سانتياغو (تشيلي): «الشرق الأوسط» في غضون مائة عام ونيف نجح الفلسطينيون في تشيلي، أكبر جالية فلسطينية خارج العالم العربي، في أن يحققوا ما عجزوا عنه في وطنهم، فقد أصبحوا نخبة نافذة في هذا البلد وعلاقتهم جيدة بالجاليات الأخرى، بما في ذلك الجالية اليهودية، ولديهم أيضا فريق كرة قدم. ديبورتيفو باليستينو التشيلي، أي نادي فلسطين الرياضي، النادي الوحيد في العالم الذي يلعب بألوان العلم الفلسطيني، ارتدى قميصه الجديد الذي يبرز الخريطة الفلسطينية قبل عام 1948 وأثار غضب الجالية اليهودية في تشيلي. وقال مسؤول في النادي فضل عدم الكشف عن هويته في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «بعد اجتماع مع إدارتنا قررنا مواصلة اللعب بالقميص على اعتبار أننا لم نتلق أي اتصال من الاتحاد التشيلي لكرة القدم أو الفيفا». وأضاف «نحن فريق رياضي ونلتزم بآراء هاتين المؤسستين». واستعيض عن الرقم واحد في القميص الجديد للنادي الذي يلعب منذ نحو قرن بألوان فلسطين - الأبيض والأخضر والأحمر - لموسم 2014، بخريطة فلسطين التاريخية. وأثارت هذه الخريطة التي تتضمن دولة إسرائيل الحالية دون تحديد حدودها، سخط الجالية اليهودية في تشيلي. وقال رئيس الجالية اليهودية جيراردو غوروديشر في تصريح لصحيفة «ال ميركوريو» أول من أمس الخميس: «نحن نطالب بسحب هذه الأرقام». وتساءل غوروديشر قائلا «ما الذي سيحدث الجمعة (أمس) مع المشجعين اليهود؟ خلال المباراة التي يلتقي فيها كلوب ديبورتيفو باليستينو مع جامعة تشيلي»، واصفا ارتداء القمصان الجديدة بـ«قلة احترام من قبل النادي». وأكد الاتحاد التشيلي لكرة القدم أنه تلقى رسالة من الجالية اليهودية «تعبر فيها عن استيائها وتطالب بتبليغه للفريق الفلسطيني». لكن الاتحاد التشيلي أكد للجالية اليهودية أنه «كي يفرض عقوبة على النادي من الضروري أن يندد ناد آخر من الدوري بذلك وهو ما لم يحصل حتى الآن». وقال المتحدث باسم الاتحاد التشيلي هيكتور أولاف «لا يمكننا فرض عقوبة إلا في حال خطأ فادح، كأن يكتبوا مثلا (فلسطين حرة) على القميص، ولكن الفريق سبق له استعمال هذه الخريطة مرات عدة». ومن جهته، قال ماوريسيو أبو غوش رئيس الاتحاد الفلسطيني في تشيلي في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنها رمز لتاريخنا وثقافتنا»، مضيفا «هذه الخريطة كانت دائما لنا ونحملها دائما حول العنق». وشدد قائلا «إنها مثل الفلافل وأوراق العنب والدبكة». ويندرج نادي ديبورتيفو باليستينو ضمن الدرجة الأولى، وكان قد تأسس عام 1920 وأحرز لقبين حتى الآن عامي 1955 و1978. ويقول خورخي كوريا مدير النادي «في البداية انطلق النادي بأشخاص يتحدرون حصرا من العالم العربي، إلا أن قوانين البطولة أجبرته على فتح أبوابه أمام غير المتحدرين من أصول فلسطينية». واليوم «وحده المدافع روبرتو بشارة من أصل فلسطيني. ولكن الفلسطينيين ما زالوا ينظرون إلى النادي على أنه ممثلهم في العالم»، بحسب كوريا. ويضيف «خلال البطولة السابقة (لكأس تشيلي) التي شارك فيها النادي (في 2008) ومباراة نصف النهائي كانت المباريات تبث في أماكن عامة في الشرق الأوسط. كانوا يتابعون ما نفعله هنا في تشيلي على بعد آلاف الكيلومترات من فلسطين». ويمثل الفريق الجالية الفلسطينية في تشيلي، وهي أهم جالية فلسطينية في العالم خارج الدول العربية، ويقدر تعدادها بـ600 ألف شخص. ووصل أوائل المهاجرين الفلسطينيين إلى تشيلي في أواسط القرن التاسع عشر، ولكن موجة الهجرة الرئيسة لهم، وغالبيتهم من المسيحيين، تعود إلى أوائل القرن العشرين وقد أتى هؤلاء خصوصا من بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور. في البدء كان التشيليون يطلقون على الفلسطينيين اسم «الأتراك» لسبب بسيط هو أن أوائل المهاجرين الفلسطينيين الذين وطأت أقدامهم أراضي تشيلي مطلع القرن العشرين كانوا