المملكة والحج.. قصة نجاح عمرها 100 عام

  • 6/22/2024
  • 23:54
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يمثِّل نجاح موسم حجِّ هذا العام، امتدادًا لقصَّة النجاح السعودية في تنظيم الحجِّ منذ عام 1924م، على أيدى الملك عبدالعزيز -طيَّب اللهُ ثراهُ-.بدأت قصَّة أوَّل حجٍّ بعد أسابيع من دخول الملك المؤسس مكَّة المكرَّمة (جمادى الأولى 1343هـ - ديسمبر 1924م).وبلغ عدد الحجَّاج ذلك العام 78593 حاجًّا، منهم 3593 حاجًّا من الخارج، و75000 حاجٍّ من الداخل، وتناقل العالم أنباء موسم الحجِّ ذلك العام، وتفاجأ المسلمون في أصقاع الدنيا بنجاح موسم الحجِّ، وعدم حصول ما يعكِّر صفو الحجَّاج.وأصدر الملك عبدالعزيز نداءً عامًّا إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أعلن فيه ترحيبه بحجَّاج بيت الله الحرام من الأقطار كافَّة، مؤكِّدًا تكفُّله براحتهم، وتوفير الأمن لهم، وحفظ حقوقهم، وتسهيل وصولهم إلى مكَّة من موانئ رابغ، والقنفذة، والليث.وجاء ذلك بعد أنْ أدرك الملك عبدالعزيز حجم التحدِّيات التي كان يواجهها الحجَّاج في السابق، والتى تتمثَّل في «الفوضى في الإدارة، وانعدام سلطة القانون، ونهب الحجَّاج»، إضافة إلى عدم توفُّر الخدمات الكافية، سواء أكانت صحيَّة، أم بلديَّة، أم غذائيَّة، أم خدمات النقل والمواصلات؛ حتَّى الخدمات الإداريَّة.ومن هنا، كانت رؤية الملك عبدالعزيز ترتكز على سرعة توفير الخدمات كافَّة للحجَّاج. وقبل ذلك، فرض الأمن، وإرساء قواعد العدل على أسس مستمدة من الشريعة الإسلامية.استشعر الملك المؤسِّس تلك المسؤولية العظيمة، رغم قلَّة الإمكانات والموارد، وعدم استقرار الأوضاع؛ بسبب ظروف الحرب، وحصار جدَّة، ومقاطعة بعض الدول لموسم الحجِّ.ونجح الملك عبدالعزيز في تنظيم أوَّل موسم للحجِّ تحت حكمه، وذلك لم يكن ليتأتي لولا توفيق الله، ثمَّ الرؤية الواضحة، والخطط المحكمة في تحقيق الأمن، وإقامة العدل، وتحسين الخدمات. أبرز خطوات التَّصحيحومع إعلانه للعالم عن استتباب الأمن في الحجاز بعد أسابيع من دخوله مكَّة، كان الملك المؤسِّس قد بدأ في اتِّخاذ خطوات سريعة لضبط الأمن، فأعلن أنَّه سوف يُنزل أشدَّ العقاب على كلِّ مَن تُسوِّل له نفسُهُ العبثَ بالأمن، وركَّز على أمن الحجِّ والحجيج، وأرسل السَّرايا لتعقُّب المجرمِين الذين يعتدُون على الحجَّاجِ، والقضاء عليهم.وأكَّد على رؤساء القبائل بعدم التعرُّض لقوافل الحجَّاج، وعدَّ رئيس القبيلة مسؤولًا عن الجرائم التي تقع في حدود قبيلته، وتعهَّد بالاستمرار في تتبُّع المجرمِين وقطَّاع الطُّرق، وإنزال أشدِّ العقوبات بهم، وهذا ما كان، فارتدع المجرمون.ومنذ الأيام الأولى لوصوله مكَّة، كلَّف الملكُ عبدالعزيز طبيبَهُ الخاص الدكتور محمود حمدي حمودة، بإدارة الصحَّة العامَّة، وبدأ بتنظيم الأمور الصحيَّة، ونشر مقالات توعويَّة في الأعداد الأوَّلى من جريدة «أُمِّ القُرَى»، وتمَّ تجهيز عدد من المستشفيات والمراكز الصحيَّة للعمل في موسم الحجِّ. كما تمَّ مراقبة بيع المأكولات، والمشروبات، وأفران الخبز؛ للحرص على النظافة.وصدر تقريرٌ صحيٌّ بعد موسم الحجِّ، أكد خلوَّ الحجِّ من الأمراض الوبائيَّة، وانخفاض نسبة الوفيات عن المواسم السابقة، وتضمَّن التقرير عددًا من التوصيات.وكان من بين أهداف الملك عبدالعزيز التي أعلن عنها، أنَّ الشريعة الإسلامية هي مرجع الأحكام، وأنَّه حريص على وحدة كلمة المسلمين، ومن هنا كان حرصه على اختيار أوَّل خطيب لمنبر عرفة في عهده، وكان الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، وأصبح ذلك تقليدًا بأنْ يتمَّ تعيين خطيب عرفة من قِبل الملك المملكة.وممَّا يُحمد للدولة السعوديَّة، أنَّهم أبعدوا الحجَّ عن النزاعات المذهبيَّة، والخلافات العقديَّة، والصراعات السياسيَّة، وفرضوا الأمن الشامل ليتمكَّن الحاجُّ من أداء نُسكِه بيُسرٍ وطمأنينةٍ.