تعرض الكاتب الكبير د. عبدالله مناع لوعكة صحية شديدة حتمت دخوله غرفة العناية المركزة، وقد كان لاهتمام مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ما يمثل حرص القيادة في الوطن على المواطنين، وعبدالله مناع مواطن فعّال فكرياً. وسيلته القلم لعقود طويلة خدم فيها الوطن بما يقدمه من أفكار وما يطرحه من آراء هدفها الفعل الكتابي الذي يتوجه إلى التوجيه والإصلاح، فهو بأسلوبه المتميز الذي ينم عن نفس تحمل شهوة العمل من أجل المستقبل، ولكونه كان يخضع للكتابة فهي التي تكتبه كما يقول عابد خزندار الذي استعمل أسلوب الكتابة التي تكتب الكاتب في كتابه (كتاب الحب) وهو بقصده أن الكتابة هي التي تدعو الكاتب لأنها نتاج الأفكار التي يفكر فيها الإنسان ممتهن القلم وصاحبه الذي من خلاله يعبر عما يعتمل في نفسه. عبدالله مناع كاتب بارع وفنان ممتع العبارة في الوضوح والشفافية دون تورية، إذ يكتب عما يرى بشكل واضح، هو في ذاته التي كان متوجهاً بها إلى النواحي العلمية وتخصص في الطب، ولكن لم يفد الطب أو يستفد منه، وقبل تخرجه كان يكتب القصة المقالة في مجلة الرائد التي حولها صاحبها الأديب الكبير عبدالفتاح أبو مدين إلى جريدة كانت تشمل كُتاباً من مناطق المملكة كلها ويفضلها الشباب قبل الرواد، وكان المناع من الشباب الذين تمسك بها وتعلق بشدة وكأنه يملكها فكان مقاله الأسبوعي (مضيء ومعتم) يتناول تحت هذا العنوان الموضوعات التي كانت سمتها الأدبية تطغى على الاجتماعية، وبقدرة يمازج بينهما، فهو أديب فنان، يكتب في الأدب إلى جانب كتاب (الرائد) من الرواد محمد حسن عواد، ومحمد حسين زيدان، وأبو تراب الظاهري، ومحمود عارف، وعبدالسلام الساسي، وبعد في عهد المؤسسات في البداية التحق بجريدة المدينة بعد توقف الرائد، وصار يكتب يوميات الخميس، وحبب القراء لعدد الخميس حيث سحب الشباب وغيرهم ممن يهتمون بالموضوعات الأدبية. عرَّف بالشاعر كامل الشناوي خير تعريف عندما صدر ديوانه الوحيد (لا تكذبي) وأفصح بدون قصد عن أنه يماثله في حبه للفن والفنانين ويعقد الصداقات معهم ويجالسهم ويكتب عنهم ويساعدهم في المشاركات في مسرح الإذاعة، ومن ثم التلفزيون، فكان تربطه الصداقة والمحبة مع طلال مداح، ومطلق الذيابي، وفوزي محسون، وطارق عبدالحكيم، وجميل محمود، وحامدعمر، وغيرهم من الفنانين والفنانات، وما يندرج في الفن من التشكيل والنحت، فكان صديقاً لعمدة الفن التشكيلي عبدالحلم رضوي، ومحمد السليم، وضياء عزيز ضياء وسواهم. كان يكتب و(جدّة) في قلبه ضمن الوطن عامة، ولجدة بحكم تربيته وسكنه فيها محبة جسَّمها في كتابه (بعض الأيام بعض الليالي) ووصفها كيف كانت في القديم وكيف صارت في الحديث وعَدَّدَ الأُسر، والإنجازات التي كانت جدة تتميز بها على المدن الأخرى، ولكن الكتاب والكتابة هي ماكان يشغله، ففي أسلوبه الفني ما يجره إلى أن يكون مع الفنانين، أذكر أنه كان يكتب كل عام عن كامل الشناوي (في ذكراه)، وقد حببني شخصياً في قراءة بعض الكتب التي يكتب عنها عروضاً والكتَّاب الذي يردد ذكرهم، منها كتاب (المواطن توم بين) لهوارد فاست، ثم لا تكذبي للشناوي، وكتب ج فيلبي، وميخائيل نعيمة، وسعيد عقل، كانت تزيد قيمتها لكون المناع قد كتب عنها، وأسلوبه فيه من الروعة والوضوح ما يدفع إلى أن يقنعك قسراً، وله باب كان في جريدة الرائد (كل شيء) خدم فيه الشباب الطامح للكتابة فكان يقتطف مما يرسله المحاول ثم يشرح السالب والموجب، وقد اكتشف عدداً من الموهوبين فصاروا يكتبون ببراعة وهو يرعاهم، ولازال وحتى أيامه الأخيرة عندما حضر الرياض في مناسبة ثقافية وطلبت منه كتبه التي فقدتها فأخذ يذكرني بالرائد والمدينة وبعض الكتاب، وهو يعمل على عدة كتب. ندعو الله الشفاء العاجل لمبدعنا المثابر وأستاذ الجيل، والرائد الذي لا يكذب أهله فهو يكتب من قلبه وروحه ويحرص على الجودة، والشكر المكرر لقادة الوطن ومسؤوليه الذين يعنون بأدبائه ومفكريه، ورعاية الجميع.
مشاركة :