حدثت هذه القصة منذ سنوات عدة في أحد أحياء المدينة القديمة.. عندما استيقظ «عمر» على صوت بائع الجرائد، وهو يعلن عن أبرز عناوين الساعة التي تحملها جريدة اليوم، سارع «عمر» بالنهوض ليحظى بكوب قهوته المعتادة والتي دائما ما تمتزج نكهاتها مع صفحات جريدته ولا تختلط بها.. يرى «عمر» بائع الجرائد وهو يحمل في يده صندوقا من الحليب.. لكنه شعر بأن هناك شيئا ليس على العادة عندما وجد محلا لبيع اللحوم قد علقت عليه لوحة كتب عليها مكتبة حي «…» ومما زاد الأمر غرابة أمام «عمر» هو مشاهدة المصلين يتجولون داخل أروقة مسجد الحي بعربيات ممتلئة بالخضار والفواكه والتموينات المنزلية متجهين للمحاسبة عند بوابات المسجد.. شعر «عمر» بأنه يوم غير عادي!. وأن هناك شيئا ما قد حدث بالفعل.. فعاد إلى منزله وأعد له كوبا من الشاي وجلس أمام التلفاز لعله يجد شيئا ما يفسر ما شاهده خلال الساعات القليلة الماضية.. فإذا بحلاق الحي يقرأ نشرة الأخبار متفاعلا مع أبرز الأحداث الدولية!. يجد المثقف نفسه اليوم في سردية أشبه ما تكون بقصة «عمر»، عديد من المؤسسات الثقافية، ولكنها تعيش ضبابية في رؤيتها ورسالتها حتى عند أهم ممثليها.. تخرج عن صمتها في كل مرة لتنافس بضراوة المؤسسات الأخرى دون حدود جغرافية تحفظ لها هويتها البصرية على الأقل .. يختلط الحابل بالنابل أمام هذا المثقف فيشعر تماما وكأنه يدخل بقدميه إلى محل للكماليات « كل ما تريده تحت سقف واحد»، «الوفرة على حساب الجودة»، «الجميع خارج الصورة».. ستدرك شعور «عمر» عندما ترى مؤسسة ثقافية معنية «بالموسيقى» مثلا، لكن قوامها ومن هم في إطار الصورة الجماعية هم نخب من المفكرين، العازفون خلف الستار!!.. أو عندما تحملك نفسك التواقة إلى مؤسسة ثقافية معنية بفن الطهي مثلا، لتجد إطار الصورة الجماعية لا يتسع إلا لنخب من الفناين الممثلين، المطابخ في الداخل!!.. أو عندما تود التعرف على مؤسسة ثقافية معنية بالفن التشكيلي مثلا، وتغيب الصورة الجماعية ملامح الرسامين ليحل محلهم داخل إطار الصورة نخب من الإعلاميين، اللوحة تتحدث عن صاحبها!!. نحن على يقين بوجود أفراد متعددي المواهب، وقد تكون بنفس الكفاءة، لكن المؤسسة متعددة المواهب مربكة!. عاد» عمر» وعدنا معه للمربع الأول من قصته ليعرف أن السبب وراء كل ما حدث معه إنما هو لأنه سكن في منطقة جغرافية ليست بالصحيحة.. فقرر أن يحمل أمتعته ويغادرها لمنطقة أفضل.. نعم.. إلى حي «النسيم» في «لندن»!!.
مشاركة :