هناك أمثلة كثيرة تستعصي على الحصر، وحقائق وبراهين في قبضة القوى المحركة لرسم السياسة وصياغتها، وذلك بالضبط ما يحدث اليوم في العالم بداية من الاحترار العالمي إلى الأسلحة النووية، أضف لها تضارب المصالح مع بعضها البعض، والغضب الكبير بين الغرب والصين حول حرب الرسوم الجمركية فيما بينهم. لقد كان هناك الكثير من التقارير التي صعدت تجارة أوروبا مع الصين إلى قمة جدول الأعمال السياسي وسط مخاوف من أن بكين تدعم بشكل كبير صناعاتها في محاولة للفوز بحصة مهيمنة من الأسواق العالمية في مجالات استراتيجية مثل السيارات الكهربائية والطاقة الخضراء وأشباه الموصلات، ولكن السياسة الأمريكية لن تتغير فكل شيء في العالم يمر من جسرها السياسي ويسير في طريقها المحتوم حيث دعت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، الاتحاد الأوروبي إلى أن يحذو حذو الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية إضافية على صادرات التكنولوجيا النظيفة الصينية، محذرة من أن وفرة السلع الصينية الرخيصة يمكن أن يهدد بقاء المصانع في جميع أنحاء العالم. بعدما ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من السيارات الكهربائية من الصين، بما في ذلك الشركات المصنعة غير الصينية التي لديها مصانع هناك، من 1.6 مليار دولار في عام 2020 إلى 11.5 مليار دولار في عام 2023 . وارتفعت الحصة السوقية للعلامات التجارية الصينية في هذا القطاع أكثر من أربعة أضعاف في ذلك الوقت لتصل إلى 8 في المئة العام الماضي. في ظل هذه الظروف أكدت وزارة التجارة الصينية، بأن الاتحاد الأوروبي قد يشعل «حربا تجارية» إذا استمر في تأجيج التوترات، واتهمت بالتآمر في التحقيق الذي يجريه منذ ثمانية أشهر في الدعم المقدم لاستيراد السيارات الكهربائية الصينية. من هنا يبدو واضحاً في الثقافة السياسية الغربية أنها تمسك بزمام السلطة وتعلن صراحة عن حضورها البارز والمتمكن لتقلص العجز التجاري الأوروبي مع الصين لعدة أسباب، من بينها الجهود التي تبذلها لفك ارتباط اقتصادها واعتماده على الصين في العديد من المجالات، من أجل عدم الوقوع في المشكلات ذاتها التي نجمت عن اعتماد أوروبا على النفط والغاز والمواد الأولية وغيرها من الموارد المستوردة من روسيا. إن حقائق الماضي مع روسيا قلبت موازين الدول الغربية سياسيا واقتصاديا، لتستمر الذرائع والمخاوف لدرجة لا تستحق ذكر تفاصيلها لأن العالم حفظها عن ظهر قلب، ورغم أن هذه السياسات كانت وما زالت متجذرة في العقل الغربي تفرض القيود على كل المصالح في العالم باستثناء مصالحها، تلك هي بعض الإشارات التي تعلنها تلك السياسات، فقد قال وزير الاقتصاد الألماني «إن الصين لا غنى عنها». وذلك خلال زيارة نائب المستشار الألماني لبكين بهدف تهدئة التوترات، وتفعيل العلاقات مع الجهة الثالثة الخارجة عن التحالف، فلن يكون هناك من يمتلك وجوداً سياسياً مستقلاً يمكن له أن يبرم اتفاقا أو أن يعقد التحالفات في أوروبا إلا بموافقة أمريكية، لكن رغم كل شيء رحب وزير الشؤون الاقتصادية والعمل المناخي الألماني، روبرت هابيك، بخطوة الصين للدخول في مناقشات مع بروكسل بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، لكنه قال إنها «خطوة أولى وستكون هناك حاجة إلى خطوات أخرى كثيرة». فهل تنجح مبادرة ألمانيا في تهدئة التوترات؟، بعدما حذرت الصين من أن تصاعد الخلافات مع الاتحاد الأوروبي بشأن السيارات الكهربائية قد يؤدي إلى حرب تجارية.
مشاركة :