غزة - تعرّضت مناطق عدة في قطاع غزة الاثنين لقصف دام، وسط استمرار المعارك بين حماس وإسرائيل، بينما تتزايد الشكوك بشأن إمكانية التوصل إلى هدنة مع تمسّك الطرفين بشروطهما التي قد تعيق استئناف المفاوضات التي يدعو اليها الوسطاء. وميدانيا، أعلنت وزارة الصحة في القطاع أنه "وصل للمستشفيات 40 شهيدا و150 إصابة" خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة حتى صباح الإثنين، ليصل إجمالي الضحايا منذ بدء الحرب إلى 36479 قتيلا غالبيتهم من المدنيين. وتتواصل المعارك بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في مناطق في شمال القطاع ووسطه وجنوبه، بعد قرابة ثمانية أشهر من الحرب المدمّرة التي اندلعت إثر هجوم غير مسبوق لحركة حماس على جنوب إسرائيل. وأفاد الجيش الإسرائيلي بأنّ قواته ضربت "أكثر من خمسين هدفاً في قطاع غزة" خلال الأيام الماضية. وقال إنّه يواصل عملياته "المحدّدة الأهداف القائمة على المعلومات الاستخباراتية في منطقة رفح"، وأنّ قواته عثرت على "كميات كبيرة من الأسلحة في المنطقة". واقتحم الجيش الإسرائيلي رفح في السابع من أيار/مايو، رغم تحذيرات دولية من أنّ أي هجوم على رفح الحدودية مع مصر سيفاقم الوضع في ظل اكتظاظ المدينة بأكثر من 1,4 مليون شخص معظمهم نازحون. وفرّ منذ بدء العمليات الأخيرة أكثر من مليون فلسطيني نزحوا أكثر من مرة، بينهم عدد كبير نحو منطقة المواصي الساحلية التي تصنّفها إسرائيل "منطقة إنسانية". وتقدّمت القوات الإسرائيلية نحو وسط رفح خلال الأيام الماضية، وفق شهود. وقال أسامة الكحلوت من غرفة عمليات الطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني "تصلنا إشارات يومية ومستمرة من رفح، لكن الاستجابة للإصابات والشهداء صعبة جدا، فالوصول صعب للغاية نتيجة استمرار القصف الإسرائيلي بالإضافة الى استهداف الطواقم". وبين أنقاض مدينة خان يونس، حاول الأهالي الأحد تسليك المجاري التي اجتاحت الخيم المنصوبة بين المباني. وشق آخرون طريقهم عبر برك من المياه الرمادية الكريهة الرائحة. وقال عبدالصمد بربخ أحد سكان المدينة إن مياه الصرف الصحي غمرت خان يونس. وتحدث سعيد عاشور عن البعوض الذي يلدغ الجميع وخصوصا الأطفال طوال الليل، وغياب مياه الشرب. وتؤشر التطورات على الأرض والمواقف السياسية الى أن إمكانية التوصل الى اتفاق هدنة دعت إليه الدول الوسيطة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، لم تنضج بعد. وأكد متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية الإثنين أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يعتبر مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن لإطلاق سراح الرهائن في قطاع غزة "غير مكتمل". ونقل المتحدث باسم الحكومة ديفيد مينسر عن نتانياهو قوله إن "الخطوط العريضة التي قدمها الرئيس بايدن غير مكتملة" مشيرا إلى أن "الحرب ستتوقف بهدف إعادة الرهائن" ومن ثم تجري مناقشات حول كيفية تحقيق هدف الحرب المتمثل بالقضاء على حماس. وفي بيان منفصل صادر عن مكتب نتانياهو جاء أن "الادعاءات بأننا وافقنا على وقف إطلاق النار دون تلبية شروطنا غير صحيحة". وعرض بايدن الجمعة "خارطة طريق" من ثلاث مراحل قال إنها إسرائيلية من أجل التوصل الى وقف لإطلاق النار يتم خلاله الإفراج عن رهائن محتجزين في قطاع غزة وعن معتقلين فلسطينيين في سجون إسرائيلية. ورغم تصريحات نتانياهو، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان خلال منتدى التأثير العالمي (غلوبل امبكت فوروم) في واشنطن الاثنين "لقد رأينا مجددا استعدادا من إسرائيل في نهاية الأسبوع للمضي قدما وإبرام اتفاق". وأضاف "كل هؤلاء الأشخاص الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار طوال هذا الوقت، عليهم أن يوجهوا أعينهم إلى حماس هذا الأسبوع ويقولوا: حان وقت الجلوس إلى الطاولة، وإبرام هذه الصفقة". وكانت حماس قالت في رد فعلها الأولى إنّها "تنظر بإيجابية" إلى المقترح، مشدّدة في الوقت نفسه على أن أي اتفاق يجب أن يضمن وقفا دائما لإطلاق النار وانسحابا إسرائيليا كاملا من غزة. وانتقد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش الخطة وهددا بإسقاط الحكومة. لكن زعيم المعارضة الوسطي يائير لبيد قال إن الحكومة "لا يمكنها تجاهل خطاب بايدن المهم" متعهدا بدعم نتانياهو إذا استقال شركاؤه اليمينيون المتطرفون من الائتلاف. وأعلنت مجموعة السبع الإثنين دعمها مقترح بايدن. وكذلك شدّد وزراء خارجية السعودية والأردن والإمارات وقطر ومصر في بيان مشترك على "أهمية التعامل بجدية وإيجابية" مع مقترح