الحُبّ.. من طـَرَف واحـد

  • 4/21/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قد يكون موضوعنا اليوم.. من أَلـْفِهِ إلى يائِهِ ليس جديدا، لكنه يتجدد مع مطلع كل شمس، وفي كل مكان.. وعَرْضـُهُ ليس من باب التـَّرَف، ولا هو إفلاس عن موضوع جديد فلدينا الكثير منه ولله الحمد، ولا عرض للغراميات، ولا نصائح مكرورة معروفة. وبقدر ما هو معروف وبَدَهي منذ الأزل إلى حد التجاوز والترك العمد والنسيان، فهو بالقدر نفسه جاد وطريف في آن. نفرشه هنا للترويح المفيد، والتغيير النافع، وليكون محطة استراحة وسط موضوعات جادة، قد يراها البعض جافة. ويبقى الحديث فيه وعنه مطلوبا وقائما ولذيذا حتى لو أعيد مرارا وتكرارا. وسيبقى ما خَفَق قلب بشر، وما اشتعل شوق عاشق، وما برقت محاجر غيداء، وافـْتـَرَّ ثغر حسناء، وشدا شاعر أو صوت نهام، وما تأوّه محب، أو ناجى حبيب، وحلم حالم، وباختصار. ما خلق الله من إنسان على وجه ذي الأرض سيبقى يتجدد بريقه في عصرنا البلاستيكي الجاف هذا، الذي أصبح المرء فيه يتساءل ساخرا: وهل هناك ـ أصلا ـ شيء اسمه حب في هذه الأيام؟ ـ فالشعور بالحب عموما.. بين كل الأطراف شعور جميل ولذيذ، وهو لا يقتصر على زمان بعينه، ولا مكان بجغرافيته، فقد ترى شخصا من جزر فيجي (تقع في جنوب المحيط الهادي) مثلا.. يشكو من حب من طرف واحد، لكنه لا يستطيع الإفصاح عنه، وقد ترى امرأة في فنلندا (دولة في اقصى الشمال الأوروبي) تحمل مشاعر نبيلة تجاه شخص تحلم أن يكون حليلها، لكنه لا يعلم عنها شيئا، ولا هي مدت سبل الإخبار إليه لكي يعلم. وغير ذلك من الصور العديدة والكثيرة، بصرف النظر عن المعتقد والعادات والتقاليد، وأظن أن خير مثال على ذلك هو ما ذكره الشاعر الكبير الأعشى ميمون بن قيس (570ـ 629 م تقريبا)، والمولود في منفوحة بالرياض وهو يستعرض في معلقته الشهيرة خمس حالات من (الحب من طرف واحد) في هذه الأبيات: 1-عُـلّـقْـتُـهَـا عَـرَضـاً، 2- وَعُـلِّـقَـتْ رَجُــلاً غَـيـرِي، 3- وَعُـلِّقَ أُخـرَى غَيرَهَا الرَّجُلُ 4- وَعُــلِّـقَـتْهُ فَــتَـاةٌ مَـا يُحَـاوِلُهَــا من أهــلـهــا مَـيّــتٌ يهـذي بِهَا وَهِلُ 5- وَعُـلِّـقَـتْـنِـي أُخَـيْــرَى مَـا تُــلائِـمُــنِـي فَـــاجــتَـمَـعَ الـحُــبّ حُـبّ كُــلُّـهُ تَــبِلُ ويزخر التراث العربي قديمه وجديده بحالات كثيرة جدا وثابتة ودائمة من (الحب من طرف واحد)، وبالطبع فإن مساحة المقال لن تكفي شيئا من ذكر تلك القصائد والأبيات التي دبّجها الشعراء في هذا النوع من الحب. ويحضر الآن البيت الشعبي الشهير للشاعر نورة الحوشان الذي مضى مثلا لتك الصورة، ولكل ما شابهها وهو: اللي يبينا عَيت النفس تبغيه واللي نبيه عيا البخت لا يجيبه.. ولعل أشهر تعليق ساخر وطريف عن ذلك هو ما ذكره النجم الكويتي المعروف عبدالحسين عبدالرضا في مسرحية (على هامان يا فرعون) حينما قال لزميلته سعاد عبد الله: إنه (مُوذي)..أي مؤذٍ ـ من الأذى ـ وإنه أسوأ، وآلم أنواع الحب. فما (أصعب أن تهوى امرأة ـ يا ولدي ـ ليس لها عنوان) كما قال نزار قباني، وما أصعب أن تحب امرأة، لكنها لا تعلم، أو أنها لا تحبك أصلا، أو العكس. تداعى هذا الموضوع الذي ترددت كثيرا في تناوله ـ خشية عدم صلاحه للنشر في الجريدة لِقِدَمه أو لحساسيته ـ حينما سرد لي صديق في مناسبة اجتماعية عن ابن خالته الموظف في إحدى الوزارات الحكومية بالرياض عن عزوفه عن الزواج بسبب وقوعه في (حب من طرف واحد)! إن هذا النوع من المشاعر.. هو أدعى بإعادة التفكير فيمن نعتقد أننا نحبهن.. او أنهن يحببننا. فمن جهة.. لا تتوقف الحياة، في عدم حب الطرف الآخر، كما أن عدم التجاوب ليس نهاية العالم.. فخلـْقُ الله كثير من الجنسين، وإذا لم يصلح هذا.. فقد يصلح ذاك. بيد أن هناك أسبابا كثيرة قد تحول دون تحقيق الحب من الطرفين أولها: أن الله تعالى لم يكتب لهذا الحب سبيلا، ولم تحصل القسمة والنصيب فيه، ومنها انعدام الانسجام، ومنها العادات والتقاليد، ومنها نظرة البعض للحب بأنه (عيب)، ومنها الحب المتبادل نفسه.. فقد يحبك إنسان بكل جوارحه، لكن قلبك لا يميل إليه، ومنها أن ليس كل من أحببته نلت محبته فقد (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) كما يقول المتنبي وربما جاءت في الأخير الفوارق الطبقية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها فيما قد نشفق على أحد الطرفين حين يعزف عن الاقتران بنصفه الآخر.. انتقاما لمشاعره، أو سخطا من المحبوب، أو انتقاما ممن أحبها (وهي في عاشر نومة، وما هي جايبة خَبره)، أو العكس/ قد ترى شخصا يسرح ويمرح بالطول والعرض، وفي الطرف المقابل سيدة أخرى تحترق كل دقيقة من أجله.. وبكلمة.. نقول لكل من وقع في شِـراكه وشبكته وفَخِّه.. أحبب فقط مَن أحَـبَّـك..

مشاركة :