شباب العرب.. بين الاستقرار والديمقراطية

  • 4/23/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هل أدرك الشباب العربي أخيرًا، وبعد نحو خمسة أعوام أو يزيد قليلاً من الثورات والفورات التي عمت قطاعات كبيرة من دول المنطقة، أن هناك من كان يريد أن يبيع الوهم للجماهير، وأن المسألة برمتها كانت مكذوبة، فلا هو ربيع ولا هو عربي، ولا علاقة له ألبتة بالديمقراطية؟ ما يدعونا للحديث عن علاقة الشباب العربي بإشكالية الديمقراطية والاستقرار يتصل بنتائج استفتاء جرى في الفترة ما بين 11 يناير (كانون الثاني) و22 فبراير (شباط)، في معهد «بن شوين بيرلاندن» الأميركي، وهي التي استلفتت الأنظار لجهة تغير ما في تفكير الشباب العربي، خاصة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، عطفًا على عشر دول عربية أخرى، منها العراق ومصر واليمن وليبيا وتونس. هنا، يبدو أن الشباب العربي قد اكتشفوا أبعاد الإشكالية، وهي أقرب إلى المأساة في واقع الحال، وعليه فقد فضل معظمهم (53 %) ترسيخ قيمة الاستقرار في المنطقة، وفي المقابل ذهب 28 % فقط من المستطلعة آراؤهم إلى تفضيل فكرة الديمقراطية. نتائج الاستطلاع المشار إليه تشير إلى أن هناك حالة من الوعي، وإنْ جاءت متأخرة، بما جرى في العالم العربي، إذ اعتبر 36 % فقط من الشباب العربي أن العالم العربي هو في أفضل حال بعد الانتفاضات الشعبية، مقابل 72 % كانوا يعتقدون أن العالم العربي ماضٍ إلى الأحسن في عام 2012، فالحال يغني عن السؤال كما يقال. الاستطلاع الذي نحن بصدد تفكيك نتائجه وتحليلها يشير إلى أن هناك وعيًا وإدراكًا كبيرين لنتائج الديمقراطية المزيفة التي حاول البعض تصديرها لنا، ولم ينتج عنها إلا نزاعات دامية لا يزال بعضها مستمرًا، لا سيما في سوريا وليبيا، وهناك رديف لها في اليمن، عطفًا على جدل يظهر على السطح بين فئات الشعب في الداخل المصري، وقد تكون تونس هي الدولة الوحيدة التي قدر لها في نظر البعض أن تشهد شكلاً سلسًا من أشكال تسليم وتسلم السلطة، غير أن الفاتورة التي تدفعها تونس من جراء تصاعد الجماعات الإرهابية تشكك حتى في نجاعة التجربة التونسية. كان في مقدمة نتائج ثورات الربيع المكذوب إتاحة الفرصة لكثير جدًا من الجماعات الراديكالية المتشددة، ومعتنقي فكر العنف والتطرف كافة، للظهور على سطح الأحداث، ومن ثم ترويج شعاراتهم الديماغوجية، أي خداع الجماهير بالعبارات البلاغية والإنشائية الممزوجة بالخلفية الدينية، ومن ثم القفز على الصندوق الانتخابي، والوصول إلى مقاعد الحكم، حتى وإن فشلت التجربة لاحقًا فشلاً ذريعًا. يعكس اختيار الشباب العربي لقيمة الاستقرار، وتفضيلها على الديمقراطية، حالات الفشل العربي التي لا بد لنا أن نصارح أنفسنا بها، ذلك أنه بعد نحو سبعة عقود من التحرر من الاستعمار الأجنبي، ها نحن أولاء نجد أنفسنا غير قادرين على بلورة صورة عصرانية حداثية ديمقراطية للدولة التي عرفتها قارات العالم بنهايات القرن العشرين. ربما إدراك الشباب العربي لحالة الانسداد التاريخي الحاصلة حتى الساعة من المحيط إلى الخليج هي السبب وراء تفضيل الاستقرار على الديمقراطية، والانسداد الذي نحن بصدده في هذا الإطار يتصل بنموذجين فقط سادا العالم العربي؛ النموذج القومي الذي علا مده في خمسينات وستينات القرن الماضي، والنموذج الإسلامي الذي عاصر المد القومي واستمر بعده، وآل إليه بعد ثورات الربيع المكذوب، وعليه لم يقدر لتيار عصراني ديمقراطي حقيقي، لا هو علماني مغرق في علمانيته الجافة التي تستبعد الدين والإيمان والمعتقد الروحي، وهي أساسيات جذرية في عالمنا العربي المتدين بطبيعته، ولا هو ديني مغرق في راديكاليته. هل تعني نتيجة هذا الاستطلاع أن الشباب العربي يريد أن ينكص على أعقابه، ويعود بالعالم العربي إلى زمن الديكتاتوريات والتوحش؟ بالقطع هذا آخر ما يفكر فيه الشباب العربي، وقد أدرك أبعاد الأزمة الحقيقية، والدليل على ذلك أن ثلثي المشاركين في الاستطلاع طالبوا القيادات السياسية بما يمكن أن نطلق عليه إصلاحات بدافع وطني، وبروح قومية حقيقية غير مغشوشة، وغير مستجلبة من الخارج.. إصلاحات تتصل بالحقوق الفردية، وبعالم ومساحة الحريات، وبأجواء حقوق الإنسان، لكن في سياق صادق لا يعرف الطريق إلى المراوغة أو المخاتلة، لا سيما أن نقص هذه الاحتياجات الإنسانية الرئيسية تسبب ذات مرة، بدءًا من عام 2011، في الانتكاسة التي نحن بصددها الآن. استفاق الشباب العربي أخيرًا، بعد أن أدركوا أن الديمقراطية التي صدرت إلينا، وحاول البعض - ولا يزال - فرضها قسرًا وجبرًا، هي ديمقراطية شكلية، من دون أي خلفيات اجتماعية ديمقراطية، تقوم فقط علي حرية قبول قواعد الرأسمالية الغربية، وهذا الطريق أدى إلى انهيار اجتماعي، وإلى ضياع ملامح الاستقرار التي سادت قبل الربيع العربي، حتى وإن كان استقرارًا نسبيًا، وليس مطلقًا. الشباب العربي مدعو اليوم، ولا شك، للنضال الإيجابي الخلاق من أجل ديمقراطية وطنية، حتى وإن قالوا فينا ما لم يقله مالك في الخمر، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى نموذج مؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يون، وكيف أن ديمقراطيته لبلاده قامت على أسس من المصالح الحيوية للطبقات الاجتماعية، مثلها مجتمع مدني حقيقي في إطار علماني غير ملحد، يلغي استغلال الدين وأي آيديولوجيا.

مشاركة :