يبدو أن الدائرة مثيرة للجدل والحوار والدهشة، فهي تشير إلى الأبدية والاستمرارية، وفي كل الثقافات فإنها تشير إلى الشمس والقمر والكون والكواكب، فالشكل الدائري يشكل الكمال والاستمرارية. الطواف لغةً هو: دوران الشيء على الشيء، واصطلاحاً هو: التعبد لله -عز وجل- بالدوران حول الكعبة على صفة مخصوصة، وهو عبادة لله؛ تُظهر الافتقار والتوجه بالقلب والجوارح إليه سبحانه، وهو الركن الثاني من أركان العمرة، ويقوم فيه المسلم بالطواف حول بيته الكريم -الكعبة- تعبداً لرب البيت وتقرباً إليه بما شَرع وهنا نجد الجاذبية أثناء الدوران للدخول بالقرب من الكعبة المشرفة، وتشكل الحركة الدائرية سلسلة من البشر مترابطة تقترب من الوسط أحياناً وتبتعد أحياناً أخرى حسب الجاذبية. وهنا أشير إلى العمل الفني الرائع للفنان أحمد ماطر حينما وضع مكعب مغناطيس ووضع في محيطه برادة الحديد كيف كانت تتحرك البرادة بشكل دائري منسجم، ويعد هذا العمل من أهم الأعمال الفنية المعاصرة في التشكيل السعودي. وما أن قرأت رواية شيفرة دافنشي للروائي دان براون وأنا أتخيل تلك الرموز التي ألهمته بالكتابة بعمق في لوحة الرجل الفيتوري للفنان ليوناردو دافنشي، وكيف بنى عليها المخرج رون هاوارد الحبكة الروائية وتجسيدها، انطلاق الجذب للفيلم من خلال حارس متحف اللوفر الذي هاجمه اللصوص وحين سقوطه على الأرض في بهو المتحف رسم بدمه دائرة وهو يغرق في وسطها، وكتب بعض الرموز السرية داخل الدائرة ليترك للمحقق البحث عن أسرار تلك الرموز واستقطاب خبير الرموز من الولايات المتحدة لفك تلك الرموز. أما الدائرة ورمزيتها في الفن فهي دلالة اللانهاية، وفي مدارس الفن الحديث استخدمت بشكل كبير كعنصر أساسي في العمل الفني فنجد أن الكثير من الفنانين يستخدم الدائرة للدلالة على مصدر النور، وتسكن الدائرة السماء من خلال قرص الشمس، أو القمر عندما يكون بدراً، وكان الفنان الهولندي فينست فان جوخ أكثر الفنانين استخداماً للدائرة في تكويناته وفي لمسة الفرشاة وحركتها الدالة على ديمومة الأداء. واستخدمت الدائرة في الفنون الإسلامية بشكل كبير وهي مرتبطة برسم الإنسان حيث يشكل في حركته نجمة خماسية تكون الدائرة، واستخدم الفنانون الدائرة منذ قرون، لما تتمتع به من بساطة، ودفع ذلك بعضهم لرســـــم دوائر عددية، مستفيديـــن من عدم وجود بداية أو نهايــــة لها، وقد يكون فنانو عصر النهضة هم الأكثر رسماً للدائرة للدلالة الرمزية للكون، بينمـــا استفاد البعض الآخر من كــثرة خطوط التناظــر فيهـا لينتــج بصريات مرئية، كما اكتشفت بعض التقنيات المستخدمة خلال العصور الماضية لإنتاج الفـــن الدائري، عندما استخدم الفنانون الدائـــرة كأفضــل طريقـة للوصـول إلى أهدافهــم في التزيين. وعلى سبيل المثال لا الحصر أن الفنان الهولندي فان جوخ الذي لا تخلو لوحاته من الدوائر، أحياناً تكون الشمس هي ركيزة الدائرة وتنطلق منها للسماء والأرض، وأحياناً تكون الدائرة هي الضوء بأي شكل من الأشكال الدائرية، وتكون السماء والحقول تميل في أعماله الفنية لحركة الدوران. وهنا سوف أتوقف قليلاً عند تجربتي الفنية، حيث تتكرر الدائرة في كثير من أعمالي الفنية منذ أكثر من أربعة عقود، فحينما يكون الموضوع مرتبطاً برمزية السلام، وكأن دلالتها ترتبط بالحياة والحب الذي لا حدود له، فالحب هي السلام، والسلام هم التسامح، وهكذا تكون حركة الدائرة تستوعب الكون كله، على عكس الأشكال الأخرى المحددة بزوايا مغلقة لا تسمح بالخروج من إطارها، ومن خلال تأمل بسيط لبعض الأعمال الفنية التي أنتجتها خلال فترات من الزمن وجدت الدائرة مرتبطة بجسد المرأة في تشكيلها الأنثوي.
مشاركة :