في حوار مع سلمى لخماس، رئيسة قسم المونتاج السينمائي والتلفزيوني في المغرب، توضح لنا أهمية مرحلة المونتاج في عالم السينما، تلك الخطوة المهمة في إنتاج الأفلام، والتي بفضلها يُخرج لنا فيلم متماسك بخيوط مترابطة ومشاهد جذابة للجمهور وبزمن فيلمي متوازن أو بسببها يخسر الفيلم رونقه وقدرته على شد الانتباه. الرباط - يُعد المونتاج أو ما يعرف أيضا بالتوليف من أهم العناصر الأساسية في صناعة السينما والتلفزيون، إذ يساهم في تشكيل الرؤية الفنية للمخرج والسيناريست من خلال ترتيب اللقطات والمشاهد بطريقة تسرد القصة بشكل مرتب و دقيق. كما يتيح المونتاج إضافة المؤثرات الصوتية والبصرية التي تعزز تجربة المشاهد وتجعلها أكثر تفاعلية وإثارة، حيث يتم من خلال عملية التوليف تحديد الإيقاع والزمن الذي تظهر فيه اللقطات، ما يؤثر بشكل كبير على كيفية تلقي الجمهور للقصة والمشاعر التي ينقلها العمل الفني، كما يمكن من خلال المونتاج تحسين المشاهد التي تحتاج إلى عناية تقنية وإضافة لمسات فنية تجعل من العمل النهائي أكثر احترافية. ويتميز المونتير/ المولف بقدرته الفائقة على التركيز على التفاصيل الدقيقة التي قد تُحدث فارقًا كبيرًا في النتيجة النهائية للفيلم، ولكن عندما يتحول المونتير إلى مخرج ينقل معه هذه المهارات الثمينة إلى مستوى أعلى، إذ إن دمج دقة المونتاج مع براعة الإخراج يتيح لهذا الشخص إنتاج أعمال فنية متكاملة تعكس قصصًا قوية ومؤثرة، وبهذا الشكل يتمكن المونتير/ المخرج من الجمع بين التركيز على التفاصيل والرؤية الإبداعية لتحقيق توازن مثالي يظهر في أعماله المتنوعة. وفي هذا السياق أجرت صحيفة “العرب” لقاءً مع المخرجة ورئيسة قسم المونتاج السينمائي والتلفزيوني في المغرب سلمى لخماس، حول مسارها الفني والتقني ووضعية مهنة المونتاج في المغرب. حول توفيقها بين الجوانب الفنية والتقنية في مونتاج الأفلام وحجم المساحة التي يستطيع أن يبدع فيها المونتير في المغرب، تقول رئيسة قسم المونتاج السينمائي والتلفزيوني “هذا سؤال مثير للاهتمام لأنني مزيج بين الجانب التقني والفني ولأنني تدربت في مجال الفيلم الوثائقي في مدرسة ‘لافيميس’ ثم التحقت بالجامعة حيث تعلمت نظرية السينما، والتحليل السينمائي، وهذا ساعدني كثيرا". سلمى لخماس: أنا محكومة بالحديث عن قناعاتي العميقة في مجال المساواة وحقوق الإنسان وإبراز النساء المغربيات الرائعات سلمى لخماس: أنا محكومة بالحديث عن قناعاتي العميقة في مجال المساواة وحقوق الإنسان وإبراز النساء المغربيات الرائعات وتضيف أن “الجميل في هذا المجال هو أن الفن يتداخل بشكل كبير مع التقنية، فمن المهم معرفة المهنة لإتقان استخدام المعدات، ولكن من الضروري أيضًا فهم الجماليات وتحليل المشاهد للحصول على رؤية واضحة وفهم سبب اتخاذ قرارات معينة في المونتاج، كما من المهم أن تكون العلاقة بين المخرج والمونتير مليئة بالتقدير يسودها الاحترام والاستماع المتبادل، بحيث يتم توجيه المخرج بواسطة نصائح المونتير ويكون هناك نقاش بناء يؤدي إلى نتيجة جيدة، لأن الفيلم هو نتاج تعاون بين العديد من الأفراد من أقسام مختلفة، والمونتير لديه مساحة أكبر للإبداع مقارنة بأعضاء الفريق الآخرين". وتحكي سلمى لخماس عن تجربتهاِ المميزة في مونتاج فيلم “بلاد العجائب”، فتقول “لقد استمتعت كثيرًا بالعمل على هذا الفيلم لخفة طريقة السرد وروح الدعابة في الموضوع رغم عمق القضية المطروحة، تم استدعائي قبل بدء التصوير وخلال إعادة كتابة السيناريو، ما جعل التجربة مميزة وغنية. كان الفيلم ناجحًا جدًا في دور العرض، وأنا سعيدة بذلك لأنه كان نتيجة تعاون جيد بين مرحلة ما بعد الإنتاج وإدارة الفيلم. لكن للأسف، ليس كل صناع الأفلام يدركون أهمية استشارة فريق ما بعد الإنتاج في مرحلة الكتابة، وهذا قد يكون مفيدًا للغاية من الناحية الفنية والمالية". وفي حديثها عن التعاون بينها وبين المخرج حسن بنجلون في المشاريع التي عملتِ عليها معه والدروس التي تعلمتِها منه، تقول المونتيرة المغربية “حسن بنجلون هو صديقي وأبي الفني ومرشدي، لقد شجعني كثيرا وهو من دفعني إلى تجربة الإخراج. خلال مونتاج الأفلام التي عملت معه فيها كنا نتعاون بالكثير من