أكد المشاركون في مؤتمر اليوم الواحد، الذي نظمه الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، أول أمس، في أبوظبي، لتضامن المثقفين والمفكرين والفنانين العرب، ضد فكر داعش الإرهابي والجماعات المتطرفة، أن المواجهة الفكرية والمعرفية للخطاب الديني الذي تتأسس عليه الجماعات العنفية، تأتي في مقدمة الحرب الشاملة التي ينبغي أن تشن على هذه الجماعات، قبل أن تتحول إلى تيار منتشر يصعب بعد ذلك التعامل معه. وأشاروا إلى أنه في هذه المواجهة تتعدد الوسائل والأدوات ومن أهمها: تفكيك المسلَّمات التي يقوم عليها هذا الفكر، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والموقف من غير المسلمين، ومسؤولية الإنسان المسلم عن تدين الآخرين، وإيمانهم وفكرهم وعقائدهم، ومراجعة مناهج التعليم، وتنقيتها من الفكر الذي يتأسس عليه فكر هذه الجماعات، مثل تقديم تاريخ المسلمين على أنه تاريخ جهاد وحروب، وعدم التركيز على الجوانب الحضارية، فضلاً عن إصلاح خطب الجمعة التي تقدم دائماً صورة عن تاريخ المسلمين وشخصياتهم الأساسية والكبرى، على أنه كله تاريخ حروب وجهاد، وتقديم أعمال فنية تقوم بإصلاح الأفكار المغلوطة التي يعتمد عليها المنتمون إلى هذه التيارات. كما دعوا إلى تغيير الخطاب الإعلامي للتعامل مع الموضوعات التي يدخل منها المنتمون إلى جماعات العنف إلى عقول الشباب، ومراجعة كتب التراث الإسلامي التي تدرّس في مؤسسات التعليم الديني الجامعي وقبل الجامعي، وتكرار مثل هذه الندوات على مستويات مختلفة، وفتح باب الحوار بين المفكرين والباحثين والجمهور العام، لتوعية الأسر على كيفية اكتشاف هذا الفكر ومواجهته إذا ظهر عند أولادهم وبناتهم. وشدد المشاركون على تشجيع الكتاب والأدباء لكتابة أعمال فكرية وفنية وأدبية تعالج الأبعاد الفكرية والنفسية لهذه الظاهرة، وأنه على الفكر الحر في المنطقة العربية التحول من حالة الدفاع التي فرضتها عليه التيارات المتطرفة باسم الدين إلى حالة الهجوم، المواجهة الحقيقية مع نمط التدين التاريخي السائد من جذوره، فضلاً عن ضرورة لفت الانتباه بقوة إلى تطوير مناهج التعليم التي تمثل في الواقع أحد أهم منابع التكوين المتطرف، وهو يشمل النظام التعليمي عموماً، مثل فكرة ازدواج التعليم الديني والتعليم المدني. ولفتوا إلى أهمية العمل على إقناع الشباب بكل الوسائل بأن الحياة في سبيل الله أفضل بكثير من الموت، والعمل على الفصل بين الفقه والعقيدة، وبيان مفهوم كل منهما، والتركيز على الخطوط الفاصلة بينهما، ومن ثم الفصل بين المقدس وغير المقدس، وضرورة تغيير الخطاب الإعلامي، بالانتقال من مرحلة الهضم والتكرار إلى مرحلة الإبداع الإعلامي في مجال الاختراق، وبناء المجتمع المدرسي بما يعظم القواسم المشتركة ما بين الملقي والمتلقي. واشتمل المؤتمر على 3 جلسات، ناقشت الأولى المواجهة المعرفية للفكر الداعشي، تحدث فيها الكاتب والأكاديمي المصري الدكتور نصر عارف، والمستشار والمفكر المصري الدكتور عبد الجواد ياسين، وأدارها خالد عمر بن ققة. وقال ناصر عارف: داعش ليس تنظيماً، بل هو فكرة موجودة دائماً فينا ومنا ونمارسها كل يوم، مستعرضاً قصصاً وأمثلة على ذلك من التاريخ، ولافتاً إلى ظهور جماعة بوكو حرام الإرهابية التي تطارد تعليم البنات في المكان ذاته الذي كان يدعو للعلم ويرفض قوامة الجاهل، إذ قامت بإحراق الكتب والمكتبات وتدمير كل شيء، لافتاً إلى أن ذلك هو بسبب ظهور فكر في مكان ما وانتشاره، ومحاولته ليكون هو الإسلام، ما أحدث عولمة داخل الإسلام، وبدأت تنتشر في البيئات المتعددة والمتنوعة التي لها ثقافة مذهبية، كما حاولت هذه النظرة أن تفرض نفسها على الوطن العربي، وتقنعه أن الحقيقة واحدة والتفسير وواحد، والرؤية واحدة والفكر واحد، إذ نفت هذه الجماعة التعدد، كما عُممت هذه النسخة وفرضها، وساعد على ذلك شيئان، هما الثورة المالية وأدوات العصر، من التسجيلات والكتب التي ترجم عدد منها إلى لغات أكثر من القرآن الكريم، وانتشرت ظاهرة تمثلت في داعش، والقاعدة، وبوكو حرام وغيرها، كما ستظهر بأشكال أخرى في المستقبل، حيث من الممكن أن يتحول داعش من تنظيم في سوريا والعراق إلى فكرة تظهر هنا أو هناك، وفي كل مكان، ولن تتوقف مادام الفكر الذي أدى إلى ظهورها موجوداً. وأشار إلى أن مواجهة