"قبر الحياة" دراما مغربية عن مشاكل الاحتيال العقاري وتأثيراتها في المجتمع

  • 7/24/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يسلط المسلسل المغربي “قبر الحياة” على إشكال انتشر بكثرة في صفوف شباب المغرب المقبلين على الزواج، وهو تعرضهم بسهولة للاحتيال والنصب العقاري، لرغبتهم الملحة في اقتناء شقق ومنازل يحلمون بأنها ستصبح عشا للزوجية لكنها تفتح عليهم أبواب مشكلات لم تكن في الحسبان. الرباط - تدور أحداث المسلسل المغربي القصير “قبر الحياة” للمخرج يونس الركاب حول شخصية عماد الذي يقرر أن يشتري شقة في مشروع عقاري جديد مفاجأة لزوجته، لكن سرعان ما يكتشف أنه وقع ضحية لعملية نصب؛ حيث تكتشف زوجته الحقيقة ما يدفعها إلى طلب الطلاق بسبب إخفائه للأمر، وفي سعيه لاسترجاع أمواله ينضم عماد إلى باقي ضحايا الاحتيال العقاري في محاولة لمواجهة النصب، لكنه يتورط في جريمة قتل صاحب المشروع ويصاب بجروح. المسلسل من سيناريو نبيل المنصوري وبطولة كل من أيوب أبوالنصر وحسناء مومني وهشام إبراهيمي وسحر الصديقي ومراد حميمو ورشيدة منار. يمثل مسلسل “قبر الحياة” أحدث إنتاجات الدراما المغربية ويتمحور حول الصراعات الزوجية وتأثيرها الكبير على مجريات الحياة الاجتماعية، إذ يواجه البطل مشاكل معقدة بعد أن يقع ضحية لعملية نصب أثناء شراء شقة ضمن مشروع عقاري طموح، فتتحول هذه البداية البسيطة بسرعة إلى سلسلة من الأحداث المأساوية التي تهدد بتفكيك حياته بأكملها. يعكس المسلسل بعدا اجتماعيا يبرز من خلال التركيز على قضايا الاحتيال والنصب التي يعاني منها شباب المغرب، خاصة المقبلين على الزواج، ولكن المعالجة الدرامية لهذه القضايا تغفل عن تقديم الحلول العملية أو توعية الجمهور بطرق تجنب هذه المشكلات، ما قد يجعل القصة تفتقر إلى العمق الاجتماعي المطلوب. ت ومن الناحية النفسية تبرز المشاهد الضغوط الهائلة التي يتعرض لها البطل، والتي تؤدي إلى تحوله من شخص متفائل إلى شخص محبط ومكسور الخاطر، لكن يغيب عن السيناريو تقديم تحليل عميق للتحولات النفسية التي يعيشها عماد، وهذا يجعل الشخصيات تبدو أحيانًا أحادية الأبعاد وسطحية. ويتناول السيناريو الجانب الاقتصادي، وتحديدا قضية المشروعات العقارية الطموحة والمخاطر المالية المرتبطة بها، إذ يحاول المخرج تقديم نقد مفصل للنظام الاقتصادي والسياسات التي تسمح بحدوث عمليات احتيال، ويعزز العمل بتضمين جوانب تحليلية تكشف عن الثغرات النظامية وتقدم نقدًا بنّاء للوضع الاقتصادي من أجل تقديم رؤية متكاملة وشاملة تعكس تعقيدات الواقع بشكل أكثر دقة وواقعية. ويتميز هذا المسلسل القصير بأداء تمثيلي معقول، حيث يعكس البساطة في تجربة الشخصيات في مجمل أبعادها، إذ يلعب الممثل أيوب أبوالنصر دور عماد بجدارة؛ فقد نجح في تجسيد الضغوط النفسية التي يمر بها بعفوية. من جهة أخرى تضفي الممثلة حسناء مومني التي لعبت دور سناء (زوجة عماد) تعبيرات دقيقة حول تفاصيل حياة الزوجة المنكسرة، ما يعزز البعد الإنساني للشخصية ويزيد من تعاطف الجمهور معها. وتأتي الممثلة القديرة نزهة بدر لتضيف لمسة درامية رصينة تعبر عن الكفاءة المهنية التي ميزتها طوال سنوات عملها في المجال الفني، أما الممثل هشام الإبراهيمي، الذي قام بدور عزيز، فقد أعاد إلى الشاشة حضور الممثل المغربي البارز الذي غاب طويلا، إذ يعتبر هشام من رواد التمثيل في المغرب. ويعود الممثل الصديق مكوار بدور والد سناء بأداء متزن وخطوات محسوبة، حيث شاهدناه في السنوات الأخيرة في أدوار مختلفة