بعد نحو 5 سنوات أمضاها سفيراً لبلاده في الكويت، قال السفير الأوكراني أولكسندر بالانوتسا، في نهاية مهمته، إن «الكويت أصبحت قريبة من قلبي، وسأفتقد الصداقات الحقيقية التي كونتها هنا والتقاليد الكويتية العريقة». وأعرب بالانوتسا، في حوار مع «الجريدة»، عشية مغادرته الكويت لتسلم منصبه الجديد نائباً لوزير الدفاع الأوكراني لشؤون التكامل الأوروبي، عن خالص شكره وتقديره للكويت على دعمها المستمر، وعلى المساعدة الإنسانية الثمينة التي قُدمت لأوكرانيا، معتبرا أنه «مع مثل هذا الدعم الذي يتناغم مع وقوف عدد كبير من السفارات الأجنبية في الكويت من جميع القارات إلى جانب أوكرانيا، لا بد أن ينتصر النور على الظلام»، وفيما يلي نص الحوار. • حدثنا عن تجربتك ورحلتك في الكويت. - بدأت مهمتي بصفتي سفير أوكرانيا لدى الكويت في 2019، وأنا متحمس لتعزيز العلاقات الثنائية بين أوكرانيا والكويت في شتى المجالات، ومستعد لتنفيذ المبادرات المتعددة في هذا الصدد، وركزت خلال السنوات الخمس الماضية على تطوير التعاون البناء بين بلدينا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية، إضافة إلى التعامل مع الأوكرانيين المقيمين في الكويت ودعمهم، وقد أثمر هذا التعاون تقدماً ملموساً في توسيع علاقات الصداقة الأوكرانية - الكويتية. لكن في البداية، لم أكن مدركا للتحديات المهنية التي تنتظرني، أولا أعادت جائحة كورونا تشكيل نهجنا الدبلوماسي وجعلته افتراضيا، ثم في 24 فبراير 2022 شنت روسيا هجوما واسع النطاق ضد أوكرانيا، ما قلب أولويات عملنا وحياتنا كلها، وعلى الرغم من هذه الظروف القاسية تمكنا على مدى فترة عملي التي امتدت خمس سنوات، والتي شهدت جائحة عالمية واضطرابات جيوسياسية كبيرة، من تحقيق العديد من الإنجازات لتعزيز العلاقات بين أوكرانيا والكويت. ففي زمن «كورونا»، نظمنا نحو 10 مؤتمرات عبر الإنترنت واجتماعات B2B، لربط الشركات ورجال الأعمال الأوكرانيين والكويتيين. وفي 2020، أطلقنا مشروعين أدبيين: كتاب تذكاري باللغة العربية عن فترة عمل المدرب الأوكراني الشهير فاليري لوبانوفسكي في الكويت، ومجموعة من القصص القصيرة الكويتية المترجمة إلى اللغة الأوكرانية، وتم تقديم هذين المشروعين إلى الكويت عام 2023، كإهداء من أوكرانيا لمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا. وكانت زيارة وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا للكويت في 18 أبريل 2023 لإجراء محادثات مع نظيره وزير الخارجية حينها، الشيخ سالم العبدالله، قمة الفعاليات بهذه المناسبة المهمة. كل التقدير للكويت على دعمها المستمر لبلادي ومساعدتها الإنسانية الثمينة وفي عامي 2020 و2022، استضفنا «أسبوعي أوكرانيا في الكويت»، والتي تضمنت أكثر من 20 فعالية اقتصادية وثقافية وموسيقية ورياضية وفنية على مدار 14 يوما، وجذبت مئات الزوار، وقمنا أيضا بتوسيع التعاون الأكاديمي من خلال تنظيم سلسلة من اللقاءات عبر الإنترنت بين المدارس الثانوية في أوكرانيا والكويت