عدسة «الرياض» توثق معالم وثقافات «سمرقند»

  • 6/3/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ترك العرب الفاتحون للإنسانية تراثاً وحضارة لم تتركه أمة قبلهم ولا بعدهم، ومن ذلك ما تركوه من فن العمارة الضخم في مدينة سمرقند بأوزبكستان، وهي التي كانت لعدة قرون مركزًا رئيسيًا لطريق الحرير القديم، ثم فتحها العرب المسلمون سنة 87هـ على يد القائد قتيبة بن مسلم الباهلي. وفي العصر العباسي، ازدهرت المدينة ازدهاراً عظيماً، خصوصاً في عهد الخليفة المعتمد على الله، الذي جعلها عاصمة لبلاد ما وراء النهر. وفي بداية القرن الحادي والعشرين، تم إدراج المدينة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي تحت اسم "سمرقند - مفترق طرق الثقافات". عندما زرت المدينة بتكليف من جريدة "الرياض" تملكتني الحيرة والدهشة من عدد المعالم التاريخية والأثرية الموجودة فيها، فحاولت أن أزور أشهر المعالم، مثل مسجد خانيم، ومقبرة شاه زيندا، ومسجد غور أمير، وساحة ريجستان، ومستوطنة أفروسياب القديمة، ورخباد، ومصنع الحرير والزل. ومعمل إنتاج الورق اليدوي، وغيرها الكثير والكثير. وقد كانت عدسة "الرياض" جزء لا يتجزأ من هذه الرحلة، فسعيت إلى أن آخذ أفضل اللقطات، لأجمل الأماكن في هذه المدينة الفاتنة. وبعد كل لقطة، أيقنت أنه لايمكن رؤية معلم في سمرقند، إلا وتبقى مفتوناً بتشابك الزمن والثقافات الموجودة على أراضيها. فحاولت القراءة عن تاريخها، وقصة هذه الجوهرة الآسرة، فتبين لي أن لها نفس العمر للعواصم القديمة الشهيرة في العالم، مثل روما وبغداد. حيث ظهرت المدينة منذ حوالي 2750 عامًا، مما يمنحها الحق في أن يطلق عليها واحدة من أقدم المدن، ليس فقط في آسيا الوسطى، ولكن أيضا في العالم. وكانت ذروة ازدهارها في عهد (تيمورلنك). فنانون وحرفيون كنت أخرج كل صباح بكاميرتي، إذ بي اشاهد على جنبات الشوارع الضيقة، الفنانون والحرفيون قد أخذوا مواقعهم لممارسة أعمالهم وهواياتهم. لتغوص كمشاهد في أعماق حكاية شرقية بديعة، بقباب فيروزية وفسيفساء تزيّن جدران القصور، ومآذن تعانق السماء. ومن حسن الحظ أنني كنت أمشي أول أيامي، في شارع فسيح يميزه قوس كبير سمي بـ (النصر) والطريق مرصوف بالكامل بالأحجار الجرانيتية المحلية، وتستطيع خلال السير دخول المكتبة الوطنية، أو التوقف عند مسرح الدمى الثقافي، كذلك التعرّف على فن التطريز وصناعة الأزياء الشعبية وأعمال النقش، وأيضًا تذوق كعك سمرقند "السمسا" كما يطلقون عليه. الإمبراطورية التيمورية "ريجستان" احذر أن تصل إلى سمرقند دون أن تزور هذا المعلم الشامخ، الذي لم أشاهد له مثيلاً في التعبير عن فن العمارة الإسلامية في العالم، والذي شُيد على مدار 17 عاماً على يد أمهر الحرفيين والبنائين. وبعد أن دخلت لساحته المترامية، اتضح لي أنه عبارة عن ثلاث مدارس، تتكون كل منها من طابقين، فصول وسكن للطلبة ومرافق خدمية، ومدة الدراسة بها 9 سنوات، وهي مؤسسات تعليمية إسلامية مبنية وفق طراز فاخر. وتعد آثاراً رائعة للعمارة الشرقية. والموقع مدرج في قائمة التراث العالمي. وقد أفادني المرشد السياحي في "ريجستان": إنها كانت قلب سمرقند التاريخية، وكانت الإمبراطورية التيمورية تجمع سكان البلاد في هذه الساحة التي نقف فيها، للاستماع إلى التصريحات الملكية، ولمشاهدة الإعدامات العلنية، ومعاقبة اللصوص، ويحيط بالساحة مآذن طويلة ذات عمارة مهيبة، تغطيها الزخارف والفسيفساء، والكتابات العربية، وحدائق غناء. الأرز البخاري