ثلاثة مربعات على الأقل يبدو أن العالم العربي يعود إليها حارقاً المراحل رغماً عنه، هي على التوالي: مفهوم الهوية وما علق به من شوائب بعد أن أعلن البعض وداع العروبة، وهؤلاء كانوا آخر من يعملون بالتناقض الذي وقعوا فيه، خصوصاً بعد احتلال العراق وسقوط نظامه السياسي، وكأن ذلك النظام كان آخر تجسيد تاريخي ووجودي للعروبة، وما لم يدركه من سارعوا إلى نعي القومية العربية فاتهم أن من دعوا إلى تجسيدها وتمثيلها والنطق باسمها لم يكونوا كذلك، وأحياناً تتسع الهوة بين الواقع والشعار بحيث تبدو التجربة برمتها أمثولة في الشيزوفرينيا السياسية. والمربع الثاني، هو مفهوم الوحدة، فمن تباكوا طيلة قرن على ما أنجزته معاهدة سايكس - بيكو من التقسيم وتشطير الهوية الأم، وإعادة رسم التضاريس وفق خطوط طول وعرض كولونيالية. أصبحوا الآن يشعرون بالحنين إليها لأنها على الأقل لم تقسم البلد الواحد إلى كسور عشرية طائفية ومذهبية! وكأن قدرنا هو الاختيار القسري بين ثلاثة سيناريوهات هي السيئ والأسوأ والأشد سوءاً. وحين تتحول سايكس - بيكو بعد قرن إلى مطلب قومي ووطني فإن دلالة ذلك أبعد من كل التوصيفات المتداولة ، بحيث نتذكر ذلك الشاعر الأندلسي الذي يشكر من حرمته من الوصال على ما أبقت، ولا يهجوها على ما أتلفت من كيانه العليل! أما المربع الثالث فهو الصراع العربي - الصهيوني، الذي كلما أوشك على وضع حد له عاد إلى أول السطر بل إلى أول الدم، لأن شروط الدولة العبرية لتحقيق حد أدنى من السلام الناقص تبدأ من المطالبة بالاعتراف بالتهويد سواء تعلق بالقدس أو بالدولة ذاتها! إن العودة إلى المربعات الأولى بعد قرن أو أكثر أو أقل تعني أن هناك بطالة مزمنة شملت العقل أيضاً، وشتان بين السير والمراوحة.
مشاركة :