جدير بنا والبحرين تتخطى محنة فبراير وتزيح عن وجهها غبار الفوضى الخلاقة التي صنعتها قوى دينية وسياسية أقل ما يقال عنها عدم قرأتها المتأنية لتاريخ البحرين المعاصر ومكوناته الاجتماعية، أي الجذور الاجتماعية والتاريخية لتلك المكونات. إذا ما أتفقنا على أن المكونات الاجتماعية الكبرى التي يتشكل منها المجتمع البحريني، هي: العرب السنة، والبحارنة، والعجم،(1) إذاً حرياً بنا أن نتوقف أمام بعض من الجذور الاجتماعية والتاريخية للمكون الأول العرب السنة، على أن نأتي في مقالات قادمة لنلقي الضوء على بعض من جذور المكونات الاجتماعية الأخرى، وذلك حتى نتلمس بواقعية شديدة دور هذه المكونات في التاريخ المعاصر للبحرين. آل خليفة وبُناة الدولة الحديثة: وحتى نقوم بذلك فأنه علينا أن نتوقف أمام جهود كتابة تاريخ البحرين المعاصر، محطاته الحديثة وأعلامه من الذين وضعوا اللبنات الأولى أمام التحول التاريخي الكبير الذي عاشته البحرين منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر نحو عصر الحداثة. كانت المحطة التاريخية الكبرى هي الفتح العربي الذي قاده حلف قبائل العتوب النجدية بقيادة آل خليفة، حيث مع أفول القرن الثامن عشر تم على أيديهم إستعادة الثغر العربي، البحرين، بصورة نهائية من أيدي الفرس آبان الحكم الصفوي لإيران. وتشاء الظروف أن تمر البحرين خلال العقود الأولى من القرن التاسع عشر بحالات متفاوته من الاستقرار والاضطراب، إلى أن تمت مبايعة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكماً للبحرين عام 1869م. تشهد العقود الثلاثة الاخيرة من القرن التاسع عشر مرحلة من حكم المرحوم الشيخ عيسى بن على قدراً من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، ممهدة الطريق لفجر عصر الحداثة في البحرين وإنطلاق مشروع تأسيس الدولة الحديثة، حيث ستتواصل جهود الشيخ عيسى بن على في إستكمال معالم هذه النهضة. كان من أبرز معالم هذه المرحلة بروز وتطور النخبة الحاكمة والتجارية في البحرين، حيث ستلعب هذه النخبة قيادة الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية العامة، وبفضل هذه النخبة ستؤول للبحرين المكانة الريادية والمتقدمة خلال النصف الأول من القرن العشرين. يأتي كتاب أعيان البحرين، باجزائه الثلاثة،(2) لالقاء الضوء على بعض من تلك الشخصيات البحرينية التي لعبت دوراً في مسيرة المجتمع البحريني نحو التطور والحداثة. يعود هذا العمل للباحث البحريني المجد بشار يوسف الحادي الذي أخذ يشق طريقه خلال السنوات الأخيره في مجال كتابة تاريخ البحرين، بالرغم من تعدد الانتقادات التي تقال هنا وهناك على تجربته في كتابة التاريخ. نحن هنا في أعيان البحرين برفقة واحد وستون شخصية من أعيان البحرين، ممن شهدو ولعبو أدواراً متفاوته في التحول التاريخي، الذي عاشته البحرين بانتقالها من مجتمع القبيلة إلى مجتمع الدولة؛ معظم أعيان هذه النخبة قد أتو إلى هذا العالم عند تخوم منتصف القرن التاسع عشر، أي بداية القرن الرابع عشر الهجري، نذكر منهم على سبيل المثال: الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة عام 1844م، وراشد بن مهنا النعيمي عام 1850م، ومحمد بن عبدالوهاب المشاري عام 1864م، وأحمد بن علي يتيم عام 1854م، وشاهين بن صقر الجلاهمة عام 1849م، وخليفة بن عبدالغفور السادة عام 1839م، وأحمد بن حسن بن محمد الحسن عام 1844م، ومقبل بن عبدالرحمن الذكير عام 1844م، وسلمان بن صقر الحادي عام 1863م، وعلي بن إبراهيم الزياني عام 1848م. وهكذا، فأن غالبيتهم قد ظل معاصرً، بل على قيد الحياة، حتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين. فقد توفى على سبيل المثال: الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة عام 1964م، وسلمان بن حسين بن مطر عام 1944م، ومحمد بن أحمد يتيم 1947م، وعبدالعزيز بن حسن القصيبي 1953م، ويوسف بن أحمد كانو عام 1945م، وخليل بن إبراهيم المؤيد عام 1964م، والشيخ حمود بن صباح آل خليفة عام 1958م، وسعد الشملان عام 1954م، وعلي بن موسى العمران عام 1954م، وقاسم بن محمد الشيراوي عام 1950م، وجبر بن محمد المسلم عام 1961م، ويوسف بن عبدالرحمن فخرو عام 1953م، وعبدالله الحمد الزامل عام 1961م. أما البعض الآخر فقد عاصر معظم القرن العشرين، مثل: عبدالرحمن بن عبدالعزيز العجاجي عام 