية والتجرد العلمي مستندا إلى نزعة إنسانية تميز كل أعماله يأسف فيها للدماء المراقة ولهذا العنف الشامل الذي يجعل من هذه الحروب في رأيه لا سلسلة حروب دينية فحسب كما يرى بعضهم بل صدمة حضارات حقيقية قد يكون أثرها ساريا حتى اليوم. بعد هذا الكتاب توالت أعمال معلوف ضمن هذا التخاصب الدائم بين التاريخ والسرد دون أن تنحصر لا في الاهتمام التاريخي بمفرده ولا في السرد وحده.. فإلى جانب رواياته التي تستلهم التاريخ البعيد ليون الأفريقي عام 1986 وسمرقند عام 1988 وحدائق النور عام 1991 ورحلة بلداسار عام 2000 نجد روايتين تستعيدان الماضي القريب للبنان وللمنطقة ألا وهما صخرة طانيوس 1993 وموانئ الشرق 1996 ورواية معاصرة الأجواء والشخوص التائهون 2012 وكتابا ينتمي إلى السيرة الذاتية واستعادة التاريخ العائلي بدايات 2004 ورواية في الخيال العلمي مكتوبة على خلفية هموم معاصرة تماما القرن الأول بعد بياتريس عام 1992 ومؤلفين فكريين الهويات القاتلة 1998 واختلال العالم 2009 ونصوصا أوبرالية الحب عن بعد عام 2001 والأم أدريانا 2004 ومأساة سيمون 2006 وإيميلي 2010 . يلاحظ في أعمال أمين معلوف أنه يؤسس لعالم أدبي قائم على الترحال وعلى تعدد الهوية أو التعدد الثقافي لا بمعنى نكران الوطن الأم أو الثقافة الأصلية بل بمعنى الحق في مواطنية عالمية وإنسانية متسعة تشمل أكثر من لسان وأكثر من ثقافة وأكثر من ارتباط جمالي وفكري وثقافي.. وهذا كله ينعكس في حياة الشخوص أغلبهم يتكلمون عدة لغات ويحذقون أكثر من فن وتتعدد مواطن إقامتهم تبعا للانقلابات التاريخية وتعاقب المآسي والهجرات.. شخوص عديدة تقع ضحايا الأحداث لكنها تتفنن في إعادة ابتكار مصائرها اعتمادا على مواهبها وإيمانها بحصة الإنسانية العالية التي هي فيها.. وفي أغلب هذه الأعمال نشهد حضور عبارين حقيقيين أي موصلين بين الثقافات وبناة جسور بين شتى أشطار الإنسانية. نثر معلوف عناصر من تاريخه الشخصي والعائلي ومن تاريخ لبنان في مختلف رواياته وأعماله الأخرى حيث عبر عنها تلميحا أو على نحو مشفر أو مرموز.. فسواء في ليون الأفريقي أو رحلة بالداسار في صخرة طانيوس أو في موانئ الشرق وسواء كانت التجربة التاريخية المعالجة في هذه الرواية أو تلك تنتمي إلى الأمس البعيد أو إلى الماضي القريب ثمة تجارب في التجوال والتيه والتعدد الثقافي واللغوي ومعاناة الحرب والمنفى والتوحد تلقى تعبيرا لها على ألسنة شخوص الروايات بعد أن خبرها الكاتب نفسه وعاشها في مسيرته الشخصية.. وفقط بعد أن تقدم في شوطه الإبداعي ونشر أعمالا عديدة رجع إلى تاريخه العائلي هذا ووضع فيه كتابه الضخم بدايات الذي يعود فيه بلغة الرواية إلى البحث عن الوجوه الأثيرة لهذا التاريخ وعاداته وطقوسه ومشارب أفراده. وفي محاوراته أيضا يعود معلوف إلى تاريخ العائلة والبلاد والمنطقة هذا ليسلط عليه إضاءات قوية ويغنيه بتأملاته.. ومن هذه المحاورات نعلم مثلا أنه نشأ في حارة رأس بيروت في العاصمة اللبنانية حارة مختلطة كان أترابه فيها مسيحيين ومسلمين لبنانيين وفلسطينيين ومصريين.. وإلى جانب العربية لغته الأم انفتح عبر الاختيارات الثقافية لأبيه وهو أيضا صحافي وأديب على اللغة الإنجليزية وعبر اختيارات أمه انفتح على الفرنسية. هذه النشأة وما تبعها من قراءات وخيارات شخصية وتجارب حية جعل معلوف يعتبر الهوية الواحدة المكتفية بذاتها والمتطلعة إلى الهويات أو الثقافات الأخرى بتعال أو خوف وبانغلاق نوعا من الحبس والتضييق للأفق الجمعي وإفقارا للحياة. ولقيت هذه الأفكار صدى واسعا في القراءات المخصصة لأعماله.. فبالإضافة إلى الدراسات الجامعية والقراءات النقدية التي تعنى بالتقنيات السردية لدى معلوف أو بتخاصب التاريخ والسرد في نصوصه تركز دراسات أخرى على علاقات الهوية والذاكرة والانتماء في كتبه وعلى تعدد الانتماءات عند شخوص رواياته وعلى بحثه عن شجرة أنسابه وعلى ذاكرة الأصول وكتابة المنفى عنده. بهذه الموضوعات التي تمس في الصميم مخاوف الإنسان المعاصر ومصادر قلقه وكذلك آماله وباللغة المسخرة لتناولها لغة تتميز بالشاعرية وبراعة السرد واستنطاق التاريخ.. ضمن أمين معلوف لأعماله الأدبية مكانة مرموقة في المشهد الأدبي وبفضلها رأت الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب ومجلس أمنائها فيه كاتبا جديرا بنيل جائزتها في فرع الشخصية الثقافية لسنة 2016. يذكر أن الفائز بلقب شخصية العام الثقافية يمنح ميدالية ذهبية تحمل شعار جائزة الشيخ زايد للكتاب وشهادة تقدير بالإضافة إلى مبلغ مليون درهم ..كما سيتم تنظيم حفل تكريم الفائزين في الأول من مايو 2016 في مركز ابوظبي للمعارض على هامش معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
مشاركة :