يحاصرني واقع لا أجيد قراءته، وأرى داء العظمة يزهر عند البعض، لكنه لا يثمر. وما تباهى أحدٌ إلا لنقص وجده في نفسه، ولا تطاول أحد إلا لوهن أحسه في جسده. هل من قبيل دس السم في العسل، أم ذر الرماد في العيون.. وإن كان لمراد لم نفهمه فهو الفساد بعينه. الفاسدون لن يبنوا وطنًا، إنما هم يبنون ذاتهم، ويفسدون أوطانهم. من هذه الجاهليات التي علت على حياة البعض تمييز بعضهم عن بعض، وصور النعرات القبلية التي تظهر بينهم من عصبيات متمثلة بالتفاخر بالأحساب والأنساب.. وما علموا أننا بتنا وأصبحنا وأمسينا في مجتمع صحي، ينبذ العصبية، يبني في اللحمة الوطنية، يساعد الغير على الخير. ليس من قبيل المصادفة أن تنشر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطعها وصورها التي تُصنف من قبيل التأثير في شريحة الشباب، والتأجيج المعلن كهدف مقصود. أنا على يقين بأن هناك الكثير من المقاطع المشبوهة التي يجري "طبخها"، والإعداد لها، ومن ثم تسريبها للنشر في وسائل التواصل