هل من صوت عاقل يلمّ شمل شباب مصر؟

  • 1/13/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يكن مجرد مشهد لإلقاء القبض على شاب إخواني أو متعاطف أو متضامن مع «الإخوان المسلمين» عاكساً لمشهد سياسي يميزه تعقب أعضاء جماعة صنفت «إرهابية». لكنه –لمن يهمه الأمر– يكشف مشكلة ويعري مهزلة وينبئ بكارثة. الشاب الملتحي الذي يبدو أنه ينتمي إلى مستوى اقتصادي متوسط نسبياً ومكانة تعليمية جامعية، أبدى على رغم الإعياء والإنهاك الناجمين عن مطاردة قوات الأمن له في محيط محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي يوم الأربعاء الماضي، إصراراً غير مسبوق للدفاع عمن يعتقد إنه الرئيس الشرعي للبلاد وعما يؤمن أنه الطريق الوحيد لصلاح العباد، وهو الجهاد في سبيل «تحرير أمير المؤمنين». توجه الشاب، كما غيره ،إلى محيط المحاكمة مع علمه المسبق باحتمال اعتقاله وسجنه ورفع شارة «رابعة». المشهد الذي لم يستغرق سوى دقائق معدودة لم يلفت أنظار المحللين ولم يسترع انتباه المنظرين، ولم يقلق أذهان المصريين الغارقين في دوامات السياسة والعنف والاقتصاد والدستور والرئاسة وخريطة الطريق والعشوائيات والأسعار وقائمة طويلة آخذة في الازدياد من مشكلات الحياة اليومية التي أضيفت إليها مشكلات الاستقطاب الديني. وكشفت الأخيرة عن آثارها القبيحة على مدار عام من حكم الإخوان وعام ونصف من صعود نجم تيارات الإسلام السياسي التي تجذب شباب الجامعات وتؤثر في أقرانهم في القرى والنجوع والعشوائيات حيث لا ملجأ من دوائر الفقر المفرغة وقيود الجهل المطبقة إلا بالارتماء في حضن جماعة هنا أو تنظيم هناك. قواعد الجماعة المتمثلة في قطاع من شباب وشابات مصر الملقاة على عواتقهم مهمة الجهاد في سبيل الله والجماعة ومحمد مرسي لن تعيدها إلى صفوف الدراسة قوات الأمن، ولن يثنيها عن مسعاها حديث الإسلام الوسطي، ولن تصحح مسارها تهديدات الدولة أو كراهية بقية المواطنين. إنهم يؤمنون حتى الثمالة بأنهم على طريق الحق التي يزينها لهم مشايخهم بآيات قرآنية يحتكرون تفسيرها وأحاديث نبوية يبتكرون مناسباتها وأجواء إعلامية يبتدعون صدقيتها ومباركات أسرية تمنحها عائلات مؤمنة بسمو الغايات وعلو الأهداف. والأهداف المعلنة التي «يجاهد» من أجلها البعض من شباب الإخوان معروفة، لكن مداهمة الوقت وسخونة الوضع لم تسمحا لكثيرين بالتبحر في الجوانب النفسية والاجتماعية لهذه الأهداف. ويظهر الفيديو المحمل على موقع «يوتيوب» ثلاث فتيات «إخوانيات» ملثمات بلثام «رابعة» تقف اثنتان في الخلفية على جانبي راية التوحيد السوداء، والثالثة في المقدمة تقرأ بيان تأسيس حركة «طالبات» فتقول: «نعلن نحن حركة طالبات أبو حماد رفضنا التام لكل ما حدث من اعتقال وتعدٍّ بالضرب على إخواننا وأخواتنا الأزهريين، ونحثهم على أن يثبتوا ويكملوا المسيرة، وأننا سنساندهم دائماً، وسنظل نهتف ضد الظلم والطغيان». ويتابع البيان: «لن نصمت ولن نسمح بتكميم الأفواه، وما يحدث من اعتداء واعتقال لطلاب جامعة الزقازيق هو مهزلة بكل المقاييس، وإذا سكت الرجال عن الاعتداء العلني على الفتيات فنحن لن نسكت، وسنظل نهتف يسقط يسقط حكم العسكر، إحنا الطلبة الخط الأحمر». إثارة وتشويق، وجهاد وكفاح، ومعنى للحياة على الأرجح لم يتوافر من قبل، وأدوار فيها من «الروشنة» ما كان حراماً حتى الأمس القريب ومن السرية ما ظل حكراً على الأفلام البوليسية التي تعد مشاهدتها من المكروهات. «الحرائر» و «الأخوات» من طالبات الجامعات لم يسمع لهن صوت يوماً، ولم يعرف عنهن معارضة أو مغايرة أو مخالفة لأدوراهن المعدة سلفاً. لكن اليوم، فتحت أبواب المشاركة على مصاريعها، وأعطيت أدوات الإثارة كما لم تعط من قبل، ووزعت أقنعة «فانديتا» بعدما كانت رجساً شيطانياً. «شياطين ضد الانقلاب» و«بنات ضد الانقلاب» وغيرها من مجموعات شبابية إخوانية تتبع نظرية الانشطار النووي في تفجرها ضد انقلاب الإرادة الشعبية على حكم الجماعة قد تبدو للبعض أعمالاً صبيانية. وتنجلي للبعض الآخر على أنها أعمال تخريبية، ويتعامل معها فريق ثالث من دون أن يستوقفه المكون الإنساني لتلك الحركات وهذه الأفعال وتلك الفيديوات، وذلك في خضم الكراهية الشعبية المتفجرة للجماعة. الكراهية لن تدوم للأبد، والانبهار الإخواني الشبابي بحياة الإثارة حيث الوجوه الملثمة والشارات الممنوعة والبيانات الثورية والفعاليات الجهادية لن تستمر كثيراً، لكن ما سيدوم هو الوطن وما سيستمر طويلاً هو الآثار الناجمة عن تجاهل إعادة دمج شباب الإخوان وشابات الجماعة والمتضامنين معها ليكونوا مواطنين ومواطنات مصريين، مع العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجيال أصغر تنشأ في كنف عائلات إخوانية وفكر إخواني. وإذا كانت المهمات الموكلة إلى شباب الجماعة وشاباتها تتضمن إفساد الاستفتاء على مشروع الدستور، وسواء نجحوا في مهمتهم أم أخفقوا، سيظل الخطر القائم قائماً والتباعد بين ما تريده مصر وما يريده الإخوان متزايداً واستخدام الجماعة لشبابها وشاباتها مستمراً في ظل غياب أصوات رشيدة وعقول قادرة على الفصل بين جماعة تحرك شبابها وتضحي بهم في سبيل بقاء المرشد من جهة وبين مصريين غرقوا في غياهب «ثورة ما تمت» وجماعة شرعية وشريعة تحرق الوطن ومعه الحلول السلمية.    

مشاركة :