بحار بلون الدم

  • 4/25/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا أسماك القرش، ولا أذكى الحواسيب الزرقاء في أعماق البحار، تستطيع تقديم إحصاءات دقيقة عن عدد من فروا من النار والرمضاء معاً، ولم يجدوا غير الماء، لكنه كعادته يخذل من يأتمنونه على حياتهم، وإذا كان للبحار أسماء مشتقة من الألوان، كالأحمر والأبيض والأسود، فإن البحار كلها الآن حمراء. فالأعداد العصية على الإحصاء من الغرقى، من مختلف الأجناس والأعمار أضافت إلى ملوحة ماء البحار، ملحاً من دموعها، وهي على وشك الغرق، وما من أحد يلبي استغاثتها. وحين يبتلع البحر أكثر من أربعمئة إنسان في يوم واحد، فذلك معناه أن اليابسة لم تعد تتسع لساكنيها، وأن الموت غرقاً بالنسبة لبعض من كابدوا الشقاء، ومرارة العيش، أرحم من حياة تحالف الاستبداد والجوع، على جعلها جحيماً لا يطاق. ولم يخطر ببالي حين قرأت ذات يوم كتاباً للفيلسوف الفرنسي، سوريل، بعنوان المياه كلها لها طعم الغرق أن زمناً سيأتي يهرب الناس فيه من البر إلى البحر، لعله يوصلهم إلى شاطئ آمن، وقد تكون هذه الظاهرة غير مسبوقة في التاريخ، فالبشر لم يتمنوا ذات يوم، أن تكون لهم حراشف كالأسماك أو أجنحة يهربون بها إلى مجرات وكواكب نائية. يموت هؤلاء بأكفان زرق، هي من الماء ذاته، الذي يستدرجهم إلى نهايات مأساوية. وفي الماضي كانت مثل هذه الأحداث مجرد حكايات أسطورية أو خيالية من طراز أسطورة بنيلوب وعوليس، المرأة التي تقضي أيامها على الشاطئ بانتظار الحبيب التائه في البحار، أو من طراز الملاح التائه كما كتب شاعر إنجليزي رومانسي. بنيلوب التي تجلس على الشاطئ الآن تعرف أن حبيبها لن يعود، لأن الأعاصير عاتية والبوصلة معطوبة وقوارب الإنقاذ في إجازة بلا حدود، والماء شأن كل عناصر هذا الكون، كالمطر والنار، قليله يكفي، وكثيره يحرق ويغرق. فهل يأتي يوم تصبح فيه البحار كلها سوداء وحمراء؟

مشاركة :