تحقيق: ناصر أبوعون ابتدأ الناسخ عيسى بن عبد الله البشريّ أو البُوشَريّ تصديره لمخطوط "كشف الستار عن حالة ظفار" بهذا التنويه: [(هذه الرّحلة المسمّاة. كشف السّتار.عن حالة ظفار. تأليف الشيخ الأجل عيسى بن صالح بن عامر الطيوانيّ)]، ثم أتبعه البسملة حاشية على نسب الطائيّ حتى إذا ما انتهى الناسخ إلى نسب (الشيخ عيسى بن صالح بن عامر الطائيّ) وجدناه قد أثبته نِسْبةً إلى بلدة (طيوي) فكتبه هكذا: (الطيوانيّ) مجاراةً لما جرت عليه عادةُ بعض قبائل عُمان في ذِكْر أنساب علمائهم وأعيان ولاياتهم إلى الأمكنة والقُرى؛ فيقولون: (فلان بن فلان النزويّ) نسبةً إلى ولاية نزوى. وقياسًا على هذا التقليد وسيرا على هذا المنوال تقع العين كثيرًا في سائر أُمّات التراث العُماني ومخطوطاته على تذييل أنساب علمائها بكلمات مثل (الرُّستاقيّ)، و(المسكديّ)، و(الصُّحَاريّ).. إلخ. فإذا ما تتبّعنا أصول نسب (الشيخ عيسى الطائيّ) وجدناه مشتقًا جذرًا ولُغةً ونسبًا وصهرًا من قبيلة عربية شهيرةً بين النسّابة العرب بـ(طيّ الكهلانيّة القحطانيّة) التي دخلت عُمان بعد انهيار سد مأرب سنة 575 بعد الميلاد وينتسب إليها (الطائيون في عُمان والعراق وبلاد الحجاز)؛ حيث مثّلتْ حادثة انهيار السد لحظة مفصليّة كبرى في تاريخ القبائل العربية؛ والتي على إثرها شهدت أمة العرب ولادة جديدة، وصمدت سلالتهم، ولم ينقطع نسلهم، ولم يندثر أثرهم، هبّوا زاحفين زرافاتٍ ووحدانًا باتجاه الشمال، وكان السواد الأعظم من النازحين في "الهجرة الأولى" جُلّهم من (طيّ) وفقَ رؤية "أحمد وصفي زكريا" في كتابه: "عشائر الشام" (1). فلمّا حطَّ "بنو نبهان الطائيين" رحالهم على حدود عُمان كما ذكر لنا "محمد بن جرير الطبري" في أسانيد تاريخه (2) انشطروا إلى فرعين: أمَّا الفرع الأول؛ وهم أولاد "نائل بن نبهان"؛ فقد واصلوا المسير باتجاه سلاسل جبال "حائل" واستوطنوا جَبَلَي "آجا وسلمى"، ولم يلبثوا حينا من الدهر حتى انطلق رهطٌ منهم إلى بلاد الشام والعراق، وقد وصفهم الرومانُ والفرسُ وسائر الأمم المعاصرة لهم بـ"الطائيين السُّريان"؛ لأنهم أول من وضعوا قواعد "اللغة السريانيّة" اشتقاقًا من "الآرامية"، وإليهم ينتسب الشاعر المُقل إنتاجًا والصحابي الأجلّ إحسانًا وجهادًا "زيد الخير"، وله ترجمة وافية أوردها صاحب "الأغاني" (3) ذاكرًا أنه "زيد بن مُهَلهل بن يَزِيد بن منهب بن عبد رضا - ورضا: صنَم كان لطيِّئ - ابن محلس بن ثَوْر بن عديِّ بن كنَانة بن مالك بن نائِل بن نَبْهان - وهو أسْوَدُ بنُ عمْرِو بنِ الغَوْث بن جلهمة، وهو طيِّئ؛ سُمِّي بذلك لأنَّه كان يَطْوي المناهل في غزواته - ابن أدد بن مذْحج بن زيد بن يَشْجب الأصفر بن عريب بن مالك بن زيد بن كهْلان بن سبأ بن يشْجب بن يَعْرب بن قَحْطان بن عابر، وهو هود النبيُّ- عليه السلام- كذا نسَبَه النسَّابون. أمّا الفرع الثاني من بني "نبهان الطائيين"، فهم "أولاد سعد بن نبهان بن عمر" فقد سلكوا الطريق إلى عُمَان ونزلوا بقوافلهم في "ريسوت" غرب "صلالة"، ثم واصلوا المسير باتجاه "قلهات"، وأجدُّوا الزحف باتجاه وادي "سمائل"، ثم خرجوا منه إلى وادٍ عظيم، سُمي - فيما بعدُ- بـ"وادي الطائيين" نسبةً إليهم، ومنه نزحت بعض بطنوهم وأفخاذهم لتستوطن "سمائل" و"نزوى". وقد تفرَّعت في عُمان من "طيّ" أفخاذ وبطون عديدة، وإن الجانب الشرقيّ من عُمان غلب عليه "الطائيون"؛ فهم من "حوزة مسقط"، إلى وادي "بوشر" شمالاً، نزولا إلى أودية "قلهات" و"صور" و"جعلان"، جميعهم بلا استثناء