بعد أسبوع حافل بالتصعيد بين إسرائيل و«حزب الله» عبر الحدود الجنوبية للبنان، تخللته زيارة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين وُصفت بأنها محاولة دبلوماسية أخيرة قبل حرب إسرائيلية على لبنان، كشف مصدر دبلوماسي غربي في القدس لـ «الجريدة»، أن الخطط التي أقرّها الجيش الإسرائيلي بخصوص لبنان، تتضمن خططاً عملية لاجتياح واسع للجنوب اللبناني واحتلال أجزاء واسعة منه؛ للعمل على إنهاء قدرات «حزب الله» القتالية. وقال المصدر إن الجيش الإسرائيلي أنهى أخيراً مناورات واسعة في مناطق مختلفة من إسرائيل، خصوصاً منطقة قريبة من الخضيرة، تشمل تدريبات على احتلال قرى ومدن بعد تدميرها منهجياً جواً وبراً باستخدام أسلحة ذات قوة تدميرية «لم نرها من قبل». وأشار إلى أن تل أبيب دعت بعض القادة العسكريين الغربيين للقاءات مكثفة أخيراً، وطرحت أمامهم سيناريوهات عدة للتعامل مع تحدي الحزب، بعد أن قدمت لهم معلومات حول قدراته المتطورة التي حصل عليها من إيران، والتي ليست بحوزة أغلب الجيوش النظامية في المنطقة، مشددة على أن هناك ضرورة وحاجة «لكسر شوكة هذه الذراع الإيرانية بأي طريقة». وتشير التقديرات الإسرائيلية الداخلية إلى أنه في حال نشوب حرب شاملة مع «حزب الله»، فإن الأخير قادر على إلحاق ضرر كبير بالبنى التحتية، وإسقاط عدد كبير من الضحايا، وتدمير منشآت وأحياء، لكن الأمر لن يرتقي إلى تهديد كياني، وأن تل أبيب تستطيع التعامل مع الحزب بقوة وسرعة واستخدام «أسلحة غير اعتيادية» على حد، قول الدبلوماسي، الذي تحدث عن حصول إسرائيل على أسلحة تدميرية من الولايات المتحدة، كما قامت هي نفسها بتطوير أسلحة فتاكة، ولديها قنابل تكتيكية تستطيع محو مربعات كاملة من نصف كيلومتر إلى ثلاثة كيلومترات مربعة. ويتوعد قادة إسرائيل بحرق بيروت وكل لبنان، ويبدو أن الجيش الإسرائيلي أطلع الحكومة الأمنية على خطط الهجوم التي تتضمن تدمير كل شيء، وحرق الجنوب اللبناني فعلياً وليس شن ضربات جوية متفرقة فقط. وقد تلقى «حزب الله» رسائل عبر أطراف دولية تفيد بأنه لن يكون هناك مكان آمن في بيروت ولا أي مدينة لبنانية أو منطقة، سواء كانت شيعية أو مسيحية أو درزية، وأن الحزب لن يستطيع إرسال سكان الجنوب الشيعة إلى أي مكان آخر في لبنان. إلى ذلك، تفيد عدة مصادر مختلفة بأنه في حال قررت إسرائيل شن حرب على لبنان فستبدأها بتصفية الصف الأول في الحزب بدءاً من أمينه العام حسن نصرالله ونائبه نعيم قاسم وآخرين، ثم استهداف القادة السياسيين وأعضاء برلمان، وكل ذلك خلال الاجتياح الواسع. وجاءت المعلومات عن نية إسرائيل تصفية نصرالله، في حين كشف مصدر في «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني لـ «الجريدة»، أن أجهزة أمن مرتبطة به أجرت تحقيقات لكشف شبكات التجسس التي تُسرِّب معلومات عن أماكن وجود قادة الحزب الذين تغتالهم إسرائيل يومياً بشكل دقيق. وقال المصدر إنه بعد أن كانت أصابع الاتهام الأولية موجهة لأنصار مجموعات سياسية لبنانية معارضة لـ «حزب الله»، أظهرت التحقيقات أن أجهزة الهواتف النقالة الذكية وبعض التطبيقات والبرامج، خصوصاً «واتس آب»، هم الجواسيس الأساسيون في لبنان وغزة وسورية والعراق. وأوضح المصدر أن التحقيقات الإيرانية خلصت إلى أن جميع الذين اغتالتهم إسرائيل كانوا يستخدمون «واتس آب» للاتصال بأقاربهم، وتم تعيين مكان وجودهم الدقيق من هذا البرنامج، وتسليمه للأجهزة الأمنية الإسرائيلية كي تستطيع استهدافهم. وكشف أن التحقيقات أظهرت أن بعض الذين التقوا نصرالله أخيراً كانوا يحملون معهم هواتف ذكية وفيها تطبيقات بينها «واتس آب»، وهو ما مكّن الإسرائيليين من تحديد عدة مخابئ كانت تعتبر آمنة لنصرالله، وبالتالي طُلِب من الأخير التوقف عن استخدام تلك الأماكن وتأمين أخرى جديدة. وأكد أن معلومات أمنية توفرت لإيران