عندما يشهد يهودي على ظلم وعدوان إسرائيل فهذا يجب أن يكون محط الاستثمار سياسيا وإعلاميا واجتماعيا، فهو مثال يجسد معنى التعايش الديني في عز المزج المطلق بين السياسة والدين تعلم العيش المشترك وقبول الاختلاف والعيش تحت سترة هانئة بجعل العالم مكانا آمنا، هو من أكبر تحديات القرن الحادي والعشرين. فالتعايش بالمفهوم الأكثر شيوعا، هو تقبل التنوع ومحاولة الاتسام بالمرونة في التعامل مع جميع الشرائح الاجتماعية بأفكارها وعقائدها وأديانها. فضمان وجود علاقات اجتماعية بين أفراد مجتمع ما يعزز الكرامة والحرية والاستقلال. وعلى العكس من ذلك، فتزعزع العلاقات، سواء كانت بين أفراد أو دول، هو السبب الرئيس للدمار الشامل والإبادة الجماعية، فقد صارت مسألة تعزيز التعايش في جميع النطاقات أمرا ملحا في هذا القرن. في مؤتمر باندونج استخدم مفهوم التعايش بهدف خلق بيئة سلمية، وقد دعا (نهرو) لمفهوم التعايش السلمي بناء على 5 مبادئ: الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم الاعتداء، والمساواة، والمصالح المتبادلة. وبالتأكيد لا يقتصر ذلك فقط على العلاقات الدولية، بل على الفردية والاجتماعية على حد سواء. فلكي تتحقق مسألة التعايش الديني في ظل الصراعات التي تعيشها الدول في الفترة الراهنة والانقلابات التعسفية، علينا أن نفهم أولا من هو العدو؟! لنعلم نحن نضع أيدينا بأيدي من؟ فإذا كانت المشكلة مشكلة غير المسلمين فنحن لن نضع أيدينا في يد أحد قط! ولأصبحت كل القضايا قضايا إسلامية بحتة. ونكون بذلك قد حكمنا بطمس العدالة والإنسانية ظنا منا أن وجود غير المسلمين لن يفيد القضية وليس محسوبا في تاريخ البشرية. ولكن عندما تكون القضية قضية عدالة، فإن أيّاً من كان سيدعم هذه القضية الإنسانية سأضع يدي بيده. في لندن عام 2010 الإنجليز المسيحيون واليهود الذين خرجوا لدعم القضية الفلسطينية وإزالة الظلم والاستبداد عن الشعب الفلسطيني.. هؤلاء أضع يدي بأيديهم، فقد خرجوا دفاعا عن فلسطين، دفاعا عن "مسلمين"!! لأن هدفنا واحد، إزالة ظلم إسرائيل... ومن ضمن هؤلاء الكاتب اليهودي فرانكل ستاين المختص في العلوم السياسية، خاصة في الشؤون الإسرائيلية والصراع الإسرائيلي اليهودي. وهو من المعارضين علنا لكثير من سياسات الدولة الإسرائيلية والاضطهاد الصهيوني ضد القدس والشعب الفلسطيني. وفيما كان فرانكل يلقي محاضرته في الجامعة، ويتلقى أسئلة الطلاب ويجيب حول موضوع الصراعات الدينية، منها تاريخ الألمان في الحرب النازية، واحتقاره الاعتداء اليهودي على القدس، خرجت فتاة معترضة على رأيه وهي تبكي: "هذا يعتبر أمرا عدوانيا منك تجاه الألمان، وأيضا عدوانيا جدا منك تجاه من عانى من اليهود في الحرب النازية". تلك الطالبة كانت تدافع عن اليهود تحت قضية دينية يهودية وبما فيهم إسرائيل. فكان جوابه أنه لا يحترم ما تفعله مطلقا، ولا يحترم دموع التماسيح تلك التي تعبر بها عن وقوفها إزاء "إسرائيل" كما لو كان ما يحدث للفلسطينيين مجازا.. استأنف ستاين ما بدأ به: "أنا لا أحب أن ألقي للجمهور كارت المحرقة اليهودية. والدي كان في معسكر الاعتقال أوشفيتز. أمي الراحلة كانت في معسكر الاعتقال ماجدو نيفيك. كل فرد من عائلتي أبيد. ولذلك تحديدا، وتحديدا بسبب ما تعلمته أنا واثنان من إخوتي من دروس من والدي، فأنا لن أصمت عندما ترتكب إسرائيل جرائمها ضد الفلسطينيين. أنا لا أستطيع أن أتخيل أحقر من استغلال معاناة آبائي واستشهادهم لأبرر التعذيب، والوحشية، وتهديم البيوت الذي ترتكبه إسرائيل يوميا ضد الفلسطينيين".. وشهد شاهد من أهله.. فعندما يشهد يهودي على ظلم وعدوان إسرائيل فهذا يجب أن يكون محط الاستثمار سياسيا وإعلاميا واجتماعيا. فهو مثال يجسد معنى التعايش الديني في عز المزج المطلق بين السياسة والدين. وقد عبر من خلال حديثه عن أنه يرفض وبشدة أي محاولة للتأثير عليه بدموع التماسيح، وقال جملة صعق منها كل من كان موجودا في قاعة المحاضرة: "إذا كان لكم قلب فيجب أن تبكوا على الفلسطينيين، وليس على ما حدث لكم". المقصد مما سبق، أنه يلزم من أجل أن تحل هذه القضية وتحقق مسألة التعايش الديني السياسي، أن نحدد أولا من هو العدو؟ فالعدو ليست ديانة. العدو ليست اليهودية. العدو هو الظالم بغض النظر عما يعتنقه من دين. فمشكلتنا الأزلية الكبرى مع الصهيونية، مع دولة إسرائيل الفاجرة وليس مع اليهودية كديانة، ولا مع اليهود كشعب. فمن أجل أن ينتهي هذا الصراع لا بد أن نعلم لماذا نحارب؟ ومن نحارب؟ وممكن أن نحارب مع من؟ نقطة ومن أول السطر.
مشاركة :