عشائر وبطون وأفخاذ تفرّعت من "طيّ"، وصنّفها صاحب كتاب "إسعاف الأعيان في أنساب أهل عمان"، وصححنا ما وقع في نسخته من "تصحيف ونسيان" بالرجوع إلى بعض النسّابة العُمانيّين المعتبرين في هذا العلم. من أمثال "يوسف أمبوعلي"، و"سند المحرزيّ" فاتفقا معًا على أنّ من الطائيين الذين تمّ التأريخ لهم في العصر المتأخر "خطامة أبو بِشْر" وهو من"بني نصر"، وإليه نُسِبت ولاية "بوشر" وتسمَّتْ باسمه، ومن نسله نشأتْ قبيلة "بوشر السمائلية"، ومن أبناء عمومتهم "بنو عمر بن الصامت بن سعد" الذي خرجت من سلالته قبائل:"الهادي" و"المشرفيّ" و"الرقاديّ"، وهم عينُهم الذين خاطبهم الصَّحابيّ العُمانيّ "مازن بن غضوبة" قبل خروجه لملاقاة الرسول محمد – صلى الله عليه وسلّم – في بلاد الحجاز، حيث أنشدهم بعضَ شعره على سبيل المخاطبة والإخبار بما عقد العزم عليه بالسفر إلى الحجاز وإعلان إسلامه، فقال:"يا راكباً بلغن عمراً وإخوته/ أني لمن قال: ربي ناجز قالِ". وذكر لنا النسّابة "يوسف أمبو علي" (4)، في جلسةٍ بمقر جريدة الرؤية حضرها الأفاضل: أحمد بن عبد الله الكندي، والشاعر سماء عيسى والمكرم حاتم الطائيّ أنّ من نسل "طي" خرجت قبائل: "الطائيّ، والبطاشيّ، والغريبيّ، والحجيّ، والحوسنيّ، والحسنيّ وفرعٌ من الزيديّ خلافا للفرع القرشي، والبهلانيّ والسرحنيّ أو السرحانيّ، والشِّبليّ، والشرجيّ والشيدي، والضامري،ّ والمجلبيّ، والمشرفيّ، والمعشريّ، والهاديّ، والهدَّابي، وبنو عرابة والوهيبي، والعيسائيّ- وهذا الأخير يُقال إنه "أزديّ" وسائرها قبائل كهلانيّة سبأيّة قحطانيّة، أي يمانيّة. أمّا الباحث النسّابة سند المحرزيّ (4) فقال: إن قبيلة "الغريبي" ليسوا من "طيّ"، وكذلك قبيلة "الشيدي" ليسوا من "طي"، وقيل إنهم من "معولة بن شمس"، و"الضامري" قيل هم بطن من بطون "بني محارب"، وقيل من "طي" و"الهدابيّ" قيل من "تميم"، وقيل من "طي" و"العيسائي" قيل من "الحدّان بن شمس الأزديّ" وقيل من "طيّ" ونسب "البطاشيّ" فيه قولان: قيل من "الأزد"، والمشهور من "طي" - وكان بينهم وبين الطائيين حلف سياسيّ ولذلك يرد في الوثائق القديمة الإشارة التعريفية بعبارة "الطيوانيّ البطاشيّ"-، أمّا نسب "البهلاني" المشهور أنه من "عبس بني رواحة" وقيل من "طي"، و"الريسي" من "طي" وقيل من "تميم"، و"الحسنيّ" من "طي" وقيل من "الأزد"، أما "بنو لام" و"الغسيني" فهما من "طيّ" قولا واحدًا لا لبس فيه، وسمعتُ من الباحث "يعقوب البروانيّ" أنّ قبيلة "المخمري" ينتسبون إلى "طي". ومن نافلة القول إنّه قد ورد ذكر "خودة" أو"خولة" بنت نصر بن ربيعة بن سعد بن نبهان" في العديد من الوثائق، وهي امرأة طائية جليلة وإحدى عمّات جدّ الصحابيّ "مازن بن غضوبة" رضي الله عنه. وسنجد اسم الشيخ عسيى بن صالح بن عامر (الطائيّ) منسوبًا إلى (طيّ)، وإنّ جدّه الأكبر معروفٌ بـ"الشيخ عامر بن خلف بن صالح الطائي"مُثبتًا ومنحوتًا بالإزميل في زخارف المحراب الحجريّ بـ(مسجد الصاروج) في ولاية "سمائل"، ومكتوب في السطرين الثالث والرابع [كتبه الواثق.. عمر بن رجب بن فارس بن سليمان بن رجب بن سليمان بن سعد بن عبد الله بن... بن سليمان بن سعد بن أبي...]