يقضي الفنان الفلسطيني باسل المقوسي ساعات طويلة يوميا في خيمته الصغيرة التي أقيمت في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ليرسم لوحاته التي تحاكي الوضع المزري في القطاع الذي مزقته الحرب الإسرائيلية. ولم يصدق المقوسي (45 عاما) وهو أب لخمسة أبناء رغم مرور 9 أشهر على الحرب أن القطاع الساحلي قد دمر وأنه، مثل جميع الفلسطينيين، فقد حياته العادية في المنطقة. ويشكو الفنان الفلسطيني في حديث مع وكالة أنباء ((شينخوا)) "على مدى أيام الحرب المتواصلة منذ السابع من أكتوبر الماضي اضطررنا لنكون في سباق مع الموت طوال الوقت بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة". ويضيف المقوسي الذي اضطر للنزوح مرات عديدة هربا من الموت وبحثا عن مكان آمن "في كل مرة اضطررنا للنزوح، فقدت بعضاً من مشاعري الإنسانية وآمالي بالعودة إلى حياتنا يوماً ما ونتيجة لذلك تغيرت شخصيتي بسبب الضغط النفسي الذي نعاني منه". المقوسي أصبح أكثر عصبية ولا يستطيع التحكم في ردود أفعاله ولهذا قرر التخلص من ضغوطه الداخلية من خلال اللوحات، فقرر أن يترجم غضبه ومخاوفه ويأسه وحتى الواقع في غزة من خلال رسم الأعمال الفنية. كان المقوسي قبل الحرب يرسم لجمال غزة وطبيعتها لكنه لا يستطيع إلا أن يتطرق إلى الحرب وأوضاع العائلات الفلسطينية النازحة من منازلها في غزة والشمال إلى مناطق جنوب القطاع. وقال "حاولت كثيراً أن أستعيد طاقتي الإيجابية، لكن للأسف لا أستطيع إلا أن أترجم ما يحدث حولي وأعكس الواقع المزري من حولنا". يوماً بعد يوم، بدأ المقوسي يرسم عن الحياة الإيجابية والأمل، حيث كان يرسم أطفالاً يلعبون على الشاطئ بينما يتجمع آخرون لتناول طعام الغداء على الرمال. وتابع "ابتسامات الأطفال شجعتني حقاً على اللحاق بالأمل من جديد (...) وبعد العشرات من رسم مثل هذه اللوحات، شعرت أنني استعدت طاقتي الإيجابية". وفي محاولة لمساعدة الآخرين على التخلص من طاقتهم السلبية، قرر المقوسي إطلاق مبادرته الخاصة بورش الرسم لتعليم الأطفال الرسم. لكن مهمته لم تكن سهلة أساساً لأنه لم يكن يملك الأدوات اللازمة للرسم مثل ألواح الرسم والدهانات وحتى المكان المناسب، متحدياً العوائق، اشترى باسل بعض أدوات الرسم ليدعو مجموعته الأولى من الأطفال للرسم داخل خيمته. وقال المقوسي مبتسما "لقد صدمت عندما رأيت الأطفال يرسمون لوحات جميلة، البعض رسم بيوتاً جميلة مع عائلاتهم، وآخرون رسموا الأعلام الفلسطينية". وأضاف "شعرت أننا كشعب فلسطيني لدينا الطاقة الكاملة لمواصلة حياتنا حتى لو فقدنا كل شيء الآن، ولكننا سنعيد بناء حياتنا بمجرد انتهاء الحرب الحالية". وتشن إسرائيل حربًا واسعة النطاق على قطاع غزة للشهر التاسع على التوالي ردا على الهجوم العسكري الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على البلدات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع الساحلي في 7 أكتوبر الماضي . وفي هجوم حماس، قتل ما لا يقل عن 1200 شخص، واعتقل نحو 240 آخرين داخل قطاع غزة، بحسب الإحصائيات الإسرائيلية. ومنذ ذلك الوقت تفرض إسرائيل حصاراً مشدداً على القطاع وتمنع دخول الوقود إليه مما أثر سلباً على عمل المستشفيات.
مشاركة :