تفيد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصدر أوامر للكشف عن مكان نصرالله واغتياله في حال وُجدت فرصة لذلك، مضيفاً أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تستطع أن تجده أو أنه نجا من محاولات رصده بفواصل تصل إلى دقائق فقط. وأضاف أن عدداً من كبار الضباط الأمنيين من «فيلق القدس» التقوا نصرالله الأسبوع الماضي، وعرضوا عليه انتقاله مع عائلته إلى إيران، لكنه رفض هذا الاقتراح، وأصر على ضرورة بقائه في لبنان ليستطيع ضبط الوضع. في سياق متصل، كشفت مصادر متابعة في بيروت لـ «الجريدة»، أن التهديدات التي وجهها نصرالله في خطابه، أمس الأول، إلى قبرص العضوة في الاتحاد الأوروبي، تصيب بشظاياها أوروبا وأميركا، اللتين تعتمدان على قواعد عسكرية وقواعد تجسس في قبرص تشارك في إعطاء معلومات للإسرائيليين، خصوصاً ما يتعلق بالتنصت أو الاتصالات. وكان نصرالله قال إن تحذيراته لقبرص سببها إجراء الإسرائيليين مناورات عسكرية عديدة في الجزيرة المتوسطية، كما أنه في حال استهدف «حزب الله» المطارات الإسرائيلية فهناك شك في أن الإسرائيليين سيستخدمون المطارات القبرصية لشن ضرباتهم في لبنان. وفي تفاصيل الخبر: رفع الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، سقف التحدي والتصعيد، بعد خطابه أمس الأول المختلف عن كل خطاباته السابقة منذ 7 أكتوبر 2023. في هذه المرة تحدّث نصرالله بسقف مرتفع جداً، مؤكداً حصول الحزب على أسلحة جديدة، وقدرة الحزب على تحقيق إصابات مباشرة في مختلف المناطق الإسرائيلية وفي العمق. ووصلت تهديدات نصرالله إلى قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي. وقال نصرالله إن سبب تحذيره أن الإسرائيليين أجروا مناورات عسكرية عديدة في قبرص، كما أنه في حال استهدف حزب الله المطارات الإسرائيلية، فهناك شك في أن الإسرائيليين سيستخدمون المطارات القبرصية لشنّ ضرباتهم في لبنان. لكن مصادر متابعة تشير إلى أن تهديدات نصرالله تتجاوز قبرص لتطول بشظاياها أوروبا وأميركا اللتين تعتمدان على قواعد عسكرية وقواعد تجسّس في قبرص تشارك في إعطاء معلومات للإسرائيليين، خصوصاً فيما يتعلق بالتنصت أو بالاتصالات. ورغم ذلك، تؤكد المصادر القريبة من الحزب أن خطاب نصرالله يهدف الى منع الحرب، وتشير الى أن حزب الله لم يطلق تهديدات باتجاه الإسرائيليين طوال الفترة السابقة، بينما الإسرائيليون هم الذين كثفوا تهديداتهم، أما فيديو الهدهد، وتهديدات نصرالله أمس، بما في ذلك التحذيرات لقبرص هي رسالة واحدة موجهة الى الإسرائيليين بوضوح أنه في حال أقدموا على التصعيد، فإن الحزب لديه الأهداف الكاملة من البحر والبر والجو. وتقول هذه المصادر إن هذه الرسالة ستكون قادرة على ردع الإسرائيليين، مضيفة أن الحزب كان قد وجّه ضربة كبرى باتجاه الجولان بعد اغتيال القيادي في صفوفه أبوطالب، وهذا ما دفع الإسرائيليين الى مطالبة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين بالتحرك لمنع التصعيد. وترى المصادر أنه لو أن الإسرائيليين يريدون الحرب لما طلبوا من الأخير التحرك. ووفق المصادر، يعلم حزب الله حجم الدمار الذي قد يحدثه الإسرائيليون في لبنان، ولكن الأهم أن الإسرائيليين يعلمون قدرة الحزب على إلحاق خسائر وتدمير كبير في البنى التحتية الإسرائيلية، وهذه فهمها الإسرائيليون والتقطوها، وهم يمارسون ضغوطاً كبرى على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لعدم الذهاب الى حرب شاملة. وتختصر المصادر القريبة من الحزب ما فعله نصرالله بأنه «خطاب الحرب لمنع الحرب»، معتبرة أن التصعيد هدفه تحفيز الجميع على وقف إطلاق النار في غزة. وترى المصادر أنه لن يكون أحد في وارد تصعيد المواجهات إلى حرب، طالما أن هناك اتفاقا معروفة بنوده في لبنان، وهو الاتفاق الذي يعمل عليه هوكشتاين، وهناك موافقة على تطبيقه فور وقف إطلاق النار في غزة. وأمام هذه المعادلة، فإن جهات خارجية تشير إلى أن لديها تخوفاً جدياً من حصول سوء تقدير لدى الطرفين، وأن يستمر التصعيد والتهديد لحصول انفجار غير محسوب، أما الخوف الآخر فهو من كيف سيتعاطى الإسرائيليون مع الوقائع والتطورات، خصوصاً في ظل الأزمة السياسية الداخلية وارتفاع لهجة القوى التي تطالب بشنّ الحرب، فيما نتنياهو وبعض المسؤولين في حكومته يتصرفون وفق قاعدة «عليّ وعلى أعدائي»، وهذه يمكن أن تؤدي الى التهور. