عمان - كثيرة هي الأعمال الأدبية التي تناولت حالات الحبّ المعذّب من طرف واحد، والتي تثير الشفقة أحيانا من هؤلاء المحبين المعذبين، إلا أن رواية الكاتب الشاب إبراهيم جيعان "أنهكتني إهمالاً"، الصادرة مؤخرا عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، تثير التعاطف مع هذا المحب المعذّب هذه المرّة. الرواية التي تتحدث عن قصة حب طالب جامعي من طرف واحد، لفتاة تصر على إهماله، حتى بعد وقوعها في شرك، الإعجاب بكتاباته، دون أن تدري (ضمن مجموعات الصداقة على الشبكة العنكبوتية). ومع ذلك يظل يذوب هيمانا بها، ويتدفق قلمه رسائل حب لا تنتهي. يقول الكاتب إنه يكتب أول روايةٍ له في تاريخ الحب، أول رواية تحكي عن الرجال وقلوبهم النقية الطاهرة؛ وهو يرى أن كلَّ من كتب عن الحب قد ظلم الرجال، وقد لوّث معنى إخلاصهم في الحب، ولربما من بين مجموعةِ الدوافع التي قذفته لعالم الكتابة، هو أن يكتب لأفصل مفاهيم الحب ولينصف الرجال، وليقطع دكتاتورية الإناثِ في هذا الكوكب. ثم يخاطب تلك الفتاة التي عذبت بطل روايته: "أشعر أنكِ قريبة مني إلى الحد الذي يجعلني لا أراكِ جيداً، كأن تكوني في منتصف وجهي بين عيني، كأنكِ تتعمدين إرهاقهنّ؛ بعيدة إلى الحد الذي يجعلني لا أراكِ أبداً، كأن تكوني أميرةً، ترتدي فستاناً أسودَ في ليلةٍ كحلاء قاتمة السواد، تكادُ لا ترى فيها أصابعَ يدك. قد كانت حكايتي معك مُقلَّصة إلى الحد الذي لم أعِ فيه هل كانَ لقاؤنا قصيراً إلى الدرجة التي لم ندرك فيها أنها كانت البداية، فحسبناهُ وداعاً لا لقاءً؟ أم كان لقاؤنا الأول هو نفسه لقاؤنا الأخير؟ في الوقت نفسه قد كانت حكايتي معكِ طويلة إلى الحد الذي شعرت فيه أني شختُ وهرمت، وأنَّ عمري قد ضاع في مُطاردتك لا أكثر، أشعر أني حينَ أهمُّ بالكتابةِ، لن تكفيني الأبجدية، وسيضيعُ زخم المشاعر بينَ ركاكةِ الحُروف وقلّتها، قد لا أجدُ أحياناً ما أعبّر فيه عن حالتي بالثمانية وعشرين حرفاً، وأحياناً أخرى لا تُسعفُني الكلمات في تصوير ما كنتُ أشعر به حقّاً". ويخاطب القارئ، مقدما له الطريقة التي عليه اتباعها عند قراءة الرواية، حتى يحس بها، فيقول: "لأنّ ما في الروايةِ أشياءُ تُحَسّ، تُؤلم، تُبكي ولا تُنسى، يجبُ أن تقرؤوا الروايةَ بالقلوب لا بالعيون، بالمشاعر لا بالكلمات، فبعض السطور قد تتشابه، ولكنّ ما في داخلها من أمل، ألم، فرح، أو حزنٍ كان، يختلف كمّاً ونوعاً". ويضيف: "كلنا نعلمُ جيداً أنَّ الأوجاع تختلف باختلاف الأماكن، فتجدُ ذاكَ يبكي في قصر باريسي وحولهُ آلاف الدولارات، وآخرَ يبكي في كوخٍ تكادُ خشبات جدرانهِ تنهار من شهقةِ بكائه، الأولُ يبكي لسبب، والآخرُ وَجدَ سبباً آخرَ للبكاء. حينَ تختلفُ الأماكنُ تختلفُ كمية الأوجاعِ التي تهطلُ مع الدموع المنهمرة". وهو يعرف مقدما، كم الحزن الذي قد تحدثه الرواية لدى القارئ: يجب أن تقرأ الرواية