داعش تتم بطريقتين، هما: بالمواجهة الأمنية التي تتعامل مع منتجات الظاهر، والشق الإجرامي والفعل، وليس الفكر، أما الثانية فهي من خلال التعامل الإعلامي الذي للأسف يغذي داعش ويخدمه، لأن الإسلام له 3 طبقات جيولوجية، الأولى الإسلام ديناً، والثانية الإسلام هوية، إذ إن هناك أناساً يرون بعض شعائر الإسلام جزءاً من هويتهم، مثل اللباس، أو العادات، أو التقاليد، والثالثة الإسلام أيديولوجيا سياسية، وهي التي لا تتعدى 1%، والذين يواجهون داعش قد لا يكون واضحاً لديهم هذا التفريق، فقد يهاجمون الإسلام ديناً أو هوية أو أيديولوجيا سياسية، وهم يظنون أنهم يهاجمون داعش، وهو بذلك يتحول إلى مصدر تجنيد لها. ولفت إلى أن التعامل الأساسي مع داعش وأشباهه، يكون من خلال تفكيك البنية المعرفية له، وليس الفقه ولا الأحكام، وإنما البنية المعرفية التي بُني عليها هذا الفكر، وأن خطب الجمعة جميعها من دون استثناء تغذي داعش، إذ إنها لا تقدم أبطالاً في التاريخ إلا مجاهدين، وتقدم الأبطال الحربيين لا الأبطال العلماء، موضحاً أن هذا ليس موجوداً في دولة الإمارات التي غيّرت مناهجها منذ سنوات، مشيراً إلى أن الدول التي دخلها الإسلام بالتسامح لا تزال الأمور فيها مستقرة. وبين أن التفكيك المعرفي لداعش يكون بداية بمجموعة قضايا، هي: التعاون، ومسؤولية المسلم عن إيمان الآخرين وتكفيرهم، مشيراً إلى أن موضوع الحسبة عبر التاريخ لم يكن على الصلاة، وإنما على الخبازين والعاملين في الملاحم، والتفرقة بين المحتسب المتطوع الذي له التذكير فقط، والموظف، إلى جانب قضية الولاء والبراء، التي دفعت شاباً للتبرّؤ من أمه مؤخراً في إحدى الدول وقتلها، والتي معناها الجاسوسية والخيانة، وليست بمعناها الفقهي، فضلاً عن علاقة المسلمين وغير المسلمين وتنظيمها، إلى جانب مفاهيم الجهاد. من جهته، تطرق المستشار والمفكر المصري الدكتور عبدالجواد ياسين، إلى العنف الديني ونماذج المواجهة المعرفية، الذي يمثل إشكالية متشعبة، مركزاً على إشكاليات الاجتماع في قضية التطرف الديني، التي لا تزول تلقائياً بمجرد تفكيك المشكلة والوقوف على أسبابها، لافتاً إلى عدم إنكار قيمة الفكر الذي يظل محتفظاً بدوره الاستشرافي وإمكاناته التحفيزية، وخفض سقف التوقعات التي يمكن انتظارها في المدى القريب على مستوى التفكير الديني والثقافي، لأن المسألة تتعلق بضرورات تطورية يلزم تحققها على كل الصعد، لافتاً إلى أن النقطة الثانية من المواجهة تتعلق بمصادر العنف الديني، والأصول النظرية المسكوت عنها، إذ إن الأصوليات الإسلامية ظاهرة اجتماعية، ولذلك فهي تتغذى على مثيرات مستمدة من واقعها الديني المعاصر، التي هي ظاهرة دينية تصدر عن دوافع بيولوجية وتستند إلى بنية نظرية ذات قوام فقهي نصّي ينتمي إلى الديانة الرسمية، بينما يبرز الطرح التقليدي الشائع الذي يشير إلى أن التنظيمات الدينية العنيفة جماعات غلو تصدر عن تأويلات مغلوطة للنص الديني، وتكمن المشكلة هنا في التأويلات، وليس في التراث أو النص في ذاته، مبيناً أن هذا الطرح يستند إلى فكرة أن المبادئ الكلية في الدين لا تقبل بالعنف، ولا بالقتل، ولا تحرّض على الكراهية، بل تدعو إلى الخير والمحبة والسلام. وأوضح أن هناك إشكالية تتعلق بالتراث التاريخي الذي تسيل الدماء فوق كل صفحة من صفحاته، وهو مصدر مباشر للتأويلات الأصولية المعاصرة وبالذات داعش، فضلاً عن إشكالية تتعلق بالنص، إذ إن الأولى الخاصة بالتراث واضحة ومسجلة، ويسهل كشفها رغم الحصانات التبجيلية للعقل التراثي، لافتاً إلى أن الإشكالية الأكثر حساسية والمسكوت عنها تحتاج إلى توضيح، وهي إشكالية النص التي تتعلق بماهيته والثبوت، ولها تفسيرات سلفية قديمة، مثل الحديث عن إشكاليات الرواية في النص السني، والكثير من فقه الكراهية والعنف الذي ترجم حالة الفوضى في صدر الإسلام التي عبر عنها فقه الكراهية. وبين التفريق بين النص المطلق الإلهي والنص الاجتماعي النسبي، ووقائع التاريخ التي تحولت على يد الفقه إلى قيم كلية لها حصانات المطلق المؤبد وصلاحياته، وأنه نتيجة لذلك تم تحويل الغزو القبلي تحت مسمى الجهاد إلى فريضة دينية مؤبدة، وتم تقسيم العالم إلى دارين، هما دار الإسلام ودار الكفر، وتم كذلك تحويل التاريخ إلى حالة حرب دائمة بأحاديث