حضور لافت للسينما المغاربية في «رؤى أفريقيا»

  • 4/22/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعرض مهرجان السينما العالمي الذي يقام سنوياً في مونتريال بعنوان «رؤى أفريقيا» في دورته الثانية والثلاثين على التوالي أكثر من مئة فيلم (وثائقي– روائي– طويل– قصير- درامي– فكاهي....) تمثل 33 بلداً من القارة السوداء. وتقام فاعلياته بين 17 و24 من الشهر الجاري. وهو مهرجان يصفه مديره العام مارسيل جان بأنه «حدث فني ثقافي يجرى في مكان واحد ويعرض في صالتين حصريتين في مونتريال، ويحظى بدعم ومؤازرة مؤسسات ثقافية وفنية وتجارية وإعلامية وسواها». ويفتتح المهرجان بعرض لفيلمين تونسيين أحدهما «شبابك الجنة» وهو أول فيلم يعرض في الشمال الأميركي. ويعود ريعه لحساب مؤسسة اليتيم (ديار السبيل) في تونس التي ترعاها «حركة مونتريال» في كيبك. «شبابك الجنة» هو باكورة الأعمال التي يدخل فيها المخرج فارس نعناع عالم الأفلام الطويلة (82 دقيقة). وهو ناطق بالعربية مع ترجمة بالفرنسية في أسفل الشاشة. بطلا الفيلم تونسيان متزوجان منذ عشر سنوات. سامي الأب (لطفي العبدلي) مهندس مدني، وسارة الزوجة (أنيسة داود) مدرسة سعيدة في حياتها الزوجية والمهنية. أما أحداث الفيلم فتدور حول حياة هذين الزوجين اللذين أفسد سعادتهما غرق ابنتهما الوحيدة ذات الخمس سنوات. هذا الحادث المأسوي الذي تسبب به انشغال والد الفتاة بالحديث مع أصدقائه، سرعان ما أدى الى تصدع العلاقة بين الزوجين. الأب أحس بعقدة الذنب وانصرف الى معاقرة الخمر لتخفيف معاناته، في حين اشتركت الأم في فرقة موسيقية نسائية للهروب من واقعها المؤلم. ولفت الناقد الكندي اريك مور «دور الممثل العبدلي ونجاحه في تقمص شخصية الأب المفجوع واكتسابه ثقة المشاهدين وتعاطفهم معه»، منوهاً بـ «حرفيته المهنية التي تفاعلت وتماهت مع المسار الدرامي». وفي الإطار التونسي أيضاً تتألق المخرجة الشابة ليلى بو زيد في أول أفلامها الطويلة(102 دقيقة) «على حلة عيني» مع بيا مظفر وغاليا بنعلي ومنتصر عياري وغيرهم. الفيلم درامي وناطق بالفرنسية ومن إنتاج فرنسي تونسي بلجيكي إماراتي مشـــترك، وتدور أحداثه قبيل ثورة الياسمين (عام 2010 كانت تونـــس تتحضر لثورة وشيكة)، وتنتهي قبل ولادتها. وتتلخص بحكاية مراهقة (فرح بطلة الفيلم) تحب الحياة وعالم اللهو والغناء. بيد أن هذه الأجواء الفنية المرحة لم تكن تتناسب مع المناخ السياسي والأمني السائد حينذاك. فيتم اعتقال فرح في شكل تعسفي كما أنها لم تنج من قسوة محيطها العائلي. يؤشر الفيلم الى عدة دلالات: فهو يؤرخ لفترة مخاض ثوري تؤذن بانفجار شعبي عارم للتخلص من قيود نظام مستبد أفسد العائلة والمجتمع والدولة، على أمل أن يؤسَّس على أنقاضه نظام جديد ديموقراطي حر. كما يتمتع الفيلم بقيمة روائية شكلت حدثاً ثقافياً ناشئاً لندرته وصعوبته في تلك المرحلة. أما إدخال الفرقة الموسيقية وجعلها في خدمة العمل السينمائي فقد بديا بمثابة رافعة لإبراز دور الشباب التونسي التواق للحرية والإبداع ومقاومة الظلم والقمع والترهيب. وهذا ما تجسده أغنية الفيلم «على حلة عيني» التي تضج بتلك القيم السياسية. ومعاناة الشباب تتمثل أيضاً بعملين جزائريين أولهما «السيدة الشجاعة «Madame Courage. الذي بلغت ميزانيته 600 ألف يورو، وشاركت في تمويله وزارة الثقافة الجزائرية ومؤسسات فرنسية. وفي هذا العمل، يبدو مخرج الفيلم مرزاق علوش كما في سائر أعماله السينمائية، متمرداً على السلطة القائمة في الجزائر. والفيلم روائي طويل ويحكي لمدة ساعة ونصف الساعة قصة المراهق عمر (عدلان جميل) من خلال كاميرا علوش التي تجوب الأحياء الفقيرة في ضواحي مدينة مستغانم (غرب الجزائر). وترصد ما فيها من مظاهر البؤس والشقاء. ويقع عمر في مستنقع الإدمان على مخدرات معروفة في أوساط الشباب الجزائري بـ ( artan- ارتان) أي «السيدة الشجاعة». وسرعان ما تشتد وطأتها على عمر لينتقل من الإدمان إلى الخطف والاغتصاب. في هذا السياق، تكشف إحصائيات الديوان الجزائري لمكافحة المخدِّرات أن تهريب المخدرات واستهلاكها قد تضاعفا في شكل خطير في السنوات الأخيرة وباتا مصدر تهديد للنسيج الاجتماعي ولكيان الدولة. وتشير المؤتمرات والمنظمات الدولية الى أن مستهلكي «السيدة الشجاعة «من الشباب تصل نسبتهم الى نحو 80 في المئة وأن الدوافع الكامنة وراء انتشارها تتمثل في ضعف الوازع الديني وتفشي الفقر والبطالة والتهميش الاجتماعي. ويشار الى أن علوش يحظى في أوساط النقاد السينمائيين الكنديين بمكانة مهنية رفيعة، لا سيما بفضل قدرته على «تعرية النظام وإدانته لتخليه عن مكافحة مواطن الضعف والفساد والفقر المدقع في بلد غني بثرواته الطبيعية». وفي الحيز الجزائري أيضاً، يقدم المخرج حسان فرحاني «في رأسي دوار» فيلمه الوثائقي الطويل (مئة دقيقة)، ويتناول فيه وجهاً آخر لعمل سينمائي يوثق معاناة شريحة من الشباب العاملين في المذابح (مسالخ اللحوم) التي تضج يومياً بروائح اللحم والدم... وفي غزوتها لتلك المذابح، تسجل كاميرا فرحاني وجوهاً مختلفة من حياة هؤلاء الشباب بما فيها من حوارات ونقاشات وتناقضات حول قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية تفيض بتساؤلات عن مستقبلهم المجهول، والنظر اليه بعيون يمتزج فيها الألم بالأمل والفرح بالتعاسة واليأس بالرجاء. والشدة بالفرج. وهذه المشاهد تتكرر على ألسنة بعض الشباب أمثال «يوسف» المتذمر من حياة البؤس والشقاء و «عمو» الشيخ القانع بمعيشته و «علي» العاجز عن الاستمرار في عمله.

مشاركة :