تحدث أحدهم عن نجاح صديق له قديم، أصبح رجل أعمال يشار إليه بالبنان، وصار الجلوس معه لدقائق معدودة أمراً بالغ الصعوبة، رغم أنه كان يوماً من الأيام من «شلة الاستراحة»! حتى حسابه على تويتر يهجره لأيام، ولا يرد على تعليقات أصدقاء الاستراحة، و»ذبّاتهم» التي تذكره بأيام «القطة». بفضول مني، حاولت أن إستشف منه حال الشلة، فوجدت أن حالهم لا تختلف عن أغلب شلل الاستراحات، مجموعة أصدقاء بالكاد يتدبرون إيجار استراحتهم المتواضعة التي يقضون فيها جانبا كبيرا من وقتهم، يتقاطرون عليها تباعاً من بعد مغرب كل يوم ولا يغادرونها إلا في وقت متأخر من الليل. سهر وسمر ولعب ونقاشات حادة في كل شؤون العالم، وفي منتصف السمر يأتي صاحبهم رجل الأعمال يوم أن كان ضمن الشلة، ويسترخي جانباً على كرسي وثير يخصه، يراجع بعض الأوراق، أو يتابع برنامجاً ترفيهياً، ولا يتداخل معهم في نقاشاتهم إلا نادراً، وبشكل مقتضب، وبعد ساعة أو ساعتين على الأكثر يغادر إلى منزله، ما جعلهم يطلقون عليه بسبب هذا السلوك «النفسية»، أو «الدافور» في أحسن الأحوال. هم يأتون مشحونين بكامل طاقاتهم وإحباطاتهم وخيباتهم، ليمارسوا في استراحتهم عمليات تفريغ سلبية، أما صاحبهم فيأتي وقد فرّغ كل طاقته في عمله الخاص، ويجد على كرسيه الوثير مكاناً للاسترخاء، والراحة الإيجابية الاسترجاعية. لاحقاً، ومع ثورة تقنيات الاتصال والتواصل، تغيّرت طقوس الشلة، وانتقل جزء كبير من ممارساتهم إلى العالم الافتراضي، الذي منحهم هامشاً أوسع لتفريغ كل طاقاتهم المكنونة، ومشاعرهم المكبوتة خلف ستار اسم مستعار. طالما بقيت هذه الثقافة السلبية غير المنتجة، التي عبأت الزمن بالفراغ، وجعلت الانتظار يقتات الأعمار، أملاً في لحظة إثراء مفاجئ من مال سهل يأتي به القدر، أو وظيفة حكومية أقرب ما تكون للضمان الاجتماعي، ستبقى «السوشال ميديا» أكبر ميدان صراع يستهلكنا، لما امتلأ به من أناس لا يتقدمون، ولا يتورعون عن وضع العوائق أمام من يفكر في أن يتقدم خطوة واحدة.
مشاركة :