من فضل الله عليّ أنني رجل أحب السفر والترحال، وقد قُدّر لي أن أزور عددا من دول أوروبا صيف 2013، وفي ثنايا تلك الزيارة اللطيفة لاحظت في جدران المساجد ثيابا معلقة، وحينما سألت عنها صديقي الإيطالي من أصول مغربية قال: إن من يحضر للمسجد بلباس العمل أو غيره يرتدي من هذه الثياب للصلاة بها، وبعد فراغه منها يقوم بإرجاعها حتى يستفيد منها الجميع. قبل 15 يوما من الآن كنت في زيارة لجزيرة قـوا الهندية ومن المواقف التي حدثت في الساحرة الشاطئية أن ذهبت أنا وصديقي عمر لزيارة أحد المساجد في تلك المنطقة التي يحل فيها الدين الإسلامي الثالث في الترتيب بعد المسيحية أولا والهندوسية ثانيا. رحب بنا المتواجدون في ساحة المسجد بكل لطف وابتسامة، غير أن رجلا منهم منعنا من الدخول للمسجد وأداء صلاة العشاء مع الجماعة، بحجة أن لباسنا، خصوصا عمر غير ملائم للصلاة! ما الحجة والدليل لذلك الرجل الذي لم يبتسم حتى كغيره وبادرنا بالمنع قبل أن نمد يدنا لمصافحة الموجودين دون عذر أو مانع مقنع. كان الحل هو الانتقال إلى مسجد آخر، ومن حسن الحظ أن وصولنا كان وقت إقامة الصلاة. بعد الصلاة تقدم مجموعة من المصلين للسلام على الإمام، فتقدمنا معهم لنتفاجأ بالإمام يسلم على عمر ويقول: له "اُخرج اُخرج"، هنا عرفنا أن المسألة أبعد من ذلك. بعد ملاطفة مع الإمام وسؤاله أخبرنا بابتسامة أن لباسنا يسبب مشكلة في المساجد هنا. أتذكر المشهدين ولست مؤهلا للخوض في طريقة مذهبية أو حكم فقهي بقدر القناعة والتفهم أن المنع ليس حلا، والواجب السعي إلى إيجاد بديل لما هو ممنوع أو غير مرغوب فيه. إن طريقة تطبيق المفاهيم والأحكام تختلف من شخص لشخص ومن مجتمع لآخر، يحكم في ذلك المذهب والطائفة، ويؤثر فيها عامل فقه المكان والزمان والموروث الثقافي والتعليمي، لتقوم تلك العوامل والأحكام بدورها في رسم طريقة التفكير لأولئك الأفراد أو تلك المجتمعات، وبالتالي تنعكس وقد تغير في الأصل والفرع لكل ما يمر بنا حسب استجابتنا وقابليتنا. ما بالك يا صديقي إن كان المفهوم أو الحكم ذا اتجاه ديني لم يُجّدد في فقهه أو حكمه أو موروث جعل أهله منه شيئا مقدسا، وهو لا أصل له في الدين. في الاتجاه ذاته، أتذكر مرحلة من حياة مجتمعنا الحبيب أثرت في تربيتنا وتعليمنا وعاداتنا وطريقة تفكيرنا، حيث كنا ننجح كثيرا في المنع حد الرفض الكبير لكل جديد، وإن كان لا يعارضنا لمجرد الشك في أنه سيمس جزءا يسيرا منا ومما تعودنا عليه. مع ذلك العامل وبكل أسف كنا نفشل في إيجاد البديل لما نمنعه، وقد لا نفكر في إيجاده أصلا، وهذا ينطبق على مختلف حياتنا الاجتماعية والتربوية، بل في بعض موضوعاتنا الدينية للأسف. ثقافة إيجاد البديل هي أهم ثقافة يجب علينا تعلمها والعمل بها في كل مكان، بدءا من طريقة التربية في المنزل وصولا إلى الشريك الأساسي له -المدرسة- انعكاسا على الثقافات والعادات وطريقة التعاطي مع الأشياء. قد تنجح أساليب المنع في إيقاف وإخفاء شيء ما "شكلاً"، لكنه بكل تأكيد يستمر في مكان بعيد عن أعيننا ليظهر بعد حين وهو أقوى، حينها قد تُلمّ بنا تبعاته بطريقة مختلفة لا ندركها لنستفيق على جهلنا بالتطورات ضحى الغد. إن ذلك المنع الصلب الذي نمارسه هو في الحقيقة هشّ في داخله، أشبه بالمسكن الذي لا يشعرك بالألم الخارجي الظاهر، فيما موضع العلة يثور كالبركان. ختاما، يجب علينا أن نستفيق لإيجاد الحل البديل قبل المنع الهزيل.
مشاركة :