المكلا: الخليج طوت محافظة حضرموت المسالمة والغنية بالثروات النفطية والسمكية (شرقي اليمن)، حقبة عام كامل من إرهاب تنظيم القاعدة الذي كان يسيطر على مدينة المكلا وساحل حضرموت منذ ال 2 من شهر إبريل من العام الماضي 2015، وتعتبر المكلا عاصمة حضرموت ومركز ساحل حضرموت. تم تحرير مدينة المكلا ومدن حضرموت الساحل، أمس الأول الأحد، خلال العملية العسكرية والأمنية الشاملة التي نفذتها قوات الجيش والشرطة والنخبة الحضرمية مدعومة من قوات التحالف العربي التي شنت مقاتلاتها سلسلة غارات جوية استهدفت مواقع القاعدة، وأسفرت عن تكبيد الإرهابيين خسائر بشرية ومادية فادحة، وذلك بالتزامن مع عمليات مماثلة في إطار حرب القوات اليمنية والتحالف ضد الإرهاب في محافظات جنوب البلاد ومنها عدن ولحج وأبين، وسط تأييد وترحيب رسمي وشعبي واسع من القيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي والمسؤولين الحكوميين ومختلف فئات وشرائح المجتمع الحضرمي. وبدت مدينة المكلا والمناطق المجاورة لها خالية من أي حضور مسلح لعناصر تنظيم القاعدة، وانتشرت محلها قوات الجيش والشرطة ورجال حضرموت معززين بالآليات والمركبات المدرعة في التقاطعات والشوارع الرئيسية والفرعية الرابطة بين المناطق والمدن والمديريات السكنية لتأمينها بشكل كامل. سيطرة وتخاذل وسيطر تنظيم القاعدة على المكلا وما جاورها يوم الثاني من ابريل/نيسان العام الماضي، عقب نجاح عناصر إرهابية في اقتحام السجن المركزي بالمكلا وإخراج الإرهابي البارز خالد باطرفي، من السجن والانتشار بمختلف المناطق والمدن في ليلة مرعبة لم تخل من الانفجارات العنيفة والمواجهات المسلحة المحدودة في أنحاء مختلفة من المكلا، بين عناصر القاعدة من جهة ورجال الجيش والشرطة الشرفاء من جهة أخرى الذين حاولوا التصدي لسيطرة الإرهابيين على المكلا، وسط تخاذل بعض قادة المنطقة العسكرية الثانية مركزها المكلا وهم من القادة العسكريين المحسوبين على الانقلابيين التابعين للمخلوع علي عبد الله صالح وجماعة الحوثي، وانتهت تلك الليلة بإحكام العناصر الإرهابية التابعة ل القاعدة سيطرتها على المكلا وتوجه زعيمهم باطرفي إلى القصر الجمهوري وتنصيبه أميراً في المكلا. كما جاءت سيطرة عناصر القاعدة على ساحل حضرموت، مستغلة آنذاك انشغال قوات الجيش والشرطة والمقاومة بالمحافظات اليمنية في جبهات القتال بالحرب ضد الانقلابيين التابعين لجماعة الحوثي والمخلوع صالح، التي استباحت البلاد والعباد غير آبهة بالكوارث المترتبة على مستقبل البلاد. كابوس الإرهاب ووجدت مختلف فئات وشرائح المجتمع في مناطق ومدن ساحل حضرموت المعروفة بالمدنية والسلمية ونبذ ثقافة السلاح والعنف والإرهاب والتمسك بالوسطية والاعتدال والعلم والفن والحضارة، نفسها وسط كابوس إرهاب القاعدة تحت اسم الدين الإسلامي الحنيف البعيدة أحكامه وقيمه السمحاء كل البعد عن ممارسات عناصر التنظيم الذي شرعت خلال سيطرتها على المكلا وضواحيها بنهب المال العام من المصارف العامة والخاصة واستباحة المنشآت والمؤسسات العامة والخاصة وخصوصاً الاستراتيجية والحيوية والسيادية، وتسخير المقدرات لدعم وتقوية نفوذها وسيطرتها على أهم بقاع البلاد. وتسبب تواجد عناصر القاعدة في ساحل حضرموت بحالة من الخوف والقلق والرعب بين السكان والأهالي نتيجة الضربات والغارات الجوية التي كانت تستهدف عناصر التنظيم في مواقع مختلفة، كما