في الظلام؛ حيثُ تعاني من عدم وضوح الرؤية، ذاك من شأنه أن يجعلكَ تُكررُ السطور وتعيدُ التأملَ في الكلمات، فتشعرُ بكمٍّ مضاعفٍ من الحُزن ونار الجوى، لتكون حينها أقربَ لتتخيّل كمية القهر التي اغتالتني حين كتبت. الرواية التي تقع في (180) صفحة، كتبت بلغة شاعرية تتفجر ألما وحزنا. كتب جيعان يقول: حقّاً أنتِ وطني الذي أُسمِّي كلَّ بعدٍ عنه غُربة، أنتِ رؤيتي وما سواكِ عَمى، أنتِ كلُّ أحلامي وما سواكِ كوابيس، أنتِ إلهامي وما سواكِ ضياع. كيف يقدرُ الشخص أن يكونَ بلا رؤى، بلا وطن، بلا حُلم، أو إلهام. كانت الوداعية في ليلةٍ قمرها ليسَ قمراً، كان يشكو نقصا، كانت عتمة الحزن طاغيةً على ملامحه، ودموع الوداع حابسةً نوره. وختم الكاتب روايته بملخص تحت عنوان: خمس حقائق و"نصف" خارجة عن النص. الحقيقة الأولى: أحياناً، وبتصرفٍ بسيطٍ منكِ، ألعنُ نفسي يومَ ظننتُ سوءاً بطيبتكِ، كأنك تبتسمينَ مَع صديقاتك في لحظةٍ عبرَ وجهُكِ عليّ. الحقيقة الثانية: ذاتَ صدفة - وقبل أن أعترفَ لها بُحبَّي بعد- جَلست على معقدٍ بجانبي، شعرتُ أنها تقترب مني لدرجة تُسمعني هَمس أنفاسها، فرحت، فرحتُ من كلِّ أعماقي، لا أدري إن كان جلوسك متعمداً، أم هي مجرَّد صدفة خدمتني. إنكِ لا تعرفينَ أنّ أقصى أمنياتي في ذاك الحين، لم تتجاوز الجلوسَ بقربك حَتى لو كانَ بدونِ إحساس، أو بافتعال الصدفة، حَتى لو كان رغماً عنكِ ورغماً عَن القدرِ والحظ. أعرف أنك لم تتخيلي يوماً أن أحلامَ عاشقكِ بسيطة لهذهِ السخافة. الحقيقة الثالثة: شعرتُ أنكِ بجلوسكِ السابق إلى جانبي تودَّين إيذائي أكثر، رُبَّما فكرتِ بخبثِ النساءِ وكيدهن. إنكِ تدركينَ جليّاً أن الحرمانِ من تكرار تذوّق لذةٍ أذهلك طعمها في المرةِ الأولى، أصعبُ من الحرمانِ من تذوقِ لذةِ تتمناها وما زلت لا تعرف طعمها، لحدّ الآن أشعرُ أنكِ قصدتِ فعلَ ذلك لزرعِ مزيد من الأحلامِ والآمال التي تتعلقُ بكِ في داخلي، إنكِ تنوينَ أن تتركينني لأكملَ عُمري رهينَ حُلمٍ بأن تتكرر هذهِ الجلسة مرةً أخرى. الحقيقة الرابعة: إنَّ ما مرَّ في السنواتِ الأخيرة من عذابٍ وَوجعٍ وخذلان كانَ ليليّ الموعد، لقد كان يُصاحبني كل ليلةٍ حتى الصباح ثم يرحل، يرحل لحينٍ تخذلينني فيه برسالة، أو بنظرة عبوس تشطر قلبي. الحقيقة الخامسة: حينَ كنت أكتب، ما كان بيدي من حيلة، ولا في وَسعي أن أفعلَ شيئاً، سوى أن أجاملَ كرامتي بقليلٍ من الأسطر في هذهِ الرواية. أظنّ أن كلَّ ما قلت مدَّعياً قدرتي على عصيان قلبي، قد كان كَذباً وَمجردَ حبرٍ على ورق، إنَّ ما في قلبي يتقطعُ إرباً إرباً شوقاً إليها، وإنَّ حديثها أشبهُ بقصر من ذهب يُهدى لفقير. وإبراهيم الجيعان من مواليد مدينة نابلس، أنهى دراسته الجامعية فيها، ثم انتقل للعمل في دبي في دولة الإمارات العربية، وتعتبر وراية "أنهكتني إهمالاً" عمله الروائي الأول.
مشاركة :