العرب يريدون تطمينات أميركية أكثر

  • 4/24/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ الكشف عن مفاوضات سرية أجريت بين الولايات المتحدة وإيران حول سلاحها النووي قبل الانتقال إلى المرحلة العلنية في جنيف، كانت دول الخليج العربية تشعر بأن شريكها القديم قد يخذلها إذا ما حانت اللحظة الحاسمة للاختيار. فالقلق عارمٌ لديها من أن ترتيب أولويات السياسة الأميركية في المنطقة تغير فعلاً، ما اضطرها إلى انتهاج سياسة الاعتماد على النفس في مواجهة عبث إيران في مواقع عدة في المنطقة، لا سيما اليمن وسورية. وهذا بندٌ رئيس في لقاء قادة عرب الخليج مع الرئيس باراك أوباما، كما كان البند الوحيد تقريباً في محادثات وزير خارجيته جون كيري مع وزراء خارجية مجلس التعاون في البحرين مطلع الشهر الجاري. فاضطراب المنطقة منذ 2011 في شكل غير مسبوق منذ تقسيمات ما بعد الحرب العالمية الأولى، لا أحد يشعر به ويخشى تداعياته أكثر من السعودية ومجلس التعاون ومصر. وكان ذلك بيّناً في زيارة الأيام الخــمــسة للعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي الجديدة. وعلى رغم صعوبة المهمة فالدولتان هما عملياً الآن عمادا أي استقرارٍ قابلٍ للحياة في المنطقة. زعيما الدولتين يدركان حجم مسؤولية كل منهما إزاء استقرار المنطقة وهي تواجه تحديات آخرها المواجهة مع «داعش» وتهديدات إيران، إضافة إلى استمرار الاحتلال والتوسع الإسرائيليين وعدم الاعتراف بالاستقلال الكامل للفلسطينيين. فبعد خروج مصر من معادلة المواجهة مع إسرائيل، إثر زيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس عام 1977 ثم اتفاقيات كامب ديفيد، تسلمت السعودية زمام المبادرة في التحرك الديبلوماسي للتسوية في المنطقة. وعلى رغم العمل الدؤوب لعاهلين سعوديين هما الراحلان الملك فهد في مبادرته في قمة فاس الثانية صيف 1982 التي تحولت إلى مشروع عربي للسلام، والملك عبدالله في مبادرته (وكان ولياً للعهد) في قمة بيروت في 2002 والتي تضمنت دعوة مشروطة للتطبيع مع إسرائيل، خذلت واشنطن شريكها العربي الأول في الحالتين برفضها الضغط على إسرائيل للموافقة على السلام. ويشعر عرب الخليج بخذلان مماثل إزاء تعامل الولايات المتحدة مع الملف النووي الإيراني وصمتها شبه الكامل، إزاء عـــبث طــــهران في الحـــديقة الخلفية للسعودية ودول الخليج بدعمها المفتوح لميليشيات الحوثي في اليمن. وهـذه مسألة دفعت مصر إلى الانضمام إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية للمشاركة في الغارات الجوية ضد متمردي الحوثي، كما انضمت القاهرة إلى تحالف إسلامي ضد الإرهاب أطلقته الرياض أواخر العام الماضي. هذا العمل المشترك يعزز القاعدة القوية للعلاقات بين عرب الخليج ومصر التي يحوّل 2.5 مليون من مواطنيها العاملين في السعودية وحدها نحو ستة بلايين دولار سنوياً إلى أسرهم، فضلاً عن بلايين أخرى هي قيمة الاتفاقيات الثنائية أثناء زيارة العاهل السعودي. وبسبب الحالة الحرجة للأزمة، ضخّت السعودية ودولة الإمارات وحدهما بضعة بلايين أخرى في شريان الاقتصاد المصري لإنعاشه منذ نهاية حكم «الإخوان المسلمين» في 2013، ثم كانت زيادة الاستثمارات السعودية في قطاع الأعمال والتجارة في مصر بحدود ثمانية بلايين دولار. ما حصل من تطورات في السنوات الأربع الأخيرة منذ بدء تطبيق الإدارة الأميركية قرارها الانسحاب من مناطق الأزمات، بدءاً بأفغانستان وبعدها العراق، وملء إيران الفراغ الأمني، وتراجع اللحظة الأخيرة للرئيس أوباما عن خطوطه الحمر في ما يتعلق بالسلاح الكيماوي لنظام الأسد، وصمت إدارته عن استخدام طهران ميليشيا «حزب الله» اللبناني بحرية في سورية، مقابل إبقاء إيران على طاولة المفاوضات، يشكل قلقاً غير مسبوق لشركاء واشنطن العرب. فلم يعد هؤلاء يستبعدون تغيرات أقسى وأشد في السياسة الأميركية لمصلحة إيران الغنية بالثروات الدفيــنة والمتـــعطشة للاستثمارات أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة. فالجميع يدرك أن زمن الخصام المؤلم بين إيران والولايات المتحدة ولّى إلى غير رجعة بعدما فتح اتفاق الملف النووي الأبواب مشرّعة لوئام سريع. لقد نقلت السعودية في شكل واضح إلى الإدارة الأميركية قلقها البالغ إزاء سياسة إيران في المنطقة، في اليمن وسورية والبحرين والعراق ولبنان، وحصل ذلك في مناسبات عدة، آخرها لقاء القمة مع أوباما. وعلى رغم ما قد يكون الأخير قد قدمه من تطمينات للعرب، فهم لا يرون أي تشجيع مقنع عبر متابعتهم مسار السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة في الأشهر والسنوات الأخيرة. لقد قاومت واشنطن جهود السعودية ومصر ومجلس التعاون لإقناعها بأن نهاية حكم «الإخوان المسلمين» خطوة إيجابية للمنطقة، ولذلك فمفهوم أن يشعر عرب المنطقة بالهلع بين الحين والآخر، ليس نتيجة سلوك إيران فحسب، بل بسبب الموقف المريب لواشنطن وعواصم أخرى غربية. من هنا يمكن تفهم كيف بدأت الرياض وعواصم خليجية أخرى، إضافة إلى القاهرة، تفقد تدريجياً الإحساس بالأمان. فحقيقة أن القرار الأميركي بالانسحاب من العراق اتُخذ منذ رئاسة أوباما الأولى، فالإدارة الأميركية لم تناقش مستقبل العراق السياسي ولا الديموغرافي مع أي من جيرانه العرب. حتى حليفها الرئيس في حلف الناتو، تركيا، بقي خارج دائرة المناقشة، فيما أعطيت إيران لاحقاً الأفضلية في المناقشة وتُركت تلعب في الميدان العراقي كيفما تشاء. واتفاق الملف النووي لم يكن محل اعتراض من السعودية ومجلس التعاون ومصر. بل على العكس، نظرت هذه الدول إلى الاتفاق كإنجاز مهم لمصلحة أمن وسلام المنطقة. ما يتوقعه العرب من الإدارة الأميركية أن تطالب إيران بالتوقف عن العبث في حديقتهم الخلفية. فتدخل طهران المباشر أو بواسطة «حزب الله» والحوثي، من سواحل المتوسط وحتى مياه البحر الأحمر الدافئة، يجب أن يتوقف. هذا التدخل يتعارض مع القوانين الدولية، ولا شك في أن تردد إدارة أوباما في التقدم بسياسة واضحة وشاملة في هذا الشأن، يعطي العرب أسباباً لا تحصى للشك بتحركات واشنطن ونياتها في الشرق الأوسط.

مشاركة :