عاشت المكلا وما جاورها خلال تواجد القاعدة أسوأ مراحلها تاريخياً نتيجة لتردي مستوى الخدمات الأساسية وخصوصاً الكهرباء وانعدام المشتقات النفطية في الجهات المحددة لها وتوفرها في السوق السوداء، الأمر الذي أثار حالة من الاستياء والغضب الشعبي إزاء ما وصل إليه حال محافظتهم حضرموت التي تعد منبع النفط الخام في البلاد. انتفاضة ضد القاعدة ولم تمر أيام معدودة حتى شهدت المكلا والمناطق والمدن المحاذية لها انتفاضة وتحركاً عسكرياً مناهضاً لتواجد القاعدة ويطالب بمغادرة العناصر الإرهابية، وكاد أن يتحول ذلك التحرك العسكري إلى معركة أشبه بحرب شوارع بين قبليين حضارم وعناصر القاعدة، لولا تدخل بعض العقلاء والشخصيات الاجتماعية في محاولة منهم لنزع فتيل الحرب بين الجانبين، حيث عُقد عدد من اللقاءات بين بعض الجهات والمكونات في حضرموت وممثلي القاعدة، وخرجوا باتفاق على خروج العناصر والأسلحة التابعة ل القاعدة إلى خارج مدينة المكلا، وتشكيل مجلس أهلي يضم مختلف أطياف حضرموت لإدارة الحياة العامة والمدنية وتسليم المواقع التي سيطر عليها القاعدة إلى قيادة المجلس الأهلي الذي كان يرأسه الشيخ المهندس عمر بن الشكل الجعيدي، وسط تردد معلومات عن موالاة بعض الشخصيات من قادة وأعضاء المجلس الأهلي، لتنظيم القاعدة والعمل على تنفيذ أجندة وخدمة مصالح التنظيم الإرهابي. تمدد وممارسات الإرهابيين وافق القاعدة على مخرجات تلك اللقاءات شكلياً، ولكنه لم ينفذ بنودها فعلياً على أرض الواقع، حيث ظلت سيطرة وتمدد عناصر القاعدة على مداخل ساحل حضرموت ومدينة المكلا في منطقتي ميفع حجر بروم من الجهة الغربية للمكلا الرابطة بين محافظتي حضرموت وشبوة ومنطقتي الشحر والغيل من الجهة الشرقية للمكلا الرابطة بين محافظتي حضرموت والمهرة ومفرق الريان ومنطقة العيون وهضبة عبد الله غريب التي تربط مناطق ومدن ساحل حضرموت بمناطق ومدن وادي وصحراء حضرموت، مع تعزيز رجال القبائل سيطرتها على الوادي والصحراء وقطعها الطريق أمام محاولات عناصر القاعدة التمدد في الوادي والصحراء والاقتراب والسيطرة على المواقع النفطية. وواصلت عناصر تنظيم القاعدة تعزيز تواجدها في المكلا وساحل حضرموت بسيطرتها الكاملة على القصر الجمهوري ومبنى السلطة المحلية والمطار والميناء وقيادة المنطقة العسكرية الثانية والبنك المركزي والإذاعة وإدارة المرور ومركز بلفقيه الثقافي والمؤسسة الاقتصادية والمجمع القضائي وغيرها من المواقع الأخرى في مدينة المكلا وميناء الضبّة النفطي في مدينة الشحر، وعدد من مباني السلطات المحلية في مناطق ومدن الساحل. وكانت تمارس تلك العناصر الاعتقالات وملاحقة القادة العسكريين والأمنيين والناشطين السياسيين والإعلاميين التي كانت تخشى من تحركاتهم ضدها، كما قمعت الاحتجاجات المناهضة لها والمطالبة برحيلها وتوفير الخدمات والصحة والتعليم. وطوال تلك الفترة، نفذ الإرهابيون عمليات إعدام وأحكام جائرة بحق عدد من الأشخاص بينهم نساء بتهمة السحر والشعوذة والزنا والسرقة، حتى إنهم أعدموا اثنين من عناصرهم أحدهم يحمل الجنسية السعودية في المكلا بتهمة التجسس لصالح المخابرات الأمريكية والتورط في مقتل زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة واليمن ناصر الوحيشي، بغارة جوية. ورغم ادعاء القاعدة تسليم المنشآت الحيوية للمجلس الأهلي وتحديداً المطار والميناء وبعض المواقع العسكرية