منسوبة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مؤكداً أن الدين في ذاته اعتناق حرّ ولا يمكن للقتال أن يتعلق به، وحيث يحدث ذلك يحدث بغرائز الاجتماع وليس بتوجيه الدين، كما كان الفقه استناداً إلى النص يعكس الواقع ويعبر عن القوة. ودارت بين الدكتور نصر عارف والدكتور عبد الجواد ياسين والجمهور مداخلات ثرية عن قضية الولاء والبراء، ومواجهة داعش والتنبيه من تغذيتها إعلامياً، ومدلولات الفقه، وبراءة الإسلام من كل ما يدعو إلى القتل وسفك الدماء. وفي الجلسة الثانية التي أدارتها المذيعة في قناة سكاي نيوز عربية فضيلة السويسي، التي حملت عنوان الفكر المتطرف وحرب الإعلام، شارك فيها الدكتور يوسف الحسن، والإعلامي منصور النقيدان، وتطرقت إلى أن الإعلام يلعب دوراً مهماً في تنمية الأفكار وتوجيهها، وقضية الخلافة ومفهوم الدولة المعاصرة. وتساءل النقيدان: لماذا لا نظهر أشخاصاً من المتطرفين في الإعلام؟ ولماذا يبقون في الظل؟ وقال: قلما نرى هذا وإن كانت إم بي سي، بثت قبل سنوات لقاءات مع من كانوا في السجن، مؤكداً أن على السلطة أن تكشف الفكر المتطرف من دون البحث في الجذور، والفكر التكفيري الموجود يحتاج إلى مناقشة، مشيراً إلى أن هناك إغواء تمارسه البرامج الإعلامية المتنوعة في جذب البعض وتجنيدهم. وعقدت الجلسة الثالثة من المؤتمر تحت عنوان داعش والفن.. الحرب والتنوير، بمشاركة الأديب الإماراتي علي أبو الريش والفنانة تيسير فهمي، وأدارت الجلسة الدكتورة أمل صقر. وقالت الفنانة تيسير فهمي: في ظل الوضع والهجوم الذي تواجه به داعش حرية الرأي والفنون بكل أنواعها يجب أن نعلم أن ليس داعش فقط نظرته دونية للفن، ولكن مجتمعاتنا العربية كافة، فلو استطعنا أن نوصل للمجتمع أهمية الفنون في إعادة تشكيل وجدان الإنسان، وأن الفن غاية لتصحيح مفاهيم الإنسان الخاطئة، سنتمكن أن نثبت بشكل فعلي أن الفن مؤثر في حياتنا، ولكن ما دمنا نعيش في ازدواجية، فنتكلم عن دور الفن في المحافل الثقافية، وفيما بيننا نقول الفن عيب والفن حرام، ابنتي لن تكون ممثلة، والنحت حرام، مادام في داخل كل منا يعيش داعش لن يكون هناك دور للفن، لا أريد أن نكون مجرد أبواق تتكلم وليس لنا فعل حقيقي في مجتمعاتنا التي هي في أمسّ الحاجة لنا، فنانين وشعراء وكتاباً وأدباء. وأضافت أن الفن وكل ما هو مرئي ومسموع ومقروء، متأصل في تراثنا، إذ تربينا على الحكاية، من خلالها أغرس في من أمامي ما أريد، وهنا تكمن أهمية الفن في المشاركة في معالجة مشكلات المجتمع، فهو مؤثر ويتأثر، ولكن إذا كانت المنظومة المجتمعية بأكملها فاسدة، فسيفسد كل شيء، وسيشكل عبئاً على الفنان كي يؤثر في السلوك، وهذا لا ينفصل عن التعليم والتربية ودور الأسرة والكتاب والمفكرين، لننشئ جيلاً جديداً. فالمنظومة بحاجة إلى إعادة نظر، لا بدّ لجميع المتخصصين من كل الجهات من التعاون والتشارك، بحيث نشكل الطفل، كما أن على البيت أن يحدّد ماذا يشاهد طفله، ويجب تقديم فن يناسب كل الأعمار. وأوضحت فهمي أن التكاتف بين البيت والمدرسة مهم جداً، مع التركيز على الأنشطة الفنية من موسيقى وتمثيل ورسم وأدب، فالنشاط الفني يفرغ طاقة الطفل، كما أن الفن ثقافة أيضاً، والقراءة كذلك تفرغ طاقات الطفل بشكل إيجابي وتصقل مهاراته وتنمّي إدراكه ومعارفه. وأضافت أن الأعمال الدرامية التي قدمت عن الإرهاب لم تقدم الجديد، كما أن المناهج بحاجة إلى تعديل وتنقيح حتى مناهج الأزهر أيضاً، لأن الدين هو المعاملة، هو عدم الكذب وعدم الغش والسرقة، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، لا بدّ أن نبسّط الدين أمام الأطفال، فالدين انتشر أكثر عن طريق التسامح. من جهته، قال الأديب علي أبو الريش: وعلّموني البُكا ما كنتُ أعرفه/ يا ليتهم علموني كيف أبتسمُ. نحن نعيش في حزن تاريخي وفقدان وجودي، لبسنا المسألة بالدين ولكن نحن العرب الحزن التاريخي في شعرنا، إن كان حباً فهو حزين، وإن كان هجاء فهو حزين، وإن كان نقدا فهو حزين، الأنا العربية الحزينة التي استجلبت الإسلام، وبدل أن تستثمر هذا الدين من أجل المحبة والتصالح مع النفس، ألبسته لباساً خشنا يضيف إلى خشونة الحياة التي عشناها والتاريخ الذي مارسناه. وأضاف لماذا نعشق الوردة ونتغنى بجمالها؟ لأنها تنثر حبها من غير شروط ولا فروق لونية ولا عرقية ولا دينية، أتمنى لو أن الإنسان يعيش على هذه الأرض وأن يستفيد من هذا الكائن الزهرة، لاستطعنا أن نتخلص من كل الأمراض التي نعيشها، لقد قال طاليس إذا كانت الأشياء جميعها جاءت من الماء، فلماذا لا ننقي الماء فعلاً؟ نحن الآن بحاجة إلى تنقية هذا الماء من ضحالة فكر تاريخي عقيم، وقبل أن ندرس علاقة أبنائنا بالدين، يجب أن نفكك الخرافة التي جعلت من أم الدويس كائناً نرعبهم به، ونحن بداية لم يكن لنا رب لكن صنعناه من الحجر، لأننا بحاجة إلى هذا الكائن الأسطوري الذي يوصلنا إلى القوة العظمى. كنا بحاجة إلى الصنم لأن الصحراء مخيفة، وللأسف نحن الآن في القرن الواحد والعشرين وما زلنا نعيش كالسابق، هناك عناصر وأسباب ولو استطعنا أن ننتبه إلى هذه النقطة، لما جلسنا في هذا المكان وتحدثنا عن داعش. المشكلة ليست في داعش ولكنها في داخلنا نحن، كل واحد منا فيه صنم، كل واحد فيه داعش. وأضاف أبو الريش إذا لم نستطع أن نتخلص من جرثومة الحقد، فلن نستطيع أن نخلق جيلاً طيب الأعراق، لنا قرون من الزمن نلعن الآخر ونسب الآخر، والآخر قطع مشاوير وأشواطاً طويلة ونحن ما زلنا نشتم، لأننا لا نملك القدرة على الخروج من هذا الترسب، وصدقنا أننا خير أمة، للأسف نحن صدقنا واقتنعنا واكتفينا، لكن النص مفتوح في الحياة وبحاجة إلى تبصّر وتفكير وتدبير، نحن ما زلنا عند نقطة الصفر، في البدء قال ديكارت الوجود يبدأ بفكرة، ثم قال روسو: الوجود يبدأ بالحرية. ثم جاء شوبنهور: الوجود يبدأ بالإرادة. ثم قال نيتشة: الوجود يبدأ بإرادة القوة. ثم جاء بعد قرن من الزمن كرونشي الأمريكي، وقال الوجود يبدأ بالفن. ونحن مع الفن، لأن بالفن تتأمل الحياة بقلبك وليس بعقلك، يجب أن نعرف أن الحياة تأمل وعزلة ذاتية حياتية، ولا أتحدث عن مسلمين وغير مسلمين، أتحدث عن الإنسان بشكل عام، نحن لدينا عقدة ضد الفن، لا نفهم ما هو الفن، الفن ليس هو ما يدرج في رواية تمثل، هو إحساس، عندما تجسد الفن في الحياة، فأنت تنعش الحياة والدماء وكريات الدم في جسد أي إنسان ميت، وللأسف الشديد، ما زلنا ندور في الدائرة المغلقة نفسها، أن داعش هو المنكر، نعم هو منكر، لكنه وليد واقع إنساني عربي مقموع أساساً، واقع مبتلى بالعتمة والظلمة، لا يقتنع أن في الحياة ضوءاً يجب أن نتجه إليه. وأكد أبو الريش، أنه لا بدّ من تغيير مناهج التعليم، على مستوى الوطن العربي، والتركيز على الفنون، لأن الفن ذائقة، والذائقة بحاجة إلى تدريب وتهذيب، كي يصبح في المجتمع فنان ملتزم يخدم قيم مجتمعه، موضحا أن الطالب اليوم في الصف الرابع يحمل أثقالاً في حقيبته المدرسية ويحضر 9 حصص يومياً، تكديس العلوم بهذا الأسلوب لا بدّ أن يولد الكراهية، فيكره الطالب المدرسة والمدرس ويتعلق بأي مشجب، سواء كان داعش أو غيره، عدا أن مجتمعاتنا العربية ما زالت تحارب الفلسفة وعلم النفس، علما بأننا في أمسّ الحاجة إلى فلاسفة وعلماء نفس، وإذا أردنا أن نعالج قضية التطرف والإرهاب، فيجب أولاً أن نتصالح مع أنفسنا كي نتصالح مع الآخر، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. مقترحات ثرية قدم الدكتور الكاتب والمفكر يوسف الحسن، الدبلوماسي السابق، خلال مشاركته في أعمال الجلسة الثانية من المؤتمر، ورقة عمل متميّزة تتضمّن مقترحات ثرية، وتالياً نصها: المحور الأول: الإعلام التقليدي والجديد والعميق: من أهم أدوات الجماعات الإرهابية والفكر المتطرف العنيف من خلاله يتم: 1- استقطاب مجندين إلى صفوفه. 2- إقناع الرأي العام بفكره ووجهات نظره. 3- كسب التعاطف معه والإعجاب به. 4- تفكيك المقولات المضادة له. 5- استخدامه للصورة وللانطباع ولتطبيقات معينة في توتير بشكل هوليودي لإثارة الرعب في النفوس. هناك إعلام آخر جديد غير مكشوف ويعمل في الخفاء له شبكات وقواعد معلومات ومواقع للتواصل الاجتماعي تستخدمها الجماعات الإرهابية لنقل التوجيهات والمعلومات، وهي شبكات ذات تقنية عالية ومعقدة تصعب مراقبتها وكشفها يطلق عليها اسم الإنترنت المظلمة، والإنترنت العميقة، استخدمها تجار البشر والمخدرات واليوم يستخدمها الإرهابيون. ولم يعد غريباً أن تجد سلفياً جهادياً يرتدي جلباباً قصيراً مع ذقن ممتدة على الصدر ويحمل لاب توب موصولاً بشبكة عنكبوتية لها تطبيقات اتصالية فعالة وخطرة مع هاتف محمول بالغ التقدم والتقانة