كلمة حق يراد بها باطل

  • 4/20/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

وفي قواميس اللغة، فإن "القِمْع" تستعمل لحمل السلع الصغيرة، وقيل ما تتعلَّق به بعضُ الثمار كالتمر والبامية. بالمختصر المفيد، حتى لا نسترسل في سرد المعاني، فإن "القُم الذي سيرد في هذه القصة هو طرف التمرة الذي لا يؤكل. تقول القصة البدوية الشهيرة، إن الناس بدؤوا يعانون الجفاف، وأخذوا يعبرون عن مخاوفهم بصوت مسموع. بدأت فكرة الرحيل تراودهم بحثا عن الماء والمرعى. وفي ظهيرة أحد الأيام، عقدوا اجتماعا للتصويت على قرار الرحيل من المنطقة التي يسكنونها. أجمع الكل على الرحيل؛ عدا شخص واحد! كان هذا الرجل، يخبئ في منزله كميات كبيرة من الطعام والتمر. دُهش الجميع، حينما رفع صوته وسطهم قائلا: "ليش ترحلون، الخير واجد، والأمور زينة، وما فيه سبب مقنع للرحيل"! التفت إليه القوم، ولمحوا على شاربه الأيمن "قمع تمرة يتدلى"، وهم الذين لم يأكلوا التمر منذ شهر، فقال له أحد القوم بلهجة بدوية ساخرة: "يقوله عمك قِمعان"، فأدرك أن القوم اكتشفوا حالته، وذهبت مثلا يروى! اليوم السيد "قِمْعان" موجود في كثير من المجالس، حينما ترتفع أصوات الناس بالشكوى أو البوح يتصدى لهم بالقول: "احمدوا ربكم، وتأملوا حالة الناس في إفريقيا"! يشكو الناس من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، فيرد "الأسعار في الكويت أغلى". يشكو الناس من ارتفاع أسعار الفواتير، فيرد عليهم بأن "أسعارها في قطر أغلى". يشكو الناس من ارتفاع أسعار الخدمات الإلكترونية، فيرد عليهم بأن "أسعارها في دبي أعلى". يشكو الناس من ارتفاع الإيجارات فيقول "إيجارات أبو ظبي أعلى"! والحقيقة ليست أن الأسعار في تلك الدول أغلى، بل لأنه لا يشعر أساسا بالمعاناة. لهذا وأمثاله نقول: من حق الناس أن تشكو وتحتج، وتعبر عن معاناتها في كل زمان ومكان، فإن كنت "شبعانا" فلا تحاكم الناس وفقا لحالتك. والأسوأ من السيد "قِمعان" هو نظيره في عالم المال والأعمال الذي يصف غيره من الكتاب الناقدين بعض الأوضاع الاقتصادية بأنهم سوداويو النظرة، وأنهم يتفرغون لقضايا ثانوية؛ ويتركون الأخطار المحيطة في بلادنا، لأن هذه أيضا كلمة حق يُراد بها باطل!

مشاركة :