الرئيس الأميركي. واعتبر بايدن الإثنين في محادثات هاتفية مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن حماس هي "العقبة الوحيدة" أمام اتفاق هدنة مع إسرائيل في غزة. وأكد الرئيس الأميركي "استعداد إسرائيل للمضي قدما" ببنود المقترح الذي أعلنه الأسبوع الماضي. واندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر بعد هجوم نفّذته حركة حماس على الدولة العبرية أسفر عن مقتل 1189 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفقاً لتعداد أجرته وكالة فرانس برس بالاستناد إلى بيانات إسرائيلية رسمية. واحتُجز خلال الهجوم 252 رهينة ونقلوا إلى غزة. ولا يزال 120 رهينة في القطاع، بينهم 41 لقوا حتفهم، بحسب الجيش الإسرائيلي. وردت إسرائيل متوعدة بـ"القضاء" على حماس، وهي تشن منذ ذلك الحين حملة قصف مدمر على قطاع غزة تترافق مع عمليات برية، ما تسبب بسقوط 36439 قتيلا، معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس. وأعلن الجيش الإسرائيلي الإثنين العثور على جثة مسعف إسرائيلي كان يعتقد أنه محتجز في قطاع غزة قبل أن يتبين أنه قُتل إبان هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وعثر على رفات دوليف يهود (35 عاما) في تجمّع نير عوز الذي كان من بين المواقع التي هاجمها مقاتلو حماس. كما أعلن الجيش الإسرائيلي الاثنين مقتل أربعة رهائن في قطاع غزة، وقال في بيان "أبلغ ممثلون (للجيش الإسرائيلي) عائلات حاييم بيري، ويورام ميتسغر، وعميرام كوبر، ونداف بوبلويل، الذين تم اختطافهم بوحشية ونقلوا إلى قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أنهم فارقوا الحياة وجثثهم محتجزة" لدى حماس. وبوبلويل يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والبريطانية. وأعرب وزير الخارجية البريطاني ديفيد كامرون عن "بالغ حزنه" بعد ورود نبأ وفاة بوبلويل. وقال كامرون في منشور على إكس "مع وجود اتفاق جديد مطروح على الطاولة، نجدد مطالبتنا حماس بالإفراج عن كل الرهائن". وجاء في بيان لمنتدى عائلات الرهائن "كان يجب أن يعودوا أحياء إلى بلادهم وعائلاتهم"، في حين تتزايد الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو للتوصل إلى اتفاق للإفراج عن الرهائن. وفي هذا الوقت، تتفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة المحاصر والذي أدت الحرب إلى تدمير أو تضرر نحو 55% من جميع المباني فيه منذ اندلاع الحرب، وفق وكالة تحليل الأقمار الاصطناعية التابعة للأمم المتحدة (يونوسات). ويستمر إغلاق معبر رفح الأساسي لدخول المساعدات الإنسانية، منذ سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني منه في 7 أيار/مايو. وخلال اجتماع الأحد في القاهرة مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، جدّدت مصر تمسّكها بـ"ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الجانب الفلسطيني لمعبر رفح حتى يتم استئناف تشغيله مرة أخرى"، وفق ما نقلت قناة القاهرة الإخبارية القريبة من الاستخبارات المصرية عن مصدر رفيع المستوى. في الأثناء، دخلت الأسبوع الماضي 950 شاحنة محملة بالمساعدات إلى قطاع غزة "من مصر عبر معبر كرم أبو سالم" الإسرائيلي، بحسب مسؤول في حرس الحدود المصري. لكن الأمم المتحدة تؤكد على الحاجة لإدخال 500 شاحنة إلى القطاع يوميا لتلبية الاحتياجات الهائلة لسكانه البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة. وتشكو المنظمات الإنسانية والدولية من أن المساعدات لا تكفي حاجات السكان. كما حذرت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس السبت من أنّ "الأطفال يموتون من الجوع". في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، قالت أميرة الطويل (33 عاما) إنها لم تتمكن من العثور على حليب لطفلها الذي يعاني من سوء التغذية. وأضافت لوكالة فرانس برس وهي تحمل طفلها على ذراعيها "يوسف يحتاج إلى علاج وغذاء جيد، الحليب غير متوافر نهائيا". وتابعت "أُطعمه حاليا بعض القمح لكن لا حليب. هذا يجعله يعاني من الانتفاخ". وفي سوريا، قتل 16 شخصاً على الأقل، من بينهم مستشار إيراني، وأصيب آخرون جراء قصف صاروخي إسرائيلي استهدف بلدة حيّان في ريف حلب الغربي فجر الاثنين، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وفي لبنان، نعى حزب الله اثنين من مقاتليه قضيا بضربات اسرائيلية استهدفت وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية سيارة ودراجة نارية في جنوب البلاد، فيما تشهد الحدود في الأيام الأخيرة ارتفاعاً في منسوب التصعيد عبر الحدود بين الحزب وإسرائيل.
مشاركة :