الحديثة، هنا تتشكل علاقة معقدة بين الفكر المتطرف العنيف والتكلنولوجيا الاتصالية الحديثة، وهنا تظهر مخاطر هذه التكنولوجيا الفائقة، حينما ينتهي هذا الفكر الظلامي إلى إرهاب متوحش يتوغل وينتشر ويضرب بدلاً من أن يصبح التحديث في تكلنولوجيا الاتصال طريقا إلى الحرية وقيم الحداثة والمعرفة. وهنا أيضاً تتبدّى مخاطر محاولات تبرير الإرهاب او نفاقه، كما تبرز العلاقة الآثمة بين الإرهاب والتكنولوجيا واستثمارها لبث الانحراف الفكري في بعض المفاهيم الدينية كالجهاد والتفكير والحاكمية ودار الإسلام ودار الحرب. المحور الثاني: قلعة الانتحاريين في مولنبيك: في هذا الحي البلجيكي في بروكسل يمكنك شراء السلاح والمتفجرات واللجوء والسكن والتجنيد، حي فقير مكتظ مغربي، منه انطلق انتحاريان واغتالا بكاميرا ملغمة أحمد شاه مسعود في أفغانستان، بعد يومين من تفجيرات نيويورك وواشطن 2001، مهاجر مغربي حسن الحسكي كان وراء تفجيرات مترو الإنفاق في مدريد 2004. منه خرج فرنسي من أصل جزائري مهدي نموش، ليفجر متحفاً في بروكسل ويقتل أربعة أشخاص 2014. مذبحة باريس الأخيرة، منفذو التفجيرات جاؤوا من مولنبيك، أحد أبناء هذا الحي أبو عبود قاتل في سوريا وظهر في شريط يلعب كرة القدم برأس بشري مقطوع.. مئات من القتلة خرجوا بممارسة الموت المتوحش في سوريا والعراق وغيرهما، وعادو إلى أوروبا بعبوات ناسفة. ما الذي الذي جعل هذا الحي قلعة للانتحاريين؟ هل هو الفقر والتهميش؟ هل هو الفكر المتطرف؟ هل هو الاصطدام بالعصر؟ هل هو ضريبة العولمة؟ وبفعل الإنترنت حيث صار المهاجر المسلم وأولاده على اتصال يومي بأقاربه وبعاداتهم وعصبياتهم، هو ما يريحه أكثر من الاندماج في مجتمعه. لكن كل ذلك وغيره هل يبرر لهؤلاء القتلة أن يتحولوا إلى عبوات ناسفة في شوارع أوروبا ومدنها التي استقبلتهم وعثروا فيها على سقف وعنوان ومساعدة اجتماعية ورعاية طبية؟ أمواج الانتحاريين الوافدين من أرضنا العربية وثقافتنا وفكرنا الذين تحولوا إلى ألغام ورصاص، من الذي أعطاهم الحق والتبرير لفعل الإرهاب بحجة الفقر وتعثر الاندماج؟ هل هو تساهل هذه الدول الأوربية، من خلال رؤيتها للحريات ولحقوق الاختلاف، وبالتالي تركها للدعاة وأئمة المساجد (في بلجيكيا مثلاً 50 مسجداً وتدعم بلجيكا تمويل مدارس إسلامية) يحدثون الشباب عن الجهاد الأفغاني، ومذابح البوسنة والهرسك، وغزوتي نيويورك وواشنطن ومشاهد القتل في سوريا والعراق، يفسرون الإسلام تفسيراً عنيفاً لا يدعو إلا إلى الجهاد والقتل وأن العالم هو دار الحرب. هل هو فشل دول غربية في اجتذاب هؤلاء المهاجرين إلى دورة يعيشها بقواعده ومرجعياته؟ لماذا لم يخرج انتحاريون من صفوف الجاليات غير المسلمة ؟ هناك فقراء وبطالة أيضاً بينهم. هل هو الخوف من الذوبان في هذه المجتمعات الجديدة؟ وهل هذا الخوف يدفع الإنسان إلى طريق الانتحار والقتل؟ ومع كل ذلك ظل حي مولنبيك آمناً من الاعتقالات الجماعية أو العنف والتدمير، وظلت دول غربية عدّة متجاهلة هذه المساجد المسؤولة عن دعوات التطرف وتلك القاعات في البيانات أو الأحياء، وهي قاعات تلقى فيها الخطب والمحاضرات، وتقام فيها الصلوات وتسمح للمتطرفين ببث أفكارهم وتجنيد الشباب الذين يبحثون عن معنى لحياتهم وهويتهم ويعطوهم حلولاً جاهزة ويغرونهم بالجنة وحور العين. نعم صحيح، قد يقول قائل إن كل الديانات والمعتقدات تنتج أناساً عنيفين ومتطرفين، هكذا يعلمنا التاريخ بما فيه التاريخ المعاصر في إيرلندا وتفجيرات لندن وقبائل الهنونو المسيحية تعتقل أكثر من نصف مليون من قبائل التوتسي، والكنائس المسيحية كانت متورطة في هذه المذابح في رواندا لكن وسائل الإعلام تجاهلت عملياً هذه الأعمال الدموية. إن ما نطلبه ونتمناه من الإعلام في الغرب وغير الغرب، أن يبين من يدفع الناس إلى دائرة الغضب والحقد والكراهية ضد المسلمين، سواء منهم من يعيش في الغرب أو في دول مسلمة. داعش يريد من المجتمعات غير المسلمة أن تحقد، وأن تخاف، وأن تتعمق التناقضات في هذه المجتمعات، وان يدفع مسيحيين غربيين وعلمانيين غربيين إلى فخ كراهية من يعيش بينهم من مسلمين. ويأمل من ذلك بجذب مسلمين إلى أحضانه. ولنتذكر أن نحو 40 في المئة من الذين يعتقلون في أمريكا للاشتباه في انتمائهم إلى داعش تحولوا إلى الإسلام من أديان أخرى. فتاة