في المكلا، إلا أن الغارات الجوية للطائرات الأمريكية من دون طيار ضد تجمعات وتمركز عناصر القاعدة كشفت زيف وكذب تلك الادعاءات حيث قُتل وجُرح العشرات من قادة وعناصر القاعدة في تلك المواقع. استفزاز حضرموت وقامت العناصر الإرهابية بتنفيذ سلسلة من الأعمال والممارسات المستفزة لسكان حضرموت وتمثلت في تدمير وهدم عدد من المقامات والأضرحة التاريخية والأثرية في مناطق ومدن ساحل محافظة حضرموت أبرزها المكلا، حيث يصل عمر بعض المقامات والأضرحة لنحو 600 سنة وجميعها تابعة للجماعة الصوفية، ومنها هدم المقام والقبة الأثرية لولي الله الشيخ والفقيه مزاحم بن أحمد باجابر، الذي يعود تاريخه لنحو 600 سنة، في منطقة بروم، وقبتي يعقوب والمحجوب الواقعتين وسط مدينة المكلا، وتعد قبة الشيخ يعقوب بن يوسف باوزير من أقدم معالم مدينة المكلا ويعود تاريخها للقرن السادس الهجري، والشيخ يعقوب هو أحد علماء التصوف هاجر من بغداد وتوفي ودُفن في المكلا سنة 553 ه، ثم أقيمت حول ضريحه مقبرة سُميت باسمه مقبرة يعقوب، وقبة الحبيب حمد بن صالح، بمديرية الشحر، وأضرحة آل باوزير في مدينة غيل باوزير شرق مدينة المكلا، وخمسة قبور في ثلاث قباب تاريخية تعود للسلطان عوض القعيطي والعلامة عبد الله الحداد والعلامة الحامد وقبة مسجد بازرعة وتابوت الحبيب أحمد بن محسن الحداد، كما تم هدم قبور رمزية للصينيين الذين ساهموا في بناء الجسر الصيني بمدينة المكلا، إلا أن تنظيم القاعدة اعتبر هدم القبور الرمزية للصينيين أنه عمل فردي لا يُعبر إلا عن صاحبه، ولم يعلق على أعمال هدم وتدمير الأضرحة والمقامات الأثرية والتاريخية. إدارة الحِسبَة وبعد أشهر من انتشارها في حضرموت الساحل، أنشأت قيادة القاعدة في ساحل حضرموت إدارة حديثة في مدينة المكلا أسمتها بإدارة الحِسبَة، واختارت مبنى المجمع القضائي بالمكلا مقراً لها، حيث تعمل وفقاً لمبادئ مزعومة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقوم عناصر القاعدة بموجبها بالانتشار في شوارع وأحياء المدينة للقيام، حد زعمهم، بمحاربة المخالفات الشرعية وتنفيذ حدود الله على المخالفين لها، والحد من انتشارها، والطواف بسيارات تابعة لهم في الشوارع والدعوة عبر مكبرات الصوت وقت الصلوات الخمس المفروضة إلى إلزام أصحاب المحال التجارية بالإغلاق ومتابعة المارة ومطالبتهم بضرورة التوجه للصلاة في المسجد. تضييق مذهبي كما ضيقت الجماعة ذاتها على إحياء المذهب الصوفي يوم ختم المسجد في المكلا وعموم ساحل حضرموت وهي من المناسبات الدينية التي اعتادت جماعة الصوفية منذ القدم إحياءها سنوياً خلال أيام شهر رمضان الكريم في مساجد حضرموت، حيث تتضمن طقوس المناسبة التي يتم كل يوم إحياءها بجانب عدد من المساجد وتبدأ من بعد صلاة فريضة العصر وتستمر حتى مساء اليوم ذاته، تنظيم احتفالات والسير بالبيارق وترديد الأناشيد والأهازيج المصحوبة بضرب الطبول التقليدية وأبرزها الدف، وانتشار باعة الحلويات والمكسرات وألعاب الأطفال واللعب على المراجيح، وتبادل زيارات العائلات لبعضها بعضاً لتناول وجبة الإفطار سوياً والمشاركة في إحياء مناسبة الختم بمناطقهم. ومع الصعوبات التي واجهت الصوفية في إحياء تلك المناسبة، اقتصر إحياؤها عام 2015، على الزيارات العائلية وخروج الأطفال برفقة أسرهم لشراء الحلوى والمكسرات والألعاب، دون غيرها من الطقوس الحقيقية ليوم ختم المسجد.
مشاركة :