كل ذلك دون تمييز، فيما يُقدَّم من خدمات وتسهيلات بين مسلم وآخر، ودون البحث عن مكاسب دنيويَّة. نجاح حجِّ العامويأتي نجاح موسم حجِّ هذا العام؛ ليثبت للعالم ما يوليه خادمُ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان من عناية ورعاية لتقديم أفضل الخدمات، وتسخير كافَّة الموارد، واستنفار كافَّة الأجهزة والمؤسَّسات، واستخدام أفضل التقنيات لإدارة الحجِّ.وهنا يجب أنْ نستذكر أنَّ البناء المؤسَّسي للهياكل الإداريَّة للدولة بدأ متزامنًا مع أوَّل حجٍّ في عهد الملك عبدالعزيز، وكأنَّما تزامن البناء التنظيمي للدولة مع البناء التنظيمي للحجِّ، وهذه مفارقة تاريخيَّة ليس لها مثيل.ولمعرفة أبعاد العلاقة السعوديَّة بالحرمَين الشَّريفين، نجد في المادَّتين: المادة الـ(24) من النظام الأساسي للحكم: «تقوم الدولةُ بإعمار الحرمَين الشَّريفين وخدمتهمَا، وتوفِّر الأمن والرعاية لقاصديهما، بما يمكِّن من أداء الحجِّ والعُمرة والزِّيارة بيُسرٍ وطمأنينةٍ».والمادَّة الـ(33) منه: «تُنشئ الدولةُ القوات المسلَّحة وتجهِّزها، من أجل الدفاع عن العقيدة، والحرمَين الشَّريفين، والمجتمع، والوطن».مناسك الحجِّ.واستفادت المملكة من الذَّكاء الاصطناعيِّ، خاصَّةً عبر منظومة «إدارة الحشود»؛ حيث يتمُّ تحليل بيانات الحشود عبر الذَّكاء الاصطناعيِّ لتوجيه حركة الحجَّاج، ومنع التكدُّس في نقاط معيَّنة؛ ما يسهم في تقليل المخاطر، وعبر استخدام البيانات التَّاريخيَّة والنماذج التنبؤيَّة والإرشاديَّة، يمكن توقُّع أوقات وأماكن الازدحام، واتِّخاذ إجراءات استباقيَّة، لمنع المشكلات المروريَّة والزَّحام.ومن أبرز أوجه التطوير التي أدخلتها المملكة في موسم الحجِّ هذا العام، بطاقة الشَّعائر الذكيَّة (نُسك)، والتي أطلقتها السلطات السعوديَّة، لتمييز الحجَّاج المنتظمِين الحاصلين على تأشيرة الحجِّ؛ حيث تُعدُّ المستند التَّعريفي للحاجِّ، والإثبات الرسمي الوحيد المعتمد للحاجِّ النظاميِّ في منطقة المشاعر المقدَّسة، ويتم عبرها الحصول على كافَّة المعلومات الشخصيَّة والصحيَّة للحاجِّ، وبيانات السكن، بجانب معلومات التَّواصل مع مسؤول بعثته، والشركة المختصة بتقديم الخدمات له.كما استحدثت العديد من التطبيقات الذكيَّة؛ لتوفير معلومات حول مناسك الحجِّ، وخرائط المشاعر المقدَّسة، مترجمة بعدد من اللغات، مع إتاحة التسجيل للتطوُّع في خدمة الحجَّاج إلكترونيًّ؛ ممَّا ساهم في زيادة أعداد المتطوِّعين وتنظيم مهامهم بشكل أفضل، فضلًا عن حجز زيارة الرَّوضة الشَّريفة إلكترونيًّا؛ لضمان توزيع الفرصة على جميع الحجَّاج بشكل عادل ومنظَّم لزيارتها. التنظيم الدقيقيقول اللواء مساعد وزير الداخلية لقطاع الشؤون الإداريَّة رئيس بعثة الحجِّ الرسميَّة المصريَّة -بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط-: إنَّ التنظيم الدقيق من قِبل السلطات السعوديَّة، واستعانتها بالذَّكاء الاصطناعيِّ، هما سرُّ نجاح موسم الحجِّ، مثمنًا في الوقت نفسه التسهيلات التي قدَّمتها المملكة لضيوف الرَّحمن؛ ممَّا مكَّنهم من آداء المناسك في سهولةٍ ويُسرٍ.مسارات الحوكمة‏وقال المشرف على الشؤون القانونيَّة والحوكمة في رئاسة الشؤون الدينيَّة منصور بن عبدالله المطرفي: إنَّ حوكمة خطَّة موسم حجِّ 1445هـ، هدفت إلى تحقيق التميُّز والجودة؛ لتمكين ضيوف الرَّحمن من أداء العبادات والمناسك على بصيرة وهدى، في بيئة وسطيَّة دينيَّة مثرية، وحوكمة وعمل مؤسَّسي؛ لتعزيز نقاط القوَّة والإبداع، وتجويد المخرجات؛ بما ينعكس على جودة الخدمات الدينيَّة، وأداء العاملِين بالمنظومة.‏وتمحورت خطَّة موسم حجِّ 1445هـ؛ في نقاط: استثمار شرف شعيرة الحجِّ، وتأكيد فضلها ومكانتها من الإسلام، وإثراء تجربة الحجَّاج دينيًّا، ومحوريَّة الضيف وتحقيق رضاه، من خلال البرامج النوعيَّة المتعدِّدة، والجودة والتميُّز، وتعميق الدور التكاملي والتناغمي والتنسيق مع شركاء النجاح؛ لإعزاز رسالة الحرمَين الوسطيَّة محليًّا وعالميًّا.

مشاركة :