ألمانية اسمها صفية من أصول مغربية، وكانت على اتصال عبر الإنترنت بمقاتل في داعش في سوريا اعتنقت أفكاره في عام 2015، في أواخر فبراير/شباط الماضي هاجمت شرطياً ألمانياً في هانوفر، بسكين إصابته بجروح خطرة، وهي الآن في السجن. شيء إرهابي لم يحدث بعد لكنه ينذر بالخطر بعد يومين من هجمات باريس (30 قتيلاً ومئات الجرحى) في مارس/آذار 2016 تم اغتيال بروسبيرو، وهو حارس أمني في مفاعل نووي بلجيكي في منزله، وأجهز القتلة أيضاً على كلب الرجل القتيل وسرقوا تصريحه الأمني الذي يتيح دخول المفاعل النووي. في أواخر عام 2015 أثناء دهم الشرطة البلجيكية لمنزل مشتبه في إرهابه، تم اكتشاف فيديو سجلته كاميرا زرعها إرهابيون في شجرة خارج منزل عالم نووي. من بين الأهداف المحتملة: تخريب مفاعل نووي وتحويله إلى سلاح دمار شامل، سرقة مواد مشعة لصنع فنبلة قذرة تلوث منطقة واسعة.. من الإنترنت يمكن أن تتعلم صناعة قنبلة. إن جهود مواجهة هذا الخطاب الإعلامي الإرهابي والفكر المتطرف العنيف مازالت مرتبكة أو موسمية، وتفتقر إلى المهنية، والشمول، والتنسيق. لا يكفي حذف آلاف المواقع والحسابات الخاصة المتصلة بداعش في وسائل التوصل الاجتماعي. هناك جماعات تبرر الإرهاب ولها إعلامها ومواقعها الإلكترونية، وهناك علماء أو أنصاف علماء يروّجون لمنطلقاته وأسسه الدينية والفكرية. هناك من يهوّن مخاطره، ويهيّئ المناخ لكسب التعاطف معه، هناك من يدين القتل والذبح لكنه يبرر بالقول إنهم شباب عاطل عن العمل، يعاني الظلم، يبحث عن العدل وبناء الديمقراطية. محطة الجزيرة هي تجربة إعلامية للفكر المتطرف العنيف، روّجت لجماعات أصلت لهذا الفكر المنحرف، وقدمت صوراً وانطباعات زاهية لقادة هذا التطرف العنيف، منذ أسامة بن لادن حتى قادة النصرة وأمثالهم في ليبيا والعراق وسوريا. رغم شدة الحملات على الإرهاب على مدى السنوات (أكثر من عقد ونصف العقد) الماضية، فإننا لم ننجح حتى الآن في إنتاج خطاب ديني يحدّ من جاذبية خطابات القتلة. لم ينجح علماء الدين والمؤسسات الدينية والإسلاميون المعتدلون من صوغ خطاب يفسر مفاهيم الجهاد والدولة والشريعة وعلاقة الدين بالدولة ومسائل المرجعية والعلاقات مع الآخر وقضايا الحداثة. لم ننجح في تحدي مصدر وخزان هذا الفكر المتطرف العنيف، ولم ننجح في تقديم نموذج للمسلم المعتدل المنفتح على عصره، وعلى الآخر المغاير. لم ننجح في مواجهة تأثير هذا الفكر، من خلال وسائل الاتصال الاجتماعي والقنوات الفضائية، هل هو عجر فكري، أم أن هذا الفكر المتطرف الذي يتمدد منذ عقود في أكثر من مكان، هو فكر حي ومحمي؟ من المهم إدراك أن المعركة مع التطرف العنيف، فكراً واتساقاً ونظماً، ليست مع الإرهابيين فقط وبمطاردتهم وبقتلهم أو القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، وإنما الأهم هو مواجهة الفكر الذي يحملونه والبيئات الحاضنة والمحفزة والمنتجة للإرهاب. ما المطلوب الآن؟ بحاجة نحن إلى تكثيف وتعزيز القراءات الصحيحة والمتعمقة والمحترمة للخطاب الديني والفقهي الدواعشي المستخدم في الإعلام. إن معظم هذه الدراسات أعدها باحثون غربيون لا يملكون الخلفية الثقافية والدينية القادرة على الاستجابة الفاعلة للرد على الخطاب المتطرف العنيف، نحتاج إلى خطاب ديني يتماسك فكري وفقهي شجاع ومعتدل، يفند هذا الزيف في هذا الفقه المتوحش، خطاب مستدام ومؤجل في ثقافة المجتمع وتعليمه وإعلامه. بحاجة إلى مواجهة مستدامة، ومحترفة، للإعلام المتعاطف مع هذا الفكر المتطرف العنيف وجماعاته المختلفة، سواء كان هذا التعاطف لأغراض سياسية، أو عقائدية، المواجهة تكون بالتأجيل والتدريب والرصد والضغط الشعبي والإعلامي. وأقترح على اتحاد الكتاب والأدباء العرب وأمانته العامة في الإمارات تبني المقترح التالي: تأسيس مرصد يرصد هذا الإعلام المتعاطف مع الإرهاب والفكر المتطرف، ويوثق ممارساته المعلنة، وتلك المستترة الداعمة للإرهاب، ويصدر تقريراً فصلياً يوضح للرأي العام خطورة هذا النوع من الإعلام، فضلاً عن الاهتمام الحقيقي بالشباب من خلال إدماجهم في مشروع ثقافي وطني قومي يتجاوز الأنماط التقليدية إلى الاهتمام بالمعرفة وتراكمها وإنتاجها، والتركيز على المشاركة والتنشئة السياسية، وقيم التسامح واحترام التنوع والتعدد، علاوة على أن الشباب هنا هم جيل