حتى لا يعاتبني ابني

  • 4/26/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أجدني في العقد الخامس من عمري غير قادر على استيعاب وفهم تدفقات التقنية، صراعات سياسية، حروب إقليمية، ولا حتى ترقية أساليب اكتسابي لقمة العيش، فضلا عن حيرتي في فهم تقلبات (نفسياتي) تجاه متغيرات يوميات حياتي. تأتي هذه الحيرة كإتمامة لمحاولة فهم إرباك كبير، عريض، وطويل تخضع له مجتمعات تجتاحها موجات تنمية، تحضر، اتصالات، تداخل مع شعوب داخل الحدود أو خارجها، بما في ذلك عجزها عن المنافحة بقوة وشجاعة عن موروثها في مواجهة طوفان ثقافي قادم بقوة القانون، وصلاحية دولة. كان أعلاه، وبعد عمر طويل من المراقبة، محاولة للإجابة عن سؤال راودني كثيرا حول عدم قدرة الجمع الأكبر من كهول وعجائز أسرتي على أن يكونوا أصحاب ثروات مالية، أو أصحاب لغة بيضاء، وثقافة كافية لفهم التسارع التنموي العابر بهم أرضا وسماء، أو بمعنى آخر لماذا -ورغم استجابة كل شيء حولهم للمتغيرات- لماذا لم تلسعهم التنمية بقوة تمنحهم القدرة على الفهم قبل التنفع؟ كان الجواب الصادم، ولعله الصادق، أن التنمية كانت غير معنية بالشيوع، أي التأكد بأن كل مواطن واع تماما لما يدور حوله، وأن جزءا من مجتمعه يصعد إلى آفاق أوسع، كانت التنمية معنية فقط بالمشاركين فيها كأدوات، وليس كل الشعب كغاية، كانت التنمية جادة فقط بترقية الإنسان المشارك فيها (قطاع عام أو خاص) وهو ههنا مجرد أداة وليس هدفا. يذهب بي ذلك إلى أهمية أن يكون برنامج (التحول الوطني) عادلا لناحية أهمية وعي كل مواطن -مشارك في عجلة التنمية أو خارجها- مدرك لمنافع البرنامج، قادر على الانتفاع من القفزة الحضارية المرتقبة، بدرجة تساعده على قبول كل اشتراطات برنامج التحول على الفقير والثري. تتجه بوصلة القول أعلاه إلى سكان القرى، أكرر سقط إنسان القرية من مشاريع تنمية العقود الماضية، فالمدن الكبرى والصغرى تمتلك أدوات تغيير كافية على عقلية كل وافد إليها، كذلك تتجه لنا نحن كبار السن الواجدون صعوبة في لعب (البلايستيشن) فضلا عن استيعاب مشروع يقول إن السعودية تنوي لبس حلة اقتصادية، ثقافية، إدارية، تنظيمية، تعليمية، وحضارية تم تفصيلها لإنسان ما بعد ٢٠٣٠. أرجو أن يكون برنامج التحول الوطني مشمولا بخطة توعية تستهدف القرى والكهول، وكذلك ملايين الأجانب العاملين (أو النائمين) في السعودية، فأنا شخصيا أخشى أن أموت مثل جدي غير منتفع من موجة تنمية. يحاصرني قلق تجاه هذه الفكرة، أن أموت مثل جدي وأبي دون الاستفادة من متغيرات قادمة، فأنا قد يهمني أن يحصد ابني منافعها لكن يهمني أكبر أن أكون أنا صانع جزء من هذه المنافع له، ولا أريده أن يكرر ضدي ما قلته في صدري تجاه جدي وأبي (ضيعوها وضيعونا) كناية عن اعتقادي بأنهم اختاروا الفقر والجهل حياة لهم وورثا لنا. أقول يا أيها (التحول الوطني) بارك الله في قدومك، زرنا في قرانا، تداخل مع طعامنا وشرابنا وأدويتنا، نريد أن نراك فينا كما نراك على غيرنا، فأنت لنا كلنا.

مشاركة :