يحملون جوازات سفر صادرة عن السلطنة العثمانية. وقال أحدهم ويدعى نسيم علامو (70 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية، خلال انعقاد القمة الثالثة لدول أميركا الجنوبية والدول العربية «هناك فلسطينيون في كل القطاعات». ويدير علامو مع شقيقه شفيق شركة لصنع الملابس في حي باتروناتو في العاصمة سانتياغو، وهو الحي الذي احتضن أوائل المهاجرين العرب ليحل محلهم اليوم المهاجرون الصينيون والكوريون. ولكن بفضل التجارة التي امتهنها أكثر المهاجرين الفلسطينيين تمكن هؤلاء من جمع ثروات ضخمة في تشيلي. وفي هذا يقول نسيم «في البداية كانوا يبيعون كل شيء. كانوا يجوبون الأرياف حيث لم تكن هناك متاجر، وبما أنهم ما كانوا يتقنون اللغة كانوا يعرضون ما لديهم ويقطعون مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام». واثنتان من أثرى العائلات في تشيلي تتحدران من أصول فلسطينية وهما عائلتا يارور وسعيد، في حين أن 10 في المائة من أعضاء مجلس الشيوخ التشيلي أصولهم فلسطينية وكذلك أيضا رئيس بلدية العاصمة بالول زلاقط ورئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم سيرخيو خادوي. ويقول أوجينيو شهوان مدير مركز الدراسات العربية في جامعة تشيلي لوكالة الصحافة الفرنسية، خلال أعمال القمة الثالثة لدول أميركا الجنوبية والدول العربية إن الفلسطينيين وصلوا إلى تشيلي «عن طريق الصدفة نوعا ما» ولكن سرعان ما تحولت إلى هجرة على دفعات «متتالية»، مضيفا «كان يأتي أحدهم ثم يبدأ بجلب عائلته وأصدقائه، وهي الحال خصوصا في كل المجتمعات الأبوية حيث العلاقات الأسرية قوية جدا». ويقول شهوان «هؤلاء مهاجرون يتمتعون بمستوى ثقافي عال ولديهم تاريخ حضاري عريق وبعد وقت قصير من وصولهم إلى البلد يصبحون نخبة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». وأدى تشاطر الفلسطينيين النشاط التجاري وتجربة الهجرة مع اليهود في تشيلي إلى قيام علاقات حسنة بين الأقليتين. ويقول شهوان إن «النزاع ليس مع اليهود بل مع قيام دولة إسرائيل». وفي 2011 اعترفت تشيلي بفلسطين «دولة حرة وسيدة ومستقلة»، ولكن من دون أن تأتي على ذكر حدود هذه الدولة، وقد أثار هذا الاعتراف توترات في صفوف الجالية اليهودية. * نبذة عن النادي * نادي ديبورتيفو باليستينو هو أحد أشهر الأندية الرياضية للمحترفين في تشيلي وأميركا الجنوبية، ولقد تأسس يوم 20 أغسطس (آب) عام 1920 على أيدي المهاجرين الفلسطينيين إلى تشيلي. لعب فريق كرة القدم التابع للنادي 53 موسما في الدوري التشيلي الممتاز، وانتزع لقب البطولة مرتين عامي 1955 و1978، واحتل المرتبة الثانية أربع مرات أعوام 1953 و1974 و1986 و2008. كذلك فاز باليستينو بكأس تشيلي عامي 1975 و1977، وكان من أشهر نجومه العالميين إلياس فيغويروا، الذي لعب 118 مباراة بين 1977 و1980، وكان قد لعب وتألق قبلا مع ناديي بنيارول (الأوروغواي) وإنترناسيونال (البرازيل) كما لعب 47 مباراة مع منتخب تشيلي وشارك معه في ثلاثة نهائيات لكأس العالم أعوام 1966 و1974 و1982، واختير أفضل لاعب في أميركا الجنوبية. وتأسس النادي قبل تأسيس الاتحاد التشيلي لكرة القدم. عندما أسس الاتحاد عام 1952 ونظم أول مرة بطولة للمحترفين دخل فريق النادي مصاف الدرجة الثانية وسرعان ما انتزع لقب البطولة فترقى إلى الدوري الممتاز وفاز ببطولته عام 1955. وعرف بتلك الفترة بقلب «المليونيرية» لقدرته على اجتذاب أفضل اللاعبين. ولكن بعد فترة من الهدوء قاده النجم العالمي فيغويروا إلى لقب بطولة الدوري للمرة الثانية عام 1978 بعدما كان قد انتزع كأس تشيلي في الموسم السابق. يلعب الفريق مبارياته المحلية في الملعب البلدي بحي لا سيستيرنا في العاصمة التشيلية سانتياغو. أما ألوان النادي فهي ألوان العلم الفلسطيني بقمصان مخططة بالأحمر والأبيض والأخضر مع السراويل السوداء.
مشاركة :