تعد العواصف الشديدة التي عصفت بدولة الإمارات العربية المتحدة ومنطقة الخليج تحذيراً شديد اللهجة بأننا نعيش في عالم بات مناخه يشهد مزيداً من الفوضى نتيجة الأنشطة البشرية. يعود تاريخ حرق الإنسان للنفط، والغاز والفحم للحصول على الطاقة إلى قرون عديدة، وقد نتج عن كل ذلك إطلاق ملايين الأطنان من غاز ثاني أوكسيد الكربون (CO2) أحد غازات الاحتباس الحراري المسؤولة عن رفع درجة حرارة كوكب الأرض إلى معدلات عالية لم يسبق لها مثيل. لقد أظهرت الدلائل مؤخراً أن معدل إطلاقنا لغاز ثاني أوكسيد الكربون أسرع بـ10 مرات من المعدلات السابقة منذ حقبة انقراض الديناصورات، والتي تعود إلى 65 مليون عام. إن لتراكم هذا الكم الكبير من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي لكوكب الأرض تأثيرات سلبية ضارة على المناخ وصحة الأشخاص وحياتهم. لقد ارتفعت درجة حرارة العالم درجة مئوية واحدة منذ منتصف القرن العشرين، وشهد عام 2014 و2015 تسجيل أعلى درجات حرارة منذ تاريخ بداية تسجيل درجات الحرارة. قد يظن البعض أن ارتفاع درجة الحرارة درجة واحدة أمر عادي ولا يدق ناقوس الخطر، ولكن الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق، حيث يتوقع العلماء أن ارتفاع درجة الحرارة لأكثر من 1,5 درجة مئوية سينتج عنه تأثيرات عديدة مباشرة وغير مباشرة على الأشخاص. ففي دولة الإمارات، يتوقع بأن يكون فصل الصيف أكثر حرارة ورطوبة لترتفع درجات الحرارة من 2 إلى3 درجات مع منتصف القرن الحالي. ولنا فقط أن نتخيل الكم الهائل لمتطلبات التكييف والتبريد الإضافي لتخفيف آثار هذا الارتفاع، ومعاناة الأشخاص الذين يعملون في الهواء الطلق. يعني ذلك أيضاً أن العواصف التي شهدناها في شهر مارس ستتكرر بصورة مستمرة وستكون أكثر حدة، وسيكون لها تأثير مباشر على بنيتنا التحتية واقتصادنا. إن ارتفاع درجات الحرارة سيكون له تأثير سلبي على إنتاج الغذاء، وبشكل خاص في الدول التي تعاني من شح المياه. وكما هو معلوم، تستورد دولة الإمارات 98% من المنتجات الغذائية من الخارج، وهو أمر سيكون له تأثير على الصحة والأمن الغذائي. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو «ما الذي يقوم به العالم ودولة الإمارات العربية المتحدة لمعالجة هذه التغيرات لمناخنا وتأثيرها على الأشخاص؟» يتطلب العمل لمواجهة هذه الظاهرة التعاون على المستوى العالمي وبمستوى غير مسبوق، وتحول سريع من استخدام الوقود الأحفوري إلى موارد طاقة متجددة، وجهود للتأقلم مع هذه التأثيرات من خلال تغيير طريقتنا في بناء وحماية مدننا، والبنية التحتية ومواردنا الاقتصادية. لقد اجتمع العالم معاً في ديسمبر 2015 في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في مدينة باريس الفرنسية للاتفاق على وضع حد عالمي لارتفاع درجة الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية هذا القرن. وقامت العديد من الدول قبيل مؤتمر باريس بتقديم تعهدها حول كيفية تمكنها من تخفيض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، والتعامل مع تأثيرات التغير المناخي. لكن وللأسف، بالرغم من جميع تلك التعهدات، مازلنا سنشهد ارتفاع الحرارة بمقدار 2,7 درجة مئوية، الأمر الذي يعني أن مجموع هذه التعهدات ما زال غير كاف، معرضاً أهداف اتفاقية باريس للفشل. يسعدنا أن نرى دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن أول مجموعة دول قامت بالتوقيع على اتفاقية باريس في الحفل الخاص الذي تم في مدينة نيويورك يوم 22 أبريل. يعني هذا التوقيع المبكر إشارة واضحة من دولة الإمارات العربية المتحدة لرغبتها في العمل على وجه سريع لتجنب أسوأ التأثيرات التي يضعها التغير المناخي. وقد حان الوقت الآن لبناء أطر التعاون المشترك بين الهيئات الحكومية المختلفة، والشراكات المجتمعية والمؤسسية التي من شأنها الدفع بعجلة العمل البيئي وتحويل التعهدات إلى عمل فعلي ومبادرات ملموسة، فالتصدي لتغير المناخ هو مسؤولية مشتركة تتطلب مجموعة متكاملة من المبادرات عبر القطاعات المختلفة. وأمام دولة الإمارات فرصة مهمة للعب الدور الريادي على النطاق الإقليمي والعالمي من خلال: الترويج والحث على اتخاذ مبادرات أكثر قوة من قبل المجتمع الدولي لتقليل انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بشكل عاجل قبل عام 2020 وبعده، وذلك لضمان أن تكون لدينا فرصة واقعية للبقاء دون حد 1,5 درجة مئوية. وأن تكون الدولة المثال الرائد على النطاق المحلي عن طريق تطوير سياسة وطنية للتغير المناخي تضع الأهداف لتقليل انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون لعام 2030 وما بعده، ورسم الآليات لتحقيق وتحسين الأهداف في المستقبل. * مدير وحدة المناخ والطاقة، جمعية الإمارات للحياة الفطرية، بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة
مشاركة :