لكل الحروب تأثير مزدوج على العالم، من ناحية سياسية واقتصادية، فالصين تواصل مناوراتها العسكرية في المجالين البحري والجوي في محيط تايوان، فهل تتحول إلى حرب، وزاد من وتيرة هذا الغليان زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة، التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها، باعتباره تشريعاً حكومياً صينياً يلغي التمييز بين الحدود، في ضوء ذلك، تجري تايوان مناورات دفاعية تحسباً لأي هجوم صيني، تأجج على أثره التوتر، ووضع القوات في حالة تأهب قصوى بالمنطقتين اللتين تقعان قبالة ساحل بر الصين الرئيسي بعد أن بدأت بكين مناورات عسكرية واسعة النطاق. بمجرد قبول فرضية الحكومة لحقوقها المشروعة بأن تايوان جزيرة صينية، تُهجر فرص الحوار وتؤكد أن الاعتراف لهذه الجزيرة هو الحد الفاصل لبداية الحرب، وخاصة بعد الاستفزاز الأمريكي وتدخلاتها في الشأن ذاته، إذ يستنتج بأن التكلفة والفائدة اعتباطية لا تحقق بشكل فعَّال أي تبرير لوجود أمريكي بالقرب من الأراضي الصينية كما يعتقد الساسة الصينيون. لذا فإننا حين نتحدث عن هدف الزيارة، علينا أن نسأل أنفسنا عن: هل هو تثبيت أقدام الدور الأميركي في المنطقة وإعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة مع حلفائها وأصدقائها؟ بحسب بيان رئيسة البرلمان؟ أم هو ما تأسست عليه حكومة الولايات المتحدة لإنجاز مهمة واحدة فقط، حماية الأرواح والممتلكات، ومن ثم ينبغي اعتبار هذا مثالاً نموذجياً للحكم على صحة ادعاء «توماس هوبز» فيما يتعلّق بوضع الدول كحامية، والآن وبعد أكثر من قرنين اتضحت سيطرة دولة الحماية والتعاون الإنساني السلمي وجعلها على المحك، فهل كانت التجربة الأمريكية دولة حماية ناجحة؟ أم أن القطب الجديد المنافس لها اقتصادياً، ما من شك بأنها حقبة جديدة من التنافس المحموم بين القوى. إن قياس التشبيه الذي يستخلص من رأي «هوبز» بأنه مستفز وصادم، ابتدأ بمقدمات مقنعة وانتهى باستنتاجات عائمة عندما اعترف بأن الديموقراطية فكرة فاشلة وشريرة وخطيرة، والتحول الديموقراطي تدهور حضاري مؤكد، والجمهوريات الديموقراطية ستنهار في أوروبا كما انهارت الإمبراطوريات، فكل ما حدث من مئات النزاعات الخارجية هو نتيجة الإمبريالية المهيمنة في العالم كقطب وحيد، وكل رئيس منذ مطلع هذا القرن كان مسؤولاً عن مقتل الكثير من البشر، والأدلة التي قدمها هوبز عرضية وقد يستمر حدوثها في حال استخدمت نفس السياسات، فبعد عاصفة من الجدل والتوتر التي رافقت زيارة بيلوسي إلى تايوان، تزامنت معها تحركات عسكرية في مضيق تايوان، تنذر بتدهور الأوضاع واندلاع صراع بالمنطقة في المستقبل القريب بما لا يخدم أي طرف في الصراع. إضافة إلى ذلك، ترفض الصين محاولات أمريكية للتعامل مع تايوان سياسياً كدولة مستقلة، ويرى المراقبون أن هناك بوادر تكرار سيناريو الحرب الروسية- الأوكرانية في الشرق الآسيوي بعد اعتبار بكين الزيارة الأميركية منذ عقود خرقاً صارخاً لسياسة «الصين الواحدة»، وبشكل أكثر تحديداً، تخشى الدول الآسيوية في المنطقة تكرار سيناريو أوكرانيا في الجزيرة التايوانية، ويمكن اعتبارها أكثر خطورة، وأن هذا الخطر له عواقب وخيمة حيث يعتبر تدميراً للاقتصاد والسلام ويصبح النزاع بين بكين وتايبيه أكبر نقطة تهديد في القارة الآسيوية.
مشاركة :