ماذا جرى للحركة الشعبية لرفض التطبيع مع إسرائيل؟

  • 4/25/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عادت قضية تطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل لتفرض نفسها على الاهتمام العام هذه الأيام، بمناسبة الإقبال المتزايد على سفر أتباع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، لزيارة القدس المحتلة خلال الاحتفالات بعيد القيامة المجيد، بالمخالفة للقرار الذي أصدره المجمع المقدس - عام 1980 - بوقف هذه الزيارات، وإعلان البطريرك الراحل الأنبا شنودة الثالث أن الأقباط الأرثوذكس المصريين لن يدخلوا القدس إلا مع أشقائهم المسلمين. وكان هذا القرار واحدًا من سلسلة القرارات المشابهة التي أصدرتها المنظمات الشعبية المصرية في أعقاب توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 وشكلت في مجموعها ما عرف بحركة مقاومة التطبيع، إذ رأت هذه المنظمات - التي تضم النقابات العمالية والمهنية والأحزاب السياسية - أنها غير مخاطبة بالنصوص الخاصة بإنهاء المقاطعة وبتطبيع العلاقات بين البلدين في هذه المعاهدة ولا يوجد ما يلزمها بتنفيذ بروتوكولات التطبيع التي جرى توقيعها بين الحكومتين وشملت كل المجالات، من الاقتصاد إلى السياحة ومن الزراعة إلى الثقافة، قبل التوصل إلى اتفاق سلام شامل، يشمل جلاء إسرائيل عن كل الأراضي التي احتلتها في عدوان 1967، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وانطلقت معظم هذه القرارات، من رؤية تذهب إلى أن معادلة الأرض مقابل السلام والتطبيع، التي طبقتها إسرائيل خلال المفاوضات التي انتهت إلى توقيع معاهدة السلام مع مصر، قد حرمت المفاوض العربي من سلاح فعال، يمكن أن تستفيد منه الأطراف العربية الأخرى التي لا تزال أراضيها تحت الاحتلال، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني وهو سلاح التطبيع الذي لا يجوز التنازل عنه، إلا مقابل تسوية شاملة وعادلة، إذ هو إحدى أوراق الضغط القليلة التي تبقت في يد المفاوض العربي، بعد أن فرضت عليه الظروف الدولية والإقليمية التخلي عن سلاح الحرب! ومع أن الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية لم تصدرا قرارات مماثلة ولم تحظرا على أتباعهما زيارة القدس، باعتبار أن هذه الزيارة مسألة دينية وليست سياسية، ومع أن بعض رعايا الكنيسة الأرثوذكسية، خاصة كبار السن منهم كانوا يرون الرأي نفسه، ويتوقون إلى هذه الزيارة، التي يحمل كل من يقوم بها لقب المقدس - وهو يناظر لقب الحاج لدى المسلمين - ويتيح لمن يحمله من الأقباط نفس المكانة الاجتماعية، فقد صمد القرار خلال السنوات الأولى لصدوره، والتزم معظم الأقباط الأرثوذكس به. ولكن رياح الغزو العراقي للكويت، جاءت بما لا تشتهي السفن، وكان من تداعياتها المفجعة أن فقدت القضية الفلسطينية مكانتها الثابتة باعتبارها قضية العرب المركزية خاصة بعد أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية - الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني - معاهدة صلح مع إسرائيل تبادل خلالها الطرفان الاعتراف والتطبيع، وتبعتها الأردن، واتسع نطاق التطبيع الرسمي مع إسرائيل، واتسع نطاق الحركة الشعبية العربية لرفض التطبيع فلم يعد قاصرًا على القوى الشعبية المصرية، خاصة بعد أن سعت دول عربية ليست طرفًا مباشرًا في الصراع، ولم تحتل إسرائيل أراضي لها، إلى تطبيع علاقاتها معها، انطلاقًا من نفس المنطق الذي كان يروج له الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، الذي كان يقول إن الإسرائيليين مصابون بعقدة نفسية تجعلهم لا يصدقون أن العرب يمكن أن يكونوا مخلصين في سعيهم للسلام معهم، وإن على العرب أن يساهموا في شفائهم من هذه العقدة، بتوسيع نطاق التطبيع معهم. وتدريجيًا ومع التدهور الذي لحق الأوضاع العربية، فقدت الحركة الشعبية لرفض التطبيع قوتها الدافعة وتراجع نشاطها في ظل تطورين خطيرين.. كان الأول والأخطر هو الانقسام الفلسطيني الذي أدى إلى إقامة كيانين فلسطينيين تحت الاحتلال، واحد في غزة تحكمه حركة حماس، والآخر في رام الله تحكمه حركة فتح، أما التطور الثاني فهو صعود اليمين الإسرائيلي إلى السلطة، ليعلن أنه ليس في حاجة إلى التطبيع مع العرب، سواء كان رسميًا أو شعبيًا، وليس متلهفًا على إتمام السلام معهم، وأنهم لم يعودوا يشكلون خطرًا عليه يحول بينه وبين توسيع مستوطناته والاستيلاء على مزيد من الأرض، بعد أن تبددت كل أوراق الضغط التى كانوا يملكونها من سلاح استخدام القوة إلى سلاح عدم التطبيع، بل وصل الحال إلى الحد الذي أصبحت فيه السلطة الوطنية الفلسطينية تناشد العرب أن يقوموا بزيارة القدس المحتلة، لأن مقاطعتهم لزيارتها تمكن إسرائيل من مواصلة تنفيذ خططها لتهديدها.. وهكذا تغيرت الدنيا، فكان طبيعيًا أن تختفي حركة مقاومة التطبيع وتحل محلها حركة تنشيط التطبيع، وبدلاً من أن يكون رفض التطبيع سلاحًا تفاوضيًا يستخدمه العرب لاسترداد بقية حقوقهم، أصبح التطبيع هو السلاح الوحيد الذى يملكونه حتى لا يضيع ما تبقى من هذه الحقوق!

مشاركة :