تمر هذه الأيام ذكرى الانقلاب الوحشي على النظام الملكي الهاشمي في العراق في 14 تموز 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم. شهدت خمسينيات القرن الماضي، بدايةَ موجة وموضة الانقلابات العسكرية العربية، التي ضربت بالبيان رقم واحد، وطنَنا العربي بحجة إنقاذه من الرجعية والإمبريالية وتحرير فلسطين!! استولى الضباطُ الأحرار على السلطة والفضاء والهواء، وهشّموا وجرّفوا وهمّشوا، البُنى القانونية والدستورية والعسكرية والنيابية والحزبية والإعلامية العربية، وبنوا جمهوريات الخوف العنيفة، التي مارست، أعتى وأقسى أشكال الاضطهاد والعسف. شَهِدنا ظاهرة زعامة العميد والعماد والعقيد والبكباشي واليوزباشي والصاغ والصول، التي حلت محل القيادات العسكرية العربية المحترفة العظيمة. تقاسم الضباطُ الأحرار السلطات، وحكموا الأمةَ بتفرد مطلق، اعتمادًا على بطانات تماثلهم في الشراهة والعنف. تم سحق التعددية السياسية وتكميم الأفواه وتحطيم الأقلام وإغلاق الصحف وبناء المعتقلات، تحت ظلال الشعار الاستفرادي المخادع «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» !! سادت مصطلحات الحزب القائد، والزعيم الضرورة، والرئيس الخالد إلى الأبد، على غرار نماذج ستالين وكيم ايل سونغ وبول بوت. أشاد الضباط الأحرار حكمًا مطلقًا ليس فيه رقيب و لا حسيب، لا برلمانات، ولا صحافة، ولا أحزاب، وكان كل من خالف القادة الملهمين، خائناً، عميلاً، عدوّاً للحزب والشعب والثورة. وانتقل المجتمع العربي من حكم الثورة، إلى حكم الحزب الواحد، إلى حكم القبيلة، وانتهى إلى حكم العائلة. تقاسم الثوارُ السُلطة، كلّ السلطة، من قيادة الجيوش، إلى قيادة الصحف وحتى رئاسة الجامعات !! صحيح أنهم انقلبوا على أنظمة حكم، شابها فساد واستبداد وإقطاع، لكن الضباط الأحرار أصبحوا أشد استبدادًا وفسادًا ووحشية، وأعدموا أكثر من أعدموا، رفاقَهم الضباط. وسقطت مزاعمُهم بتحرير فلسطين !! فالمجتمعاتُ العربية محطمةٌ، والجنرالاتُ المحترفون مبعدون عن قيادة الجيوش، فقد جرى «تنطيط» العقيد القذافي وعلي عبد الله صالح وعبد الحكيم عامر وعبد السلام عارف وحسين كامل وعلي حسن المجيد، رتبًا عسكريةً متلاحقة، ليصبحوا قادة جيوشهم !! استشهد في الانقلاب المشؤوم إبراهيم هاشم نائب رئيس وزراء الاتحاد الهاشمي وسليمان طوقان وزير دفاع الاتحاد. الدستور
مشاركة :