"الترشيد".. سلاح السعودية الوحيد لتعزيز الأمن المائي

  • 4/20/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تواجه المملكة العربية السعوديةتحديات عدة في توفير المياه العذبة التي تكفي الاستهلاك المحلي للأفراد والصناعة والزراعة وغيرها. وإذا كانت السعوديةقد نجحت حتى الآن في توفير المياه بأكثر من وسيلة لسد احتياجاتها إلا أن التحديات تتجسد أكثر عند الحديث عن المستقبل المائي للبلاد، وفي الوقت نفسه تؤكد الحكومة أنها حريصة على إيصال إمدادات المياه المحلاة إلى أكبر عدد من مناطق السعودية، داعية المواطنين إلى اتباع سياسة الترشيد في الاستهلاك إلى أقصى درجة ممكنة، ومؤكدة أن الاستهلاك يوفر للدولة مليارات الريالات التي تنفق على مشاريع تأمين المياه.    وتوقع تقرير صادر عن الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2025 سيكون هناك تهديد قوي للعديد من سكان العالم بنقص في المياه ومصادرها الجوفية.    ضعف ثقافة الاستهلاك  ويشكو محللون ومسؤولون حكوميون من غياب ثقافة الوعي بأهمية الترشيد في استهلاك المياه، ويرون أن "تعرفة المياه القليلة" تشجع على الإسراف والهدر المائي، واصفين هذا الهدر بأنه "جريمة"، ومطالبين بسَنِّ تشريعات جديدة، تحمي الثروة المائية.   وتدق دراسة سعودية ناقوس الخطر بإعلانها أن نصيب الفرد من المياه قد تناقص من ١٩٠٠ متر مكعب عام ١٩٥٠ إلى٢٧٧ مترًا مكعبًا عام ٢٠٠٠، ومن المتوقع أن يتناقص إلى ١١٣ مترًا مكعبًا عام ٢٠٢٥. وتسمح الدولة باستيراد وتصنيع أجهزةوأدوات تسهم في الترشيد المائي، وتدعو إلى ضرورة تعريف المستهلك بالكلفة الحقيقية للتر الماء؛ حتى يدرك المواطن أن ما يدفعه هو مبلغ رمزي، لا يساوي شيئًا أمام المبالغ الضخمة المرصودة لإنتاج المياه عبر محطات التحلية.    وتحتل السعودية المرتبة الثالثة عالميًّا في مستوى استهلاك الفرد للمياه بعد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا؛ وهو ما يشير إلىأن معدل الاستهلاك مرتفع قياسًا بندرة مصادر المياه.    وتقع السعودية ضمن النطاق الجاف، وتعتمد على محطات التحلية بوصفها مصدراً رئيسًا لتوفير المياه؛ لذلك تُعتبر السعوديةمن أكبر منتجي المياه المحلاة في العالم، عبر نحو 30 محطة حكومية، نصفها انتهى عمره الافتراضي؛ وتحتاج إلى صيانة وتجديد.    إنتاج السعودية  وبلغ إنتاج السعودية من المياه المحلاة في العام (1435 /1436هـ) 1107.6 مليون متر مكعب بزيادة 10 % على العام السابق. وبلغت كمية المياه المحلاة المصدرة من المؤسسة العامة لتحلية المياه في العام 2014 من محطات المؤسسة 550.1 مليون متر مكعب، بواقع 49.7 %، تغذي محافظات المنطقة الشرقية ومنطقتي الرياض والقصيم ومحافظات سدير والوشم، إضافة إلى 557.5 مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي بنسبة 50.3  % لتغذية المشاعر المقدسة ومنطقة مكة المكرمة ومحافظة جدة ومنطقة المدينة المنورة وعدد من المحافظات المحاذية للساحل في مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة وتبوك والباحة وعسير وجازان.   وتقوم المؤسسة بنقل المياه من المحطات إلى الجهات المستفيدة من خلال شبكة مكونة من 21 نظامًا لنقل المياه عبر خطوط أنابيب، يبلغ مجموع طولها 5684 كلم بقطرين 8 ـــ 80 بوصة.ويتم ضخ المياه عبر 45 محطة، تضخ لخزانات المياه، وعددها243 خزانًا، سعتها الإجمالية 11.6 مليون متر مكعب، إضافة إلى 15 محطة لخلط مياه التحلية بالمياه الجوفية و8 محطات طرفية.   وبدأت محطة رأس الخير في الجبيل التشغيل الابتدائي في شهر إبريل من عام 2014م، وتم تشغيل الجزء الأول الذي يعمل بتقنية الناضح العكسي بطاقة إنتاجية تبلغ (307.500) متر مكعب في اليوم.    أثر "التعرفة" في الاستهلاك  وتخطط استراتيجية المياه لتحقيق رؤية بتكلفة أقل، من خلال الجمع بين التعرفة العادلة للطلب على المياه وإدارة عملية إمدادات المياه بكفاءة، مع تحديد أسعار مرتبطة بشرائح الاستهلاك؛ وذلك حماية لأصحاب الدخول الضعيفة. وتساعد التقنيات الموفرة للمياه على تعديل حجم الاستهلاك للأغراض المنزلية للفرد الواحد؛ ليصل إلى 170 لترًا يوميًّا. وترى الاستراتيجية أنه من الممكن تقليص تكاليف عملية تحلية المياه على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد، من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في التحلية، وبخاصة التحلية بوساطة الطاقة الشمسية، والتفكير في مصادر أخرى تكون أقل كلفة، ومن تلك المصادر المياه الجوفية، وتقدر تكلفتها بثلث تكلفة المياه المحلاة.     