مع أنه لا يختلف اثنان أن كارثة الحادي عشر من سبتمبر ألقت بظلالها على المسيرة الطويلة للعلاقات بين الرياض وواشنطن إلا أن حجم العلاقة وتاريخها الطويل والمصالح المشتركة بين البلدين كانت أكبر من زلزال الحادي عشر من سبتمبر كما يؤكد ذلك محللو السياسة ومتابعو العلاقة بين البلدين،ثم أتى ما يسمى الربيع العربي فلم تكن المواقف السعودية الأمريكية في أحسن حالتها بخاصة في ما يتعلق بغياب الدور الأمريكي الحاسم في الملف السوري وحضور الدور الروسي الداعم لنظام الأسد وحلفائه من إيران وحزب الله. لن أتحدث هنا عن العلاقة بين البلدين والتي تكاد تشمل كافة الجوانب التي تخدم مصالح البلدين من تعليم واقتصاد وصحة، فهذا أمر مشاهد، لكن حسبي أن أشير إلى منحى تاريخي وهو التواصل الكبير بين قيادة البلدين منذ أيام الملك المؤسس -طيب الله ثراه- وحتى يومنا هذا حيث سيكون خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع أقطاب العالم في الولايات المتحدة الأمريكية لمناقشة الأزمة العالمية المالية. مع التذكير بأن ما أذكره هنا لا يعدو سوى نماذج من هذه الزيارات وليس حصراً لها كما أني أحرص على نقل مشاهد لا تحظى بالحضور الإعلامي الأكبر كون وسائل الإعلام تحرص على توثيق المشهد السياسي بالدرجة الأولى لأنه الأهم وهو الذي عقدت هذه اللقاءات لأجله. فيصل وخالد نيابة عن المؤسس لم يتمكن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- من زيارة الولايات المتحدة الأمريكية إجابة للدعوة الرسمية من الرئيس الأمريكي فرانكليت دي روزفلت، إلا أنه أناب عنه نجليه الأميرين (فيصل وخالد) والتي كانت في (26-9- 1362هـ 25-9-1943م). الملك عبدالعزيز يؤسس قاعدة متينة من اللقاءات وفي الرابع عشر من شهر فبراير من العام (1945م) وبعد هذه الزيارة وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية التقى الملك عبدالعزيز بروزفلت في لقاء وصف بالاستثناء والمهم، ومحطة مهمة في تأسيس العلاقات السعودية الأمريكية، كان هذا اللقاء على ظهر سفينة الرئاسة الأمريكية الطراد كوينسي، حيث كان هذا اللقاء صبيحة يوم الأربعاء 2-3- 1364هـ الموافق 14-2- 1945م، وقد صحب الملك عبدالعزيز في هذه المباحثات أخوه الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وأبناء الملك عبدالعزيز الأميران محمد ومنصور.. ومن المواقف التي لا تنسى في هذا اللقاء أن المدافع ظلت ساكتة ولم تطلق الإحدى وعشرين طلقة المتبعة في مثل هذه المناسبات وذلك لأسباب أمنية، وإنما اصطف جميع الضباط والملاحين للاستعراض وتقديم التحية. سعود أول ملك سعودي في أمريكا زار الملك سعود الولايات المتحدة أكثر من مرة إلا أن أولها كانت بدعوة من الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في الثامن والعشرين من شهر جمادى الآخرة من العام 1376هـ الموافق للتاسع والعشرين من يناير من العام 1957م ليكون -رحمه الله- أول الملوك السعوديين الذين زاروا الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه الزيارة صور عدة لا تنسى إلا أن المحطتين الأهم في هذه الزيارة الاستقبال الرسمي والاستثنائي للملك سعود من قبل الرئيس أيزنهاور نفسه واستقباله الملك سعود في المطار في عمل غير مسبوق في البروتوكول الأمريكي نهائياً. والمحطة الثانية تمثل الأبوة الحانية للملك سعود فقد كان يحمل طفله الأمير مشهور معه في هذه الرحلة حيث اصطحبه معه لمتابعة حالته الصحية، وقد اكتسبت صور الأمير مشهور شهرة كبيرة وبخاصة تلك الصورة وهو يؤدي التحية العسكرية.. كما أعقبت هذه الزيارة زيارتان للملك سعود لأمريكا. الملك فيصل وزيارات متعددة زار الملك فيصل الولايات المتحدة الأمريكية زيارات متعددة قبل وبعد أن تولى الحكم وبحسب نجله صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي قال في كتابه (مسرد تاريخ الفيصل الوقائع والأحداث) قام بزيارتها مرات كثيرة. وبحسب المصدر نفسه فإن أول هذه الرحلات هي التي أنابه والده الملك عبدالعزيز فيها، وتقدمت الإشارة إليها، في حين تلتها رحلات للمشاركة في مؤتمر سان فرانسيسكو (1364هـ 1945م) والدورة العادية الثانية للأمم المتحدة (1366هـ 1947م) والتقى أيزنهاور (1372هـ 