، وفي السطر الرابع تأتي تكملة الاسم [بن محمد بن مصلح البوشريّ الطائيّ نسبا والإباضي مذهبا غفر الله له ولوالديه ولمن علمه](5) أمّا عن حقيقة نسبِ الشيخ عيسى الطائيّ وإيراد اسمه في الكثير من المخطوطات العُمانية مُزَيَّلا بـ(الطيوانيّ)، فيرجع إلى زمن نشوء "دولة اليعاربة" حيث خرج جدّه الأكبر "الشيخ الرضي العدل عامر بن خلف بن صالح الطائيّ" مهاجرًا من قرية "إحدى" بوادي "الطائيين"، ثُمَّ نزل بقرية "طيوي" المجاورة لـ"وادي شاب"، وهي عينها القرية التي مرّ بأرضها الرحالة "ابن بطوطة اللواتيّ" في طريق رحلته إلى الهند وأسماها "طيبي" لكثرة ما رأى من بساتينها، وملاحة طقسها، وتكاثر خيراتها. لكنَّ المُقام في "طيوي" لم يطب للجدّ "الشيخ عامر بن خلف بن صالح الطائي"، وهوالغادي خماصا طلبا لسعة في الرزق، وشغوفا بطلب العلم؛ فخرج منها آمنًا يحث الخطى إلى داخلية عُمان يتودّد في طلب العلم على أيدي علمائها، ويستقي المعرفة من الجلوس إلى أشياخها في "سمائل" وما حولها، ومن بعد لأيٍّ شدّ رِحاله إلى "نزوى" بيضة الإسلام وحوزته، فلمّا ورد عليهم، سألوه: من أين الرجل؟ فأجابهم: من "طيويّ"، فقالوا له: إذن أنت "طيوانيّ". فعلقت به "نسبة المكان" وبذريته وإنما هو في أصل نطفته وأرومته "طائيٌّ" من "طيّ" الكهلانيّة القحطانيّة نسبًا وصهرا. ومن الشعراء والنُسّاخ الطائيين المنتسبين لقرية "إحدى" في القلب من "وادي الطائيين" "ناصر بن سليمان بن ثاني بن صالح بن عبد الله بن ثاني بن صالح بن مسعود بن ثاني بن عرابة الطائيّ نسبا"([[1]]) - وهو شاعر وجدانيٌّ مطبوعٌ وأكثر شعره في "الحنين" وقد ترجم له "هلال بن سعيد بن عرابة"، صاحب كتاب "جواهر السلوك في مدائح الملوك"، وقد عاش شطرا من عمره في قرية "العليّة" بـ"وادي الطائيين"، ومن مأثور شعره في الحنين قوله: "بنفسي لقاء دونه ملتقى الردى" "وطيف خيال من "عُليّة" يبحث" ||| "أبلُّ به قلبا من الشوق صاديا" "وغارة جيش الشوق بالصبر تعبثُ" ||| "إذا ذكروا من أرض علية موضعا" "فوسواسه في رحب صدري ينفثُ" التعليق على ما دوّنه الناسخ: وإذا نظرنا بتفحّصٍ فيما دوّنه الناسخ عيسى بن عبد الله البُوشريّ بخط يده في مُفتتح الرحلة وجدناه قد أضاف سطرين من بنات أفكاره في أول المخطوط، خرج فيهما على التقليد المعهود لدى الأعم الأغلب من النُّسَّاخ العرب، وفوق هذا وذاك وضع نقطة (.) لا ضرورة لها بين جُملتَي الازدواج في العنوان؛ وربّما تقصَّد بإثبات هذه النقطة إيقافَ القاريء متأمِّلًا على معنى كل جملة منفردةً عن أختها؛ وذلك لتمام رُكْنيها أو استدراكه وتوقّع المحذوف بَدَاهَةً؛ فضلا عن إسقاطه (الهمزة الأصلية) سَهْوًا أو لعدمِ قُدرته على ملاحقةِ ما يُمْلَى عليه في كلمة (تاليف/تأليف)، وكذلك إهماله إثبات (همزة القطع) من كلمة (الاجل/الأجَلّ). ************* المراجع: (1) عشائر الشام، ج 1، أحمد وصفي زكريا، دار الفكر المعاصر، 1983 (2) تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) 1-6 مع الفهارس ج1، دار الكتب العلمية, 2011 (3) كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، طبعة دار صادر، تحقيق د. إحسان عباس ود. إبراهيم السعافين والأستاذ بكر عباسفي "ج 4 / ص 453" (4) مقابلة علمية بمقر جريدة الرؤية، في الأول من شهر نوفمبر 2022 (5) مقابلة شخصية بولاية الحمراء، في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر 2022 (6) مسجد الصاروج، ولاية سمائل: نقوش مجصصة على محراب المسجد، تصوير المستشرق د. إيروس بلديسيرا، الكتابات في المساجد العمانية القديمة، ص: 103 ([[1]])أشار إليه خالد الرحبي من كتاب: جواهر السلوك في مدائح الملوك لهلال بن سعيد بن عرابة، تحقيق وداد سلوم، ط4، وزارة التراث والثقافة، مسقط 2007، ص 10، وتوجد نسخة منه بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي.
مشاركة :