1.5  مليار متر مكعب  وتقول وزارة المياه والكهرباء إن إجمالي إنتاج المياه المحلاة سيصل في عام 2030 لنحو 3.3 مليار متر مكعب، ومع الاعتماد على الجمع بين مياه التحلية والمياه الجوفية في الإنتاجيمكن خفض كمية مشاركة المياه المحلاة إلى 1.5 مليار متر مكعب؛ لتنخفض التكلفة الكلية إلى 25 مليار ريال. مشيرة إلى أنه في هذه الحالة التعرفة المطلوبة لدعم هذا النموذج من المحتمل أن تكون على الأقل 5.5 ريال للمتر المكعب، التي لا تزال أقل من نصف التكاليف الاقتصادية لمستهلكي المياه للأغراض المنزلية، و8 ريالات لمستهلكي المياه في أغراض أخرى.    معالجة مياه الصرف  ويشدد البنك الدولي في تقرير له حول استراتيجية تعاملالسعودية مع أزمة المياه، ويدعو إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار جمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها، وأن يحسب لها حساب عند التخطيط لمشاريع المياه وإداراتها. وقال البنك في تقرير له إنه حاليًا تتم معالجة نصف كمية مياه الصرف الصحي فقط بنحو مليار متر مكعب، وهناك إمكانية لزيادة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي 10 أضعاف في المستقبل. ولم يتجاهل البنك الدولي النمو السكاني المتزايد والتوسع العمراني، بل أكد أنه من الممكن أن تصبح مياه الصرف الصحي المعالجة موردًا متجددًا ومهمًّا للمياه لاستخدامها في الأغراض الزراعية والصناعية وري الحدائق والمسطحات الخضراء. وقال البنك الدولي إنه يمكن استعادة نحو 3 مليارات متر مكعب سنويًّا من المياه المستخدمة ومعالجتها وإعادة استخدامها بدلاً من المياه المحلاة أو المياه الجوفية في أغراض لا تتصل بالإنسان.     قرارات حكومية  وشهد العام الماضي (2015) قرارات حكومية سعودية لتعزيز ترشيد استهلاك الماء للحفاظ على الأمن المائي. وتحدد هذه القرارات قواعد منظمة لكميات المياه المخصصة لكل قطاع، وذلك في إطار رؤية تمتد حتى 2040، وتستند إلى آليات توافر الاستهلاك، وتعرفة متعددة وفقًا لحجم، وإعادة استخدام المياه المستخدمة بعد معالجتها في الأغراض غير المتعلقة بالإنسان.وتهدف رؤية السعودية حتى 2040 إلى تغطية 95 % من المناطق الحضرية بشبكات أنابيب مياه ذات جودة نوعية، وبكمية تلبي المعايير الوطنية وفقًا لمسودة الاستراتيجية الوطنية للمياه، في حين ستعمل إدارات مياه الصرف الصحي في كل مناطق السعودية على مد خطوط لمياه الصرف الصحي المعالجة لإعادةاستخدامها في مجالات غير الاستهلاك الآدمي.    مستقبل الموارد  ودعا القلق المتزايد على مستقبل المياه في السعودية الوكيل السابق لوزارة المياه والكهرباء، الدكتور علي الطخيس، لإعداددراسة بعنوان "مستقبل الموارد المائية في ظل متطلبات التنمية"، استعرض فيها التحديات الاجتماعية لمشكلة المياه، التي تتمثل في الزيادة المذهلة في عدد السكان خلال العقود الثلاثة الماضية، التي أسفرت عن زيادة الطلب على المياه التي لا تلبي الاحتياجات بالصورة المطلوبة، خاصة في المدن الكبيرة. وتبلغ الزيادة السكانية 3.8  % كل عام، في حين أن النمو الحضري لبعض المدن الرئيسة يصل إلى 8  % سنويًّا. كما تطرقت الدراسة إلىالتحديات الاقتصادية، وقالت إن توفير السيولة المالية لتنفيذ المشاريع المائية من أهم المعوقات التي تتحكم فـي مستقبل المياه، وفي السعودية يلعب ارتفاع تكاليف البناء والتشغيل والصيانة والمعالجة الدور الرئيس في هذه المنظومة نتيجة لنوعية مشاريع المياه، وبُعد المصادر عن المناطق المستفيدة، إضافة إلىانخفاض قيمة "تعرفة" المياه، وارتفاع الفاقد منها، وإحجام المستثمرين عن الدخول في مشاريعها لضعف المردود المادي؛ ما يجعل الدولة هي المسؤولة كلية عن تغطية الطلب للمياه.    "أنت تحدد"   وكانت وزارة المياه والكهرباء قد أطلقت الأحد قبل الماضي حملة توعوية وطنية، تُعنَى بنشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه، والتعريف بـ"التعرفة الجديدة" للمياه والصرف الصحي تحت عنوان "أنت تحدد"، التي لاقت صدى كبيرًا.

مشاركة :