ومتنوعة. أما الممثل الشاب مراد حميمو فإنه لم ينل حقه كاملا من الأدوار البطولية، على الرغم من أدائه القوي ومتعدد الأوجه الذي يذكرنا بأداء الممثل المغربي الراحل محمد البسطاوي، الذي لا يزال الجمهور المغربي يفتقده. مراد حميمو يستحق المزيد من الفرص لإبراز موهبته الكبيرة في التمثيل. المسلسل يعكس بعدا اجتماعيا يبرز من خلال التركيز على قضايا الاحتيال التي يعاني منها شباب المغرب وأحدثت الموسيقى التصويرية للمسلسل جدلا بسبب تشابهها الملحوظ مع موسيقى فيلم “بين النجوم” للموسيقار هانز زيمر والمخرج كريستوفر نولان، حيث أن هذا التشابه قد يؤثر سلبا على تجربة المخرج يونس الركاب في الدراما، خاصة وأن الموسيقى التصويرية في العديد من الأعمال المغربية تقتبس بشكل غير مبتكر ولا تدعم الخصوصية والهوية المغربيتيْن بشكل فعّال. ويتميز المخرج يونس الركاب بقدرة على التعبير عن التوترات والمشاعر المتضاربة للشخصيات بشكل بسيط وواضح، كما يتجلى في مسلسل “قبر الحياة”، إذ يحاول الركاب تحقيق توازن بين الأبعاد الدرامية وصقل الحبكة الرئيسية ما يعكس براعة في إدارة القصص المعقدة بتقنية عالية. وعلى الرغم من اشتغال الركاب في مجال الدراما والتلفزيون، أظن أنه في السينما قد يتفوق على الدراما إذا اشتغل عليها بجهد أكبر، إذ تظل السينما المجال الذي يمكن أن يحقق فيه الركاب مزيدًا من التألق، حيث أظهر في فيلم “أوراق ميتة” أن قدراته ستزدهر أكثر في السينما مقارنة بالدراما التلفزيونية. ويعد فيلم “أوراق ميتة”، الذي أخرجه يونس الركاب عام 2015، مثالا بارزا على مهارته في معالجة المواضيع النفسية والدرامية؛ حيث يعرض الفيلم قصة زهرة، وهي فنانة استعراضية تعمل في معهد للرقص، التي تستعد لحفل راقص في نهاية السنة لكنها تعيش صراعات نفسية معقدة تتعلق بماضيها المظلم، بينما يلاحقها رجل ذو ملامح مشوهة ومخيفة. وتفوق الفيلم في تصوير حالة الارتباك والخوف التي تعاني منها زهرة، ما جعله يبرز بوضوح عند مقارنته بالأعمال الدرامية التي أخرجها الركاب حديثا. ويعكس مسلسل “جمل النفاع” الذي أخرجه عام 2022 مجهودا ملحوظا في أسلوب العمل، إذ يسافر تاجر مواش من الريف إلى المدينة مصطحبا جملا صغيرا فقد والدته ويعتبره جزءا من عائلته. ويواجه التاجر مجموعة من المشكلات والمواقف المضحكة. تميز هذا العمل بتركيزه على الطابع الكوميدي والإنساني، ما جعله يختلف بشكل كبير عن الفيلم السينمائي “أوراق ميتة” الذي يتسم بالطابع الدرامي المكثف، وهو ما يمكن أن ينجح فيه المخرج لأن السينما تكون أقوى من المسلسلات عادة في إيصال الرسائل المكثفة لأن مساحة الحرية تكون أكبر في السينما بالمقارنة مع التلفزيون. أما مسلسل “ولد صفية” الذي أخرجه يونس الركاب عام 2017 فيبرز جانبا آخر من اجتهاداته. ويروي المسلسل قصة فتاة يغرر بها وتكتشف أنها حامل ما يدفعها إلى طلب المساعدة من والدتها، وعندما تقرر الفتاة البحث عن ملجأ للطفل تنتهي بتركه في منطقة مهجورة. وعكس هذا العمل عمقا دراميا وصراعا نفسيا مميزا، وهو يختلف بشكل واضح عن مسلسل “جمل النفاع” الكوميدي، ولكن ما يشترك في الأعمال الدرامية للمخرج المغربي يونس الركاب هو البساطة في الحبكة الدرامية، عكس أسلوبه في الفيلم السينمائي “أوراق ميتة”، لذلك نرجو أن نشاهد يونس الركاب في السينما بشكل مكثف في المستقبل القريب، فالسينما هي المجال الذي يمكن أن يحقق فيه الركاب أفضل إنجازاته، حيث يمكنه صقل موهبته وتقديم أعمال أكثر تميزا وفرادة مقارنة بالدراما التلفزيونية.

مشاركة :