واللحم بعد يوم شاق من المشي وتسلق الجبال، واستكشاف الأزقة الضيقة، لن تقاوم وأنت تشم أشهى المأكولات الأوزبكية الشهية، والتي تعدها الأمهات على النار، وفي الهواء الطلق بأفران الحطب، لتستمتع بأطباق متنوعة من شرائح اللحم مع الأرز البخاري، والحلويات المحلية، بالإضافة إلى الأطباق النباتية الخالية من الدهون، والمنتجات الموسمية الطازجة، وأهمها التوت والخوخ والمشمش. صناعة الحرير وقبل أن أفكر في المغادرة، سألت أحد تجار الأقمشة والنسيج، حول كيفية التمييز بين الحرير الطبيعي والاصطناعي؟ فأشر إلى بأن أذهب في الجهة المقابلة، وأرى كل شيء بنفسي، يقصد "مصنع"، وبالفعل ذهبت، والتقيت بمدير المصنع، والذي أشار إلى أن صناعة الحرير في أوزبكستان، تسير في التطور بشكل متسارع، ففي عام 2017 تأسست جمعية "أوزبكيباكسانوات" لتحسين إنتاج شرانق دودة القز، فضلا عن تجهيز وتصنيع الأقمشة الحريرية. كما أنه يتم التعاون مع المنتجين المحليين لدعمهم وتحفيزهم، وقال: تحتل أوزبكستان اليوم المرتبة الثالثة في إنتاج الحرير عالمياً، بعد الصين والهند. والهدف الرئيسي لإنشاء الجمعية، هو جعل أوزبكستان رائدة الإنتاج على مستوى العالم. بعدها، أجاب على سؤالي الذي جئت من أجله، وأوضح لي أنه يكفي سحب بعض الخيوط ووضعها على النار. فالحرير الطبيعي لن يحترق أبداً، ولكن ستظهر رائحة طفيفة من الشعر فقط، بعكس الحرير الصناعي. قبور الصحابة "رضوان الله عليهم" في موقع أخر على أطراف سمرقند، يسمى "بنونجية" بجوار قلعة كبيرة تعرف بأفراسياب، يقول السكان أن الصحابي قثم بن العباس بن عبد المطلب، والذي يعرف بين الناس في أوزبكستان بشاه زنده، وتعني (الملك الحي) دفن في هذا المكان، بعد أن أستشهد في معركة كبرى سنة 56 هـ في حرب مع جيش خاقان ملك الصين حينها. ويقولون، إنه ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جلب الإسلام إلى المنطقة. كما يقول المرشدون في الموقع، أن الموقع به أيضاً، مقابر لصحابة آخرين، وقادة من القرنين السابع والثامن، بعضهم من أقارب تيمورلنك، مثل شادي مالك آغا، وأخته وشيرين بيكا آغا. الورق وعاء المعرفة وأنا في طريقى لمغادرة سمرقند متجهاً إلى بخارى، لفت نظري مبنى عتيق تتصاعد من أعمدة الدخان، في قرية "كوني غيل" فتوقفت واتجهت اليه وسألت، فقيل لي أنه أقدم مصنع في البلاد لصناعة الورق بطرق يدوية وبدائية، وهي مهنة تعود إلى النصف الثاني من القرن الثامن، وكانت تتباهى بهذه الصناعة. هذا الورق يصنع من لحاء الشجر، ويأتي آلاف من السياح شهريا إلى هذه القرية، ليشاهدوا كيفية صنعه. يقول أحد العاملين به لـ"الرياض" يأتي الأجانب إلى هذا المكان، ليتعلّموا شيئا عن تاريخنا وتقاليدنا، ويأتي أبناء البلد والطلبة أيضا ليتعلّموا مهن أجدادهم. وأضاف: الورق المصّنع في سمرقند متميّزا عن غيره، فهو ناعم وبراق، وأقل امتصاصا للحبر، ولذا يمكن استخدام وجهي الورقة في الكتابة. وأشار إلى أن ورق سمرقند أقوى من ورق البرديّ، وعلى مرّ القرون صار بديلا عنه في أوروبا والشرق الأوسط. ولصنع هذا الورق، يستخدم العمال شجر التوت، الذي تستخدم أيضا في صنع الحرير. ويُغلى لحاء الشجر بعد فصله عن الأغصان خمس ساعات، ثم تحوّل المادة إلى عجين باستخدام المطارق، ثم تجفّف في الشمس، وتقص بعدها. الزميل عبدالعزيز الشهري من داخل ساحة ريجيستان في سمرقند تم إدراج مدينة سمرقند ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي ريشة فنانة ترسم جامع خانم التاريخي

مشاركة :