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن هدف تحركات حزب الله في الأيام الاخيرة هو منع التصعيد، وبالتالي يتم التعاطي معه دولياً وفق صيغة رفع مستوى الردع لا التحضير لشنّ حرب. وفي السياق، تشير المعلومات الى أن الأميركيين يتعاطون بجدية كبرى مع تهديدات نصرالله لناحية القدرات العسكرية للحزب التي تشكّل مخاطر كبيرة على إسرائيل، وأنهم حذروا الإسرائيليين من مخاطر الحرب على الداخل الإسرائيلي. كذلك هناك من يرى أن أي ضربة لحزب الله سيكون رد الحزب استراتيجياً لجهة قدرته على التأثير على العمق الإسرائيلي على المدى البعيد، بمعنى قدرته على استهداف مواقع إسرائيلية تؤدي الى ضربة كبرى لقوة الردع الإسرائيلية، ولذلك هناك قناعة في أوساط الحزب وحلفائه بأن الأميركيين سيمارسون أقصى أنواع الضغط لمنع إسرائيل من التصعيد. انتقادات لاستهداف «ملاذ اللبنانيين في المحن» أثارت تهديدات الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، لقبرص في خطابه، أمس الأول، انتقادات من قوى وشخصيات سياسية، في وقت جدد البلدان تأكيد عمق العلاقة التي تجمعهما. وفيما نشرت صحيفة الأخبار الموالية لحزب الله خريطة تُظهر مدينة بافوس القبرصية، التي تبعد نحو 330 كيلومتراً عن لبنان، مع عبارة «بافوس أقرب من إيلات»، قال النائب إلياس حنكش عن حزب الكتائب اللبنانية إن «قبرص كانت الملجأ واستقبلت كل اللبنانيين، لكن نصرالله مصرّ على ألا يترك لنا صاحبًا، والتهديد لأوروبا يضع لبنان في عزلة تامة». كما انتقدت كتلة تحالف التغيير، في بيان، «استمرار حزب الله وأمينه العام في ضرب سيادة الدولة اللبنانية ومؤسساتها، من خلال احتكار قرار الحرب والسلم وتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، ومؤخراً الاستمرار بتخريب علاقات لبنان بالدول الصديقة من الخليج العربي، وبالأمس تهديد قبرص، الدولة العضو بالاتحاد الأوروبي التي كانت ملاذاً للبنانيين منذ بداية الحرب الأهلية التي كان الحزب أحد أطرافها، ووصل التهديد إلى حد التلويح بشنّ حرب عليها، مما يهدد العلاقات اللبنانية - القبرصية بشكل جوهري، وبالتالي علاقات لبنان بالاتحاد الأوروبي». وأشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، وليد جنبلاط، إلى أن «قبرص كانت ملجأ للبنانيين على مدى عقود أيام المحن». في غضون ذلك، أجرى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، عبدالله بوحبيب، اتصالا بوزير الخارجية القبرصي، كونستانتينوس كومبوس، وأعرب له عن» تعويل لبنان الدائم على الدور الإيجابي الذي تؤديه قبرص في دعم الاستقرار بالمنطقة». من جهته، أكد الوزير القبرصي «مضمون البيان الصادر عن رئيس بلاده نيكوس خريستودوليديس يوم الأربعاء من أن قبرص تأمل أن تكون جزءاً من الحل لا جزءا من المشكلة». وشدد على أن «قبرص ليست بوارد التورط بأي شكل من الأشكال في الحرب الدائرة بالمنطقة». كما أوضح أن «قرار إقفال السفارة القبرصية أبوابها ليوم واحد كان محدداً مسبقا لأسباب إدارية تتعلق بنظام التأشيرات، وستعاود العمل كالمعتاد بدءا من غد». وأكد الوزيران «عمق علاقات الصداقة التي تربط البلدين وأهمية تعزيز التعاون الثنائي بينهما لما فيه مصلحة الشعبين». وكانت السفارة القبرصية أعلنت مساء أمس الأول أن القنصلية لن تستقبل أي طلبات تأشيرة أو تصديقات، مما أثار بلبلة.
مشاركة :