العولمة وجيل تويتر وفيس بوك، وهذا يقود إلى مفهوم أثر الاقتداء الذي يشير إلى تأثر الشباب بما يجري عبر الحدود والثقافات، وهو الانفتاح التكنولوجي على الفضاء الإلكتروني، وهو الذي يضعنا أمام مشكلة مهمة هي عدم دقة المعلومات المتداولة وتوجيهها في كثير من الأحيان من جانب جماعات منظمة، وبخاصة تلك الجماعات المتطرفة العنيفة وما تطرحه من فكر تكفيري متوحش. ومن هنا فإن مسؤولية الدولة الوطنية مراعاة خصائص هذا الجيل وفهم طبيعة المتغيرات وحجم ونوع الأفكار التي يتبادلها هذا الجيل، وضرورة إعادة الاعتبار إلى دور التنشئة السياسية التقليدية والمدرسة والأسرة التي تراجع تأثيرها تدريجياً لمصلحة عالم الإنترنت. تجديد الخطاب الديني جماعياً وليس فردياً مع ضرورة التفرقة ما بينالإعلام الديني والإفتاء والدعوة. ولا يعني التجديد تغيير معالم الدين وثوابته، وإنما التجديد في الوسائل وترتيب الأولويات ومراعاة المصلحة وتغيير حاجات الناس، ودرء المفاسد عن الناس. إنه يعني صياغة خطاب فكري ديني يحافظ على ثوابت الدين وصحيح الإسلام ويتناسب مع روح العصر ومعطياته ومع الحوار مع الآخر وقيم الرحمة والتسامح. المحور الثالث مواجهة فقه التوحش: كيف نواجه فقه التوحش أو فقه الموت والترهيب وانتهاك كرامة الإنسان؟ فقه التوحش يقدم نفسه باسم الدين، ويرى في الموت نزهة، وفي القتل قدسية، ونزع الإسلام عن صفات الرحمة وإعمار الأرض ومنظومات القيم والأخلاق، فقه يتلذذ بالحرق والإغراق وجز الرؤوس.. ويداه مغسولتان بدماء مصلين صائمين أبرياء ويهتف قائلاً: أريد اللحاق بالإفطار مع رسول الله. فقه متوحش سادي يقيم سوقاً للاسترقاق الجنسي، بجوار مسجد الفلوجة الكبير يملأ السوق بنساء وفتيات سوريات كسبايا، وينظم مسابقة لحفظ القرآن الكريم وتكون الجوائز فيها سبايا يوزعن على الفائزين، ويصاحب الفوز مثله مثل الذبح هتاف الله أكبر. لاحظوا أن سوق السبايا أقيم بجوار الجامع، بمعنى أن تكون السبايا في متناول المصلين، وتذكرت أن أكبر سوق للرقيق كان موجوداً إلى جوار المسجد الحرام قبل أن يصدر قرار وقف الرق وتحرير الأرقاء في عام 1962. وتذكرت أيضاً الدولة العثمانية، حينما أبطلت أسواق النخاسة، انسجاماً مع قرارات دول أوروبية في إبطال الرق. وفي منتصف القرن التاسع عشر، قامت تظاهرات صاخبة في بعض المناطق العربية وقادها مشايخ لإلغاء هذا القرار العثماني وتم التراجع عنه. كيف تمت صناعة البيئة الملائمة لهذا الفقه المتوحش، وكيف أصبحت له جاذبية وهوية ومنتج ترويجي وإعلامي فعال، وكيف انجذبت له نساء (شرطة نسائية) وكيف خطف صحيح الإسلام؟ تذكرت عبد الله عزام الذي وجه بوصلته إلى أفغانستان بدلاً من فلسطين. تذكرت رسالة وفيها تواقيع مئة عالم إسلامي، موجهة إلى البغدادي ولم تقل سوى أن داعش أخطأ الوسيلة وعدم التحوط. حبيب الصايغ: داعش يعمل ضد الحياة والإنسان.. والإمارات واجهت وحش الإرهاب بالأمن والعدل والفكر ألقى حبيب الصايغ، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، كلمته الافتتاحية التي أشار فيها إلى عدم وجود سبب محدد لاختيار يوم التاسع عشر من إبريل/نيسان الجاري، لتضامن الكتاب والأدباء والمثقفين والفنانين العرب ضد الإرهاب والتطرف، وخصوصاً فكر تنظيم داعش الإرهابي، مؤكداً أن هذا المؤتمر في هذا الوقت تحديداً يأتي لاتفاق جميع الكتاب والأدباء العرب من الخليج إلى المحيط على تحقيق المشروع، وتكريس فكرة مواجهة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية بشكل ممنهج وجمعي، وذلك نحو تكريس المشروع الأشمل الأهم، ألا وهو التغيير في أسلوب التفكير والعمل الثقافي المشترك، بدءاً من العمل على تحقيق التواصل الثقافي العربي بما يتلاءم مع الطموح في مطلق الطموح، وبما يتناسب مع هذه المرحلة العربية العصيبة والحرجة. ولفت إلى أنه تحت مظلة الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، تم التوافق بين جميع الاتحادات وروابط وجمعيات وأسر الكتاب العربية على الوقوف معاً في التاسع عشر من إبريل/ نيسان الجاري، ضد التنظيمات المتطرفة التكفيرية، خصوصاً داعش، لأن الإرهاب من دون دين أو مذهب أو لغة أو جنسية، وهو اليوم ظاهرة عابرة للقارات منتمٍ إلى كل الأديان، وإرهاب منتمٍ إلى عدد من المذاهب داخل الدين الإسلامي