الاحترام والإنصات المتبادل، كنت أفهم رؤيته الفنية وكان هو يستمع جيدا لإسهاماتي في الفيلم، فلم يكن يستغرق منا وقتا طويلا للمونتاج لأننا كنا نفهم بعضنا البعض جيدا وهذا التفاهم كان يؤدي إلى المزيد من الإبداع. المخرج حسن بنجلون تصويره يتم في جو هادئ تسوده الجدية والانضباط، إذ تعلمت معه أن جودة العلاقات الإنسانية في العمل تؤتي أكلها في العمل والتحضيرات المكثفة للتصوير لها أهمية كبيرة في المراحل التالية للفيلم”. أما عن تجربتها في كتابة ومونتاج وإخراج الفيلم القصير “خيانة” الذي حصل على جائزة النقد في مهرجان الفيلم بطنجة، فتقول “كانت تجربتي الحقيقية الأولى كمخرجة حيث أدرت فريقًا مع سيناريو كتبته ومع دعم الإنتاج. كان لدينا طاقم تمثيل مميز من العديد من الممثلين المحترفين، إذ اعتبرت هذا الفيلم كتدريب على الإخراج وكنت أتعامل مع عدة أفراد لأجل تحقيق رؤية مشتركة. فمن المهم جدًا أن تكون لدى المخرج القدرة على الاستماع لفريقه. بالتأكيد تجربتي كمونتيرة كانت مفيدة جدًا في إخراج هذا الفيلم القصير لكونها ساعدتني على إيجاد حلول لبعض التحديات، من خلال تجربتي في بعض المشاهد كنت خلال التصوير أضع المشاهد جنبا إلى جنب في مخيلتي، كأنني أمام حاسوب التوليف". ◙ الجميل في مجال المونتاج هو أن الفن يتداخل بشكل كبير مع التقنية، فمن المهم معرفة المهنة لإتقان استخدام المعدات وتضيف "المونتير جزء من الحقل السينمائي المغربي الذي يعاني من صعوبات كبيرة خاصة من الناحية المالية، فأغلب الأفلام المغربية تعاني من نقص التمويل وعندما نصل إلى مرحلة ما بعد الإنتاج تكون الميزانيات قد نفدت تقريبًا، فيتأثر المونتير بشكل كبير بهذه المشاكل المالية حيث يتم تفضيل الأسعار المنخفضة على حساب الجودة. ويجب أن ندرك أن فنيي المونتاج وغيرهم من الفنيين يعملون كمستقلين ولا يحصلون على أجر عندما لا يعملون، وأود أن يأخذ المنتجون والمركز السينمائي هذه المرحلة بجدية أكبر من الناحية المالية لأنها ليست أكثر كلفة من التصوير ولكنها بنفس الأهمية". وتقوم المخرجة ورئيسة قسم المونتاج سلمى لخماس باللمسات الأخيرة لفيلمها الوثائقي الجديد، حيث أوضحت لـ”العرب” أن “فيلمي الأخير هو وثائقي بعنوان ‘أمازون’ كتبته وأخرجته بالتعاون مع رشيدة السعدي وأنتجه مع أمين بنجلون كتجربة رائعة، لأن الفريق تأثر تأثرا شديدا بالقصة التي نسردها فهي تدور حول امرأة عانت من العنف طوال حياتها ولكنها تمكنت من التغلب على الصعوبات والمضي قدمًا نحو مستقبل أفضل، ونحن حاليًا في مرحلة ما بعد الإنتاج وسيصدر الوثائقي في أواخر عام 2024”. وتضيف “كما أنني حاليًا في مرحلة كتابة فيلمي الطويل القادم، وأعتقد أنني محكومة بالحديث عن قناعاتي العميقة في مجال المساواة وحقوق الإنسان وإبراز النساء المغربيات الرائعات من خلال رؤية نسوية كوني متفائلة جدًا بمستقبل السينما المغربية لأن الجيل الجديد مليء بالموهبة والموارد، وأعتقد أن بلدنا يجب أن يستثمر أكثر في هذا المجال لأنه يمتلك الإمكانيات للتألق على الصعيد الدولي. وأود أن أُنتج أعمالاً سينمائية تحمل في طياتها مضمونًا وقضية، ولكنها موجهة في الوقت ذاته إلى المشاهدين المغاربة دافعي الضرائب، فلا أريد أن أُنتج أفلامًا لنفسي بل للجمهور؛ حتى لا أدّعي أنني أوجه رسالة من الأعلى، بل أهدف إلى الصدق في الفن مع احترام ذكاء الجمهور". وتختم سلمى لخماس حوارها لــ”العرب” بالعودة إلى بداية مسيرتها التقنية والفنية منوهة إلى أن “السينما بشكل عام والمونتاج بشكل خاص كانا شغفًا مشتركًا بيني وبين والدي منذ صغري، إذ بدأت في ممارسة المونتاج عندما كنت في الثانية عشرة من عمري باستخدام وسائل بدائية، لكن بشعور كبير من الرضا والكثير من المتعة، وعندما حصلت على تدريب تقني ونلت دبلوما تقنيا، بدأت العمل في هذا المجال منذ عام 2002 كمونتيرة في العديد من المشاريع، إذ قمت بمونتاج أول فيلم تلفزيوني مع المخرج مجيد رشيش، وكانت أول تجربتين لي هي توليف الفيلم السينمائي ‘الدار الكبيرة’ للطيف لحلو، وعملت بعد ذلك في مسلسلات وأفلام طويلة وأفلام تلفزيونية وأفلام قصيرة، كمونتيرة وبعدها كمديرة مرحلة ما بعد الإنتاج، وأنا محظوظة بهذا العمل”.
مشاركة :