الأسلحة النووية.. أكذوبة العصر

  • 7/22/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ خمسينات القرن العشرين وطوال سنوات الحرب الباردة وحتى الآن، تتصور دول العالم أن امتلاك السلاح النووي هو أفضل وسيلة لردع الأعداء والخصوم، وعلى هذا الأساس نرى القوى النووية الكبرى، وهي: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، والقوى النووية الأصغر سواء المعلنة أو المعروفة على نطاق واسع دون إعلان، تستثمر بكثافة شديدة في تحديث ترساناتها النووية، لضمان قدرتها على الردع. لكن الأسلحة النووية تحولت إلى «أكذوبة العصر» وفقا للمحللين الأمريكيين: ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية بجامعة بن ستيت برانديواين، ومؤلف كثير من الكتب والمقالات في مجالات الأمن الدولي وسياسات الدفاع، ولورانس كورب الزميل الكبير في معهد «التقدم الأمريكي» والأستاذ المساعد في جامعة جورج تاون يريان، في تحليل نشره موقع مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية. قصة ناقصة يقول المحللان: سيمبالا وكورب، إن ما نراه الآن هو تزايد رغبة الدول والتنظيمات المسلحة غير الرسمية في خوض حروب كبيرة تقليدية وغير تقليدية، حتى لو كانت تستهدف مصالح دول نووية. وأظهرت التهديدات الأخيرة لمصالح الدول الكبرى وأمنها، أنه في غياب القدرة على الردع أو تحقيق النصر في الحروب التقليدية، أو التصدي للهجمات غير التقليدية ضد المصالح الحيوية، تصبح الترسانة النووية لأي دولة، من ناحية الفاعلية، مجرد قصة نجاح ناقصة، تغطي نقص القدرات العسكرية الحقيقية للدولة. ولكن هذه الرؤية التي يقدمها المحللان سيمبالا وكورب، بشأن عدم كفاية القدرات النووية على تحقيق الردع في الوقت الراهن، تصطدم برؤية تيار آخر يرى أن الأسلحة النووية تمثل رادعا ضد أي هجوم نووي ضدها أو ضد مصالحها الحيوية، كما تحميها من الابتزاز النووي من جانب دولة نووية، سواء لها أو لحلفائها. السيناريو الأقرب يرد سيمبالا وكروب على هذه الحجة بالقول، إن احتمال قيام دولة ما بشن هجوم نووي مفاجئ ضد دولة أخرى دون مقدمات، هو السيناريو الأقل احتمالا، في حين أن السيناريو الأقرب هو تحول حرب تقليدية إلى حرب نووية، خلال لجوء أحد طرفي هذه الحرب إلى البدء باستخدام السلاح النووي في أي مرحلة من مراحل هذه الحرب. ليس هذا فحسب، بل إن الدولة الأقرب إلى تحقيق النصر في الحرب التقليدية، سيكون احتمال لجوئها إلى البدء باستخدام السلاح النووي أقل من الدولة الأقرب للهزيمة. وغالبا ما سيكون قرار البدء باستخدام السلاح النووي، هو لإنقاذ موقف خاسر في حرب تقليدية. في المقابل، لا يمكن استبعاد رد الدولة الأخرى على الهجوم النووي بهجوم مماثل، وهو ما يعني أن الدولة التي بدأت باستخدام السلاح النووي فتحت عن عمد، الباب أمام تصعيد نووي غير محسوب العواقب. فشل الردع يمكن القول، إن الحرب الروسية ضد أوكرانيا نموذج على فشل نظرية الردع التقليدية الحالية، إذ يتصاعد القتال من ناحية الخسائر الاقتصادية والبشرية، ويفتح الباب أمام التحول إلى حرب نووية. وقد أدى الدعم الكبير الذي يقدمه حلف شمال الأطلسي (ناتو) لأوكرانيا وصلابة مقاومتها، إلى استمرارها في التصدي للغزو الروسي. في الوقت نفسه، فإن براعة أجهزة مخابراتها وكفاءة قادتها التكتكيين في نشر القوات حرم روسيا، من الاقتراب من تحقيق النصر بقدراتها العسكرية التي تفوق أوكرانيا كثيرا، من حيث العدد والعدة. ودفع عجز روسيا عن تحقيق النصر بالوسائل التقليدية مسؤوليها ـ بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين ـ إلى التلويح باستخدام السلاح النووي. وكما فشل الردع التقليدي لحلف الناتو في منع روسيا من غزو أوكرانيا في فبراير 2022، فشلت روسيا في قهر المقاومة الأوكرانية التي تستطيع مهاجمة الأراضي الروسية بالطائرات المسيرة والصواريخ. مقبرة غزة الحقيقة أن الجمود في الموقف العسكري سيفتح الباب، إن عاجلا أو آجلا، أمام الوصول إلى اتفاق سلام عبر المفاوضات، مهما كان رفض المتشددين على الجانبين لمثل هذا السيناريو. وهناك نموذج آخر على عجز الترسانة النووية عن تحقيق الردع، ما لم يكن إلى جانبها قدرات عسكرية تقليدية قادرة على الانتصار في الحرب، وهو نموذج حرب غزة، فإسرائيل النووية لم تستطع ردع حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من مهاجمتها في يوم 7 أكتوبر الماضي، بسبب فشل قدرات الردع التقليدية لدى إسرائيل بما في ذلك أجهزة مخابراتها الاستراتيجية. كما أن إيران تطمح في الانضمام إلى نادي الدول النووية، في حين لا يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل قادرتان على ردع إيران عن مواصلة برنامجها النووي، باستعانتهما بتهديد تقليدي قوي. تآكل القدرات في الوقت نفسه، فإن امتلاك إيران سلاحا نوويا يمكن أن يدفع دولا أخرى في الشرق الأوسط، إلى السعي نحو امتلاك سلاح نووي، لضمان قدرتها على تحقيق توازن الردع. والحقيقة أن الولايات المتحدة لا تستطيع شن حرب شاملة ضد إيران، كما فعلت عام 2003 ضد العراق ورئيسها الراحل صدام حسين. النووي أكذوبة.. لماذا؟ لا تستطيع الدول استخدامها في الردع رغم امتلاكها. تهدد دائما الدول بالسلاح النووي لكنها تفشل في تحريكه. استخدام النووي قد يسهم في إبادة صاحبه قبل الأعداء.

مشاركة :