يرافق الشعر بأناشيده الأطفال منذ وقت مبكر مساهما في خلق تصورات قيمية لدى هذه الشريحة الهامة، علاوة على التأسيس لذوقية إيقاعية وموسيقية خاصة في التحام الشعر بالموسيقى في الأغاني الموجهة للطفل، فكل ما يكتب من قصائد ويلحن من أغان للأطفال يتطلب إلماما واسعا. بغداد- خصوصية النص الشعري الموجه للأطفال تفترض وعيا حادا بهذه الفئة العمرية وحاجياتها النفسية والمعرفية، علاوة على إدراك خصوصية النص البنائية والمعرفية وحواريته مع أجناس تعبيرية من مجالات متعددة على رأسها الموسيقى والمسرح. ووقوفا على أهم خصائص شعر وأغاني الطفل يأتي كتاب “شعر الأطفال، أغنية الأطفال.. التقارب وإشكالية التلقي” للكاتب والناقد العراقي فاضل الكعبي. ويتضمن الكتاب دراسة فنية تطبيقية موسعة ومعمقة عن شعر الأطفال على امتداد الوطن العربي. شعر الأطفال يشتمل الكتاب، الصادر عن دار دجلة للنشر والتوزيع (2024) في 420 صفحة، على أربعة فصول، يناقش أولها “أهمية شعر الأطفال وضروراته في مساحة التلقي”، من خلال تناول قضايا متعددة تتعلق بشعر الأطفال ومتطلباته في مساحة التلقي، إلى جانب دراسة طبيعة العلاقة ومداها بين الطفل والشعر، ومديات الوعي الحقيقي بعوالم شعر الأطفال. بوكس ولا غنى عن الأدب في حياة الأطفال، إنه الوسيلة الأولى لنحت الخيال وفتح مدارك الصغار وترسيخ التفكير والخيال لديهم وتنشئتهم علميا وذوقيا وأخلاقيا، وللشعر وأناشيده دور بارز في نحت رؤى الطفولة. كما يبحث الكعبي في هذا الفصل قضية “الشعر والشاعر والطفل”، بوصفها ثلاثية جدلية وإشكالية تُثار دائما في مساحة التلقي، ويلقي الضوء على “أوجه الخطورة في شعر الأطفال وإشكالية نشره”. وخصص الفصل الثاني لقضايا “الإيقاع والموسيقى وسماتهما في شعر الأطفال”، إذ يدرس المؤلف في المبحث الأول منه “موقع الإيقاع ووقعه في شعر الأطفال”، منطلقا في ذلك من خصائص الإيقاع وماهية وقعه في اللغة الشعرية، مع التعرض لمسائل ضبط الإيقاع وانضباطه في القصيدة الطفلية، وغيرها من القضايا. وفي المبحث الثاني يقدم الكعبي لمحة عن علم العروض، ثم يناقش بعض القضايا الأساسية التي تختص بهذا العلم ومقتضياته الموسيقية في الشعر، ويعاين مواقع الصعوبة البالغة في العروض، التي سماها “عُقدة العُقد في تعقيد العروض”. ويستعرض الكعبي في الفصل الثالث قضية تداخل شعر الأطفال مع الأجناس الأدبية الأخرى، على غرار القصة والحكاية والمسرحية، إذ يدرس في البداية “شعر الأطفال من القصيدة إلى الحكاية الشعرية”، متطرقا إلى صراع التلقي عند الطفل بين الشعر والقصة. ويتعرض بالبحث والدراسة لموقع الشعر والقصة في مساحة التلقي والضرورات الكامنة في شعر الأطفال، وما حصل من جدل في العلاقة الفنية والموضوعية بين الشعر والقصة، متناولا كيفية انطلاقة قصيدة الطفل في أوجه استجابتها للقص الحكائي، ثم يحلل أساليب شعر الأطفال بين القصيدة والحكاية الشعرية، مستعينا بمختارات تطبيقية من الحكايات الشعرية العربية. وخُصص المبحث الثاني من هذا الفصل لمناقشة قضايا شعر الأطفال والمسرح الشعري، والتي تأتي أساسا من منطلق “المسرحية الشعرية”، حيث تناول المبحث في محاوره المتعددة فن الشعر وتمثلاته في فن المسرح. أغنية الطفل تعد أغاني الأطفال جزءا أصيلا من التراث الشفهي في كل الدول، وتفاعل الأطفال مع هذه الأغاني هو ما من شأنه أن يترك أثرا بالغا في وجدانهم وسلوكهم ونمط تفكيرهم. وفي هذا التوجه يربط الباحث في الفصل الرابع من كتابه بين الشعر والأغنية، حيث يناقش المبحث الأول قضايا شعر الأطفال وتحولاته الفنية من القصيدة إلى الأغنية، منطلقا في ذلك من المشتركات الفنية بين الشعر والأغنية، ومن آلية التحول الفني من الشعر الغنائي إلى غناء الشعر وإنشاده، ثم يناقش إشكالية النص الغنائي ومعالم أغنية وموسيقى الطفل، ويمر بعد ذلك على تجارب وشواهد موسيقية وأدائية تطبيقية لأغاني الأطفال. وفي المبحث الثاني من هذا الفصل يتناول الكعبي “الأبعاد الثقافية والتربوية والاجتماعية لأغنية الأطفال”، منطلقا في ذلك من المنظور العام لأغنية الأطفال ومحمولاتها الثقافية والتربوية والاجتماعية، ومبررات ودوافع حاجة الطفل إلى الأغنية، وأثر هذه الأغنية وتأثيرها الفاعل في نشاط الطفل المتنوع، ثم يتحدث عن عالم الطفل الوجداني والحركي والإيقاعي ومدى علاقته الفطرية بالأغنية. من خلال تحليل معمق تقف الدراسة على موقع الشعر والقصة في مساحة التلقي عند الطفل والضرورات الكامنة فيها ويتطرق الكعبي في المبحث الثالث من مباحث هذا الفصل إلى سمات الواقع الميداني لأغنية الأطفال، متخذا “التجربة العراقية” أنموذجا، حيث قدم في هذا الاتجاه مفتتحا للدخول إلى معالم أغنية الطفل العراقي، وتحدث عن صورة الفلكلور الغنائي الشعبي في أغنية الطفل العراقي، مع البحث في الانطلاقة المعاصرة لتربية الأطفال الموسيقية، والبحث في منطلقات الأغنية المؤثرة في حياة الطفل. يذكر أن الكعبي صاحب منجز كبير في مجال الكتابة للأطفال، وقد أصدر أكثر من 200 كتاب في الشعر والقصة والحكاية الشعرية والمسرحية وروايات اليافعين، إلى جانب 32 كتابا علميا ونقديا.
مشاركة :