1970م، وأحمد بن حسن إبراهيم عام 1985م، وعبدالرحمن بن حسن القصيبي عام 1976م؛ أما بقية الأعيان الذين تناولهم بشار الحادي فقد غابو عن هذا العالم أما في منتصف القرن العشرين أو بعده بقليل. التجارة، الوطن، والعروبة تكشف السير الذاتية لمعظم هؤلاء الأعيان عن تلقىيهم تعليمهم في مؤسسات التعليم التقليدي مثل الكتاتيب غيرها، على أن بعضهم مثل على ومحمد، أبناء أحمد بن علي يتيم، وأحمد بن حسن بن إبراهيم (ت 1985م) بمدرسة الإرسالية الأمريكية في البحرين، وبعد ذلك إلتحق علي يتيم، وأحمد بن حسن بن إبراهيم، وخليل بن إبراهيم كانو بـ جامعة عليكرة في الهند، وكان برفقتهم أيضاً الشقيقان جاسم وعلي أبناء محمد كانو، أما محمد يتيم فقد إلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت. وأمتلكو جميعهم تجارب غنية في الاتصال بثقافات ومجتمعات متنوعة إبتدأ من نجد، بوسط الجزيرة العربية، مروراً بالاحساء والبصرة وفارس وشبه الجزيرة الهندية، بل أن معظهم قام بزيارات وأسفار متعددة إلى مدن الحواضر العربي المليئة بالصخب والتنوير، مثل القاهرة ودمشق والقدس وبيروت وبغداد والحجاز، وكذلك مدن أوروبية مثل باريس ولندن، نذكر من هؤلاء الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة وخليل إبراهم المؤيد وعبدالرحمن القصيبي، بل أن بعضهم قضى سنوات من حياته في مُدنناً كولونيالية عريقة مثل بومبي وكراتشي. كما قضى آخرين سنوات متفاوته من حياتهم في مدن عربية عريقة، حيث أمضى محمد بن أحمد يتيم سنوات حياته المتأخرة (1939-1947م) متنقلاً بين دمشق وبيروت، وهي كما نعلم سنوات الحرب العالمية الثانية. وقد تواصل عدد منهم أيضا، مثل: الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة، والشيخ حسن بن على آل خليفة (ت 1969م)، وقاسم بن محمد الشيراوي، وخليل بن إبراهيم المؤيد، وحسن بن عبدالعزيز العجاجي مع ناشرين عرب وأجانب وأصحاب صحف ومجلات ومكتبات في القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد وبومبي. وعندما آن أوان الانتقال إلى التعليم النظامي الحديث أسهموا (سلمان بن حسين بن مطر، عبدالرحمن القصيبي، على بن صقر الجلاهمة، علي بن عبدالله العبيدلي، على بن إبراهيم الزياني)؛ مثلما أسهم بعضهم ممن وردت سيرهم هنا، أي أعيان البحرين، مثل: سعد الشملان، وحسين بن علي المناعي (ت 1932م)، وأحمد بن لاحج النعيمي (ت 1964م)، وجبر من محمد المسلم، وآخرين مثل قاسم بن محمد الشيراوي والشيخ عبدالوهاب الزياني (ت 1925م) سواء في لجنة مقاومة الاستعمار البريطاني (1919-1921م) أو في اللجنة الوطنية (1923م) التي تصدت للتدخلات البريطانية في شؤون البحرين خلال فترة المعتمد البريطاني الميجر كلايف ديلي. وهكذا نجد أن هذه المجموعة من الأعيان من النخبة البحرينية قد أتسمت تقاطعتها مع الثقافة الأوروبية بقدر كبير من الشد والجذب والتراخي والشدة، ففي الوقت الذي شهدت العلاقات التجارية توسعاً كبيراً وكذلك الجانب التعليمي وربما الإداري، إلا أن المجال السياسي شهد علاقات من الشد والتوتر بل الخصومة؛ مظهرة هذه النخبة محاولاتها في المقاومة والتصدي لنفوذ الهيمنة والتسلط الكولونيالي الذي كان تقوم به بريطانيا في البحرين والخليج العربي. وكان من جراء نشاط المقاومة الذي أخذ أعيان تلك النخبة يبدونه، أن قامت السلطات البريطانية بنفي الشيخ عبدالوهاب الزياني وأحمد بن لاحج النعيمي وسعد الشملان في عام 1923م إلى الهند؛ وكان سبق وأن قامت كذلك بنفي قاسم بن محمد الشيراوي في يوليو 1921م إلى الهند حيث عاد من منفاه عام 1923م، وقد تضامن معهم في منفاهم في مدينة بومبي عدد من الزعماء الهنود مثل: جواهر لال نهرو ومحمد على جناح، حيث تولى الأخير مهمة الدفاع عنهم في محاكم الهند البريطانية. وكان المرحوم الشيخ عيسى بن على آل خليفة حاكم البحرين قد أبدى إمتعاضه الشديد لمعاقبة الإدارة البريطانية للشخصيات الوطنية التي وقفت إلى جانبه بصفته حاكماً للبحرين ضد السلطات البريطانية وذلك بنفيهم إلى الهند، فقد بعث بخطاب بتاريخ 25 نوفمبر 1923م للشيخ عبدالوهاب الزياني، أي بعد أسبوع من مغادرة السفينة التي أقلتهم للمنفى، قائلا له: إن ما قع عليك وعلى زميلك (أي أحمد بن لاحج النعيمي) من النفي والاعتقال والإضطهاد قد آلم نفسي كما آلم نفوس الآهلين، ولقد بلغ التأثر بالشعب أقصى تأثر.
مشاركة :