كتبت غير مرة عن أهمية الدور الذي يقوم به الطلاب الوافدون لطلب العلم والمعرفة في جامعات المملكة؛ فبالإضافة إلى أن نسبتهم من بين الطلاب السعوديين هي أحد معايير الاعتماد الأكاديمي الدولي للبرامج التعليمية داخل الجامعة والتصنيفات العالمية للجامعات، فإنهم بعد عودتهم لبلادهم يمثلون قوة ناعمة وسفراء لبلادنا الحبيبة خارج الوطن، وضربت على ذلك أمثلة حية، شاهدتها خلال رحلاتي الخارجية، أو التي كنت شاهدًا عليها خلال تشرفي بالعمل في جامعة أم القرى. حول هذا الموضوع تلقيت اتصالًا على هاتفي المتنقل، من أخي الكريم المؤرخ الدكتور (عدنان بن محمد الحارثي)، أستاذ التاريخ والحضارة، وعميد المكتبات السابق لأكثر من فترة في “جامعة أم القرى”، يشيد ويثني على ما خطيته في موضوع طلاب المنح الدراسية الأجانب في مؤسساتنا التعليمية؛ وذكر لي أنه خلال عمله في بحث عن المدارس المبكرة في المشرق الإسلامي.. كان لا بد له من البحث عن الدراسات السابقة من كتب وبحوث ورسائل علمية. وذكر أن من بين العناوين التي مرت عليه رسالة بعنوان: “الحياة العلمية في مدينة نيسابور” عاصمة مقاطعة خراسان خلال الفترة (290-548ه). والجميل في هذه الرسالة أنها من المخرجات العلمية لقسم التاريخ والحضارة الإسلامية في كلية الشريعة بجامعة “أم القرى” لعام 1421ه/2000م، وكانت تحت إشراف أ.د (مريزن سعيد عسيري).. وهو من العلماء الأجلاء والباحثين المميزين على المستوي العربي في تخصص الحضارة الإسلامية. أخذ الدكتور (عدنان الحارثي) يكيل الثناء العطر لهذا الأستاذ الأكاديمي السعودي الكبير، الذي كان أحد أسباب ظهور هذا العمل البحثي المميز، والذي بادر مشكورًا بتزويده بنسخة من هذه الرسالة. وبعد أن بدأت بقراءة الرسالة-والكلام للدكتور عدنان- والبحث فيها عما احتاجه من معطيات فوجئت بأمرين اثنين الأول: أن الرسالة تتميز بمستواها العلمي الرفيع فصاحة وأسلوبًا …ومنهجًا وتحليلًا.. فالباحث لم يترك شاردة ولا واردة من المعلومات المختلفة بما يخدم بحثه إلا وأوردها منقبًا في المصادر المختلفة التاريخية والتراجم والرجال من طبقات الفقهاء والمحدثين والبلدانيين وغيرهم.. متناولًا كل ذلك بمنهج تحليلي عميق. الأمر الثاني: اسم الباحث (محمد الفاجالو)، وكان من طلاب “جامعة أم القرى” الوافدين من إحدى الدول الإفريقية، وأنه درس في البداية في “معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها” بالجامعة، ثم أكمل دراسته بقسم التاريخ والحضارة الإسلامية في “كلية الشريعة” حتى حصل على درجة الدكتوراة عن هذه الرسالة المميزة. ومن طريف ما أخبرني به مشرف الطالب؛ إن طالبه (الإفريقي) سجَّل هذا الموضوع وشعره أسود، وعندما انتهى منه أضحى كله أبيض، وذلك ليس لطول المدة وإنما لكثرة ما تحمله هذا الطالب المُجد من أعباء هذا البحث المميز. الشاهد في الحكاية أن هذا البحث الذي لاقى انتشارًا واسعًا وكمًا هائلًا من الاستشهادات على المستوى الدولي، قام بإنجازه أحد طلبة المنح في قسم التاريخ بجامعة سعودية عريقة هي جامعة “أم القرى” التي تقع في أشرف البلاد وأطهرها بمكة المكرمة، ومن القسم الذي يغص بعلماء أجلاء كبار من أبناء المملكة، الذين قد يكون تم الاستغناء عن خدماتهم بحجة بلوغهم سن التقاعد.
مشاركة :