والمعارض التعليمية والجسور التلفزيونية، ما ساهم في تعزيز الروابط بين المؤسسات التعليمية في بلدينا. كما قمنا بتنظيم عشرات الاحتفالات بمشاركة الجالية الأوكرانية في الكويت لمناسبة الأعياد الوطنية، مثل يوم الاستقلال ويوم الوحدة ويوم الدستور ويوم الكرامة والحرية، وفي أبريل من السنة الجارية، أطلقنا معرضا افتراضيا بعنوان «أوكرانيا تصدّر 2024» على منصة atexpo.online، والذي شهد مشاركة أكثر من 120 شركة أوكرانية، وسيواصل المعرض عمله حتى 9 يونيو 2024، ونرحب بجميع المهتمين بالمشاركة. كل هذه الأنشطة التي نفذتها سفارتنا كان لها دور، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تعزيز التجارة الثنائية، حيث ارتفعت من 42.49 مليون دولار في 2019 إلى 118.77 مليونا في 2023، ما يدل على آفاق المزيد من التطوير في العلاقات الأوكرانية الكويتية. • كيف تقيّم تعامل السلطات الكويتية مع سفارتكم؟ - تتمتع سفارتنا بعلاقات تعاون مثمر وبناء مع السلطات الكويتية عموما، ومع وزارة الخارجية خصوصا، وأود أن أغتنم المناسبة لكي أعرب عن خالص الشكر والتقدير لدولة الكويت على المساعدة الإنسانية الثمينة التي قُدمت لأوكرانيا، ودعمنا المستمر على مستوى المنظمات الدولية في أصعب الأوقات التي شهدنا فيها اندلاع حرب إرهابية ضدنا. إضافة إلى ذلك، يقدم أصدقاء أوكرانيا الكويتيون مساعدة قيمة على مدار الساعة، ونحن ممتنون جدا للسفارات الأجنبية في الكويت من جميع القارات التي تقف إلى جانب أوكرانيا وتدعمنا بكل وسيلة ممكنة. مع مثل هذا الدعم القوي، لا بد أن ينتصر النور على الظلام، ونشكر كل من يقف على الجانب الصحيح والعادل من التاريخ. • ما أكثر الأمور أو الأشياء التي ستفتقدها في الكويت؟ - لقد أصبحت الكويت قريبة من قلبي، وسأفتقد الصداقات الحقيقية التي كوّنتها هنا والتقاليد الكويتية العريقة، مثل الديوانية، والأجواء الودية التي تميز هذا البلد الجميل، ورغم المسافة الشاسعة التي تفصل بين أوكرانيا والكويت، فإن هناك نقاط تلاقٍ عدة في تاريخ وثقافة بلدينا. في الماضي، خاضت الكويت تجربة الحرب الدفاعية ضد العدوان الخارجي، وهي التجربة التي تعيشها أوكرانيا حالياً. إضافة إلى ذلك، يعتبر حسن الضيافة وحب الخير والرغبة في العيش بسلام من أبرز سمات الشعب الكويتي، وهي سمات تتجذر أيضا في الشعب الأوكراني. إن هذه النقاط المشتركة وغيرها في تاريخ بلدينا تدل على قرابة القيم الإنسانية التي نتشاركها، وهذا ما يجعلني أفتقد الكثير من اللحظات التي عشتها في الكويت. • كلمة أخيرة؟ - يشرفني أن أشارككم خبر تعييني في المنصب الجديد، نائب وزير الدفاع الأوكراني لشؤون التكامل الأوروبي، وهذا المنصب يحمل مسؤوليات جسيمة في وقت الحرب، ويتطلب التفاني والإخلاص لخدمة بلدي، وقبل أن أبدأ هذا الفصل المهم في حياتي المهنية أود أن أعرب عن خالص شكري وتقديري لدولة الكويت على الدعم الفعال الذي تلقيته هنا، وأتمنى للشعب الكويتي الصديق دوام التقدم والازدهار والصحة والعافية.
مشاركة :