العظيم، البريء من كل ذلك، لكن داعش خصوصاً في واجهة عنوان المؤتمر، لأنه يقتل الناس على الهواء، ويبيع النساء ويدمر الآثار، ويتّخذ مواقف سلبية غريبة عن الحضارة والثقافة والفن، والأهم أنه يعمل ضد الحياة وخلق الإنسان في كينونته وإرادته وحريته. وأوضح أن مواجهة داعش بتكريس نقيض فكره وعمله، باحترام الحوار، وقيم الحرية، والتسامح والعدالة والمساواة والانفتاح على الآخر وقبوله في كل الحالات، وخصوصاً في حالة الاختلاف، مؤكداً أنه لا تقدم عربياً من دون إحياء هذه القيم عبر الثقافة والكتابة والإعلام وبدءاً من التعليم. وقال: نحن في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ندعو إلى تغيير شامل وحقيقي في ذلك كله، وسوف نعمل قدر المستطاع، وأكثر من المستطاع، على تحقيقه، ومن حسن الفأل والطالع اليوم، أن مقر الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في مدينة أبوظبي الجميلة، عاصمة دولة الإمارات، عاصمة التسامح والسعادة والنماء والوفاء، منذ والدنا وقائدنا وحكيم العرب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، إلى جيل القيادة الحالي، وعهد القائد الفذ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأدام عليه موفور الصحة والعافية. وأضاف الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب: أردنا اليوم أن نقول لداعش الشر وأمثاله، إن كتّاب الوطن العربي ضمير أمتهم، لهم كلمتهم وفعلهم في المحافظة على حاضر ومستقبل الأولاد والأحفاد، وأردنا أن نفضح ادعاءات وجرائم داعش والفكر المتطرف والتكفيري اليوم، وكل يوم، وأردنا تأكيد أن داعش ليس الشرذمة المعلومة تحت لوائها الأسود القبيح، فقط، وبعيداً عن التهويل والتهوين معاً، فإن الفكر الداعشي حاضر للأسف في أوساط عامة متعددة، مجتمعية وثقافية وأكاديمية وإعلامية، ولقد أسهم التواصل الاجتماعي في تسهيل ذاك، ونحن حين نواجه داعش والتنظيمات الإرهابية، بغضّ النظر عن دينها ومذهبها ولغتها وجنسيتها، فإنما ننتصر لفكرة النور والحياة على فكرة الظلام والموت. وشدد على أهمية تجربة دولة الإمارات في مواجهة وحش الإرهاب المتعدد الأشكال، بالأمن والعدل والإحسان، وبالفكر الهادف والإعلام المدروس، خاتماً كلمته: أرحب بضيوفنا جميعاً، وكلهم مرموقون في مجالاتهم، متمنياً لهذه الفعالية وكل الفعاليات التي تقام اليوم على امتداد الوطن العربي الكبير، النجاح وتحقيق التأثير الإيجابي في الإسهام في مشروع التغيير الذي لا مفر منه. فاطمة ناعوت: الإمارات أول من قاوم الإرهاب بالكلمة والفعل أشادت الكاتبة والشاعرة المصرية،الدكتورة فاطمة ناعوت في تصريحات صحفية على هامش المؤتمر، بمواقف دولة الإمارات من الإرهاب، إذ كانت من أوائل الدول التي حذرت من الإرهاب وقاومته بالكلمة والفعل، إذ إن مقاومة الفكر الإرهابي أخطر من محاربة الإرهاب نفسه. وقالت: الإمارات من أكثر دول العالم احتراماً للإنسانية وقيمها، فهي تعلي الإنسان وقيمة الحياة بغض النظر عن الدين والجنس واللغة، وهي بلد التسامح والمحبة مع كل الجنسيات، كما أنها سخرت المال لبناء الشخصية الإنسانية، والقانون فيها لا يفرق بين أحد. ورغم أني درست العمارة، فإن ما يجذبني في هذه الدولة ليس النهضة المعمارية والحضارية، وإنما بناء الإنسان، فهي دولة تبني شعباً سعيداً، والمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، آمن بأن الاستثمار الحقيقي ليس في الأرض والمال، وإنما في الإنسان واحترامه وضمان كرامته لبناء مجتمع صحي وسوي، وفي هذا استطاعت الإمارات أن تحقق طفرة وصنعت معجزة حقيقية وكانت رأس الحربة في مكافحة الإرهاب. وثمّنت ناعوت عقد الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب لهذا المؤتمر في أبوظبي، إذ أتاح هذا المنبر الراقي للأدباء والمثقفين والفنانين العرب رفع صوتهم ضد العنف والإرهاب، لافتة إلى أن الأدباء هم رسل محبة وسلام وتسامح. وأضافت: نحن جئنا لنرفض وجود داعش، وهذا التنظيم الإرهابي لا يمثلنا عرباً ومسلمين، وهذه الكائنات الشوهاء شذّت عن المنظومة الإنسانية والصورة التي أراد الله بها البشر إذ خلقنا سبحانه لنعبده ولنعمر الكون، وهذا التكوين الشيطاني خطر حقيقي على الإسلام ويقدم صورة مشوهة عنه وعن سماحته لمن لا يعرفونه، والإسلام براء منه.
مشاركة :