1953م) واجتماعات الأمم المتحدة (1382هـ 1962م) وبعد هذه بسنة واحدة لاجتماعات الأمم المتحدة أيضاً وفي العام (1368هـ 1966م) زيارة رسمية بدعوة من الرئيس جونسون، وآخر زيارة قام بها الفيصل إلى أمريكا كانت في العام (1391هـ 1971م) بدعوة من الرئيس نيكسون. الملوك فيصل وفهد والأمير عبدالله الفيصل -رحمهم الله- والأمير نواف بن عبدالعزيز -شفاه الله- في إحدى الرحلات إلى أمريكا. بقي أن أشير إلى ما ذكره الأمير خالد الفيصل عن والده أن رحلة واحدة من بين هذه الرحلات تمت في العام (1376هـ 1975م) كانت بغرض التداوي واستمرت سبعة أشهر. الملك خالد وزيارة رسمية واحدة زيارة رسمية قصيرة مدتها يوم واحد قام بها جلالة الملك خالد لأمريكا وذلك في الخامس والعشرين من ذي القعدة من العام 1398هـ الموافق السابع والعشرين من أكتوبر في العام 1978م وكان قد سبق هذه الزيارة إجراء عملية جراحية للملك خالد تكللت بالنجاح. الملك فهد وزيارات متعددة وفلسطين الحاضر الأكبر بينها زار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الولايات المتحدة الأمريكية العديد من المرات، فمنها: مصاحباً للأمير فيصل (الملك فيما بعد) في العام (1364هـ 1945م) وفي العام (1389هـ 1969م) وكان وقتها النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وفي العام (1394هـ 1974م) وفي العام (1397هـ 1977م) وكان حينها ولياً للعهد، وفي السادس عشر من الشهر الخامس الهجري لسنة 1405هـ الموافق للخامس والعشرين من فبراير 1985م زار الملك فهد أمريكا في أول زياراته الرسمية بعد توليه الحكم وقابل فيها الرئيس ريجان. وجل زيارات الملك فهد كانت القضية الفلسطينية المحور الأهم فيها. الملك عبدالله امتنع عن الزيارة لأجل فلسطين ثم زارها لأجل سمعة المسلمين!! زار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمريكا (حين كان ولياً للعهد) عدة مرات ففي الخامس والعشرين من شهر صفر من العام 1408هـ الموافق للسابع عشر من شهر أكتوبر في العام 1987م قام بزيارة رسمية لأمريكا، وقابل في هذه الزيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب. وفي العام 1419هـ 1998م قام بزيارة أخرى إلى واشنطن وهي كسابقتها رسمية، ثم أتبعها بزيارة أخرى في العام 1421هـ 2000م. وبعد تولي الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الرئاسة في أمريكا وجه دعوة للملك عبدالله (ولي العهد آنذاك) لزيارة أمريكا إلا أنه اعتذر عن قبول هذه الزيارة لأجل ما يعانيه الشعب الفلسطيني من الاعتداءات المتكررة من إسرائيل، ولأجل الموقف الأمريكي المتساهل من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. ثم وقعت أحداث الحادي عشر المؤسفة وقامت حملة إعلامية منظمة تستهدف الدين الإسلامي والحكومة السعودية لتورط بعض المغرر بهم من أبناء هذا الوطن في هذه الأحداث فما كان من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله (ولي العهد آنذاك) إلا زيارة أمريكا في زيارة وصفت بالتاريخية في وقتها وهدفها والتقى فيها -رحمه الله- بالرئيس الأمريكي في مزرعته بتكساس وكانت هذه الزيارة بتاريخ (10-2-1423هـ الموافق 23-4-2002م) كما زارها بعد ذلك. الأمير سلطان يأتي مبنى البنتاجون قبل الموعد!! زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات من بينها: زار الأمير سلطان أمريكا بتاريخ (15-1-1406هـ الموافق 29-9-1985م) بتكليف من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -رحمهما الله- لإلقاء كلمة المملكة في الأمم المتحدة في نيويورك بمناسبة عيد الأمم المتحدة الأربعين ثم قام بزيارة رسمية لنيويورك في الشهر نفسه وقابل الرئيس الأمريكي ريجان. وبعد هذه الرحلة بعشر سنوات أخرى قام سموه برحلة إلى أمريكا في العام 1416هـ 1985م لحضور احتفالات الأمم المتحدة بعيدها الخمسين. وفي شهر رجب من العام 1420هـ نوفمبر 1999م زار سموه الكريم أمريكا مرة أخرى وقابل الرئيس الأمريكي بيل كلنتون. ويقول الدكتور عبدالرحمن الحمودي في كتابه (الدبلوماسية والمراسم السعودية) وهو يتحدث عن الحرص الكبير لسمو الأمير سلطان على الدقة في مواعيده: (1-384) فأذكر عند زيارته إلى (البنتاجون) وزارة الدفاع الأمريكية في واشنطن أنه وصل قبل الموعد بدقائق، فأخبر سموه بأن وقت الاستقبال لم يحن بعد ورجع موكب سموه، وتجول على نهر البوتاميك حتى حان موعد الاستقبال. نيكسون أول الزائرين للرياض لكنه لم يقنع الفيصل في 24-5-1394هـ الموافق 14-6-1974م زار الرئيس الأمريكي نيكسون المملكة العربية السعودية وكان جلالة الملك فيصل في استقباله، ويعتبر نيكسون أول رئيس أمريكي يزور السعودية. يقول الأمير خالد الفيصل عن هذه الرحلة في كتابه (مسرد تاريخ الفيصل) (ص98) عن هذه الزيارة: بهدف إقناع الفيصل برفع الحظر البترولي فرفض جلالته ذلك. كارتر في الرياض ويلتقي الملك خالد بن عبدالعزيز وثاني رؤساء الولايات المتحدة الذين زاروا السعودي ة هو الرئيس جيمي كارتر الذي زار المملكة في (24-1- 1398هـ الموافق 3-1- 1978م) والتقى الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز. كارتر مرة أخرى في السعودية ويلتقي الفهد في زيارة وصفت بأنها زيارة توقف وصل الرئيس الأمريكي جيمي كارتر للمنطقة الشرقية وذلك في (6-1- 1409هـ) الموافق (18-8- 1988م) والتقى خلالها الملك فهد. بوش الأب الأكثر زيارة للسعودية ثلاث زيارات قام بها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب للمملكة العربية السعودية واحدة منها زيارة توقف لتفقد القوات في حين أن الزيارتين الأخريين رسمية. فالزيارة الأولى كانت في (4-5-1411هـ الموافق 21- 11-1990م) تلتها زيارة في 8-8-1412هـ الموافق 11- 2-1991م ثم زيارة توقف في (7-7-1413هـ الموافق 31- 12-1992م). وفي كل هذه الزيارات كان خادم الحرمين الملك فهد على رأس مستقبلي فخامته. كلنتون في حفر الباطن تمت هذه الزيارة بمدينة حفر الباطن في 23-5- 1415هـ الموافق 28-10- 1994م. وكان في استقباله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله. بوش الابن في الرياض ويلبس الفروة ويفطر على الطريقة التراثية!! وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله قام الرئيس بوش الابن بزيارة رسمية للعاصمة الرياض والتقى المسؤولين السعوديين. كانت هذه الزيارة في الشهر الأول من العامين 1429هـ و2008م فمع الجدول المهم والمحادثات التي أجراها فخامته مع خادم الحرمين الشريفين والمسؤولين السعوديين إلا أن صورته وهو يلبس الفروة لتفادي برودة الجو كانت مشهداً لا يزول من الأذهان بسرعة، ثم المشهد الآخر الطريف في هذه الزيارة جولته وسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز في قصر المربع التاريخي وزيارة دارة الملك عبدالعزيز بدعوة من الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز وتناول الإفطار على الطريقة التراثية وكانت من المواقف الباسمة التي لا تنسى. أوباما في الرياض للعزاء ولقاء سلمان وبعد وفاة الملك عبدالله رحمه الله بأيام قليلة (يناير 2015 م). كانت الطائرة الرئاسية الأمريكة تحط في العاصمة الرياض وعلى متنها أوباما مرة أخرى للعزاء في وفاة الملك عبدالله واللقاء بالملك سلمان ،وقد ذكر غير واحد من المحللين أن هذا اللقاء من اللقاءات المهمة والاجتماعات التي ناقشت قضايا المنطقة ،وبخاصة في مناقشة ما يسمى الربيع العربي وأثره على دول المنطقة. المصادر: الدبلوماسية والمراسم السعودية، د. عبدالرحمن الحمودي، الطبعة الثانية 1424هـ 2003م. الزيارات الخارجية لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، نايف بن علي الشراري، نشر دارة الملك عبدالعزيز 1423هـ 2003م. زيارة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز آل فيصل آل سعود للولايات المتحدة، كتاب طبع بهذه المناسبة ثم أعادت دارة الملك عبدالعزيز طباعته عن الأصل بمناسبة انعقاد الندوة العلمية لتاريخ الملك سعود 1427هـ. مسرد تاريخ الفيصل، إعداد خالد الفيصل بن عبدالعزيز، نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الثانية، 1429هـ 2008م. مقالات أخرى للكاتب تخطئة الكبار بين الجاحظ وابن عقيل الظاهري مجالس الطائف الأدبية.. تاريخ وطني لن يطويه النسيان د. محمد الفريح.. توظيف التراث في خدمة الدين والوطن الملك المؤسس والأيتام تأسيس وطن ورعاية اليتيم والطفولة لدي وثيقة تؤكد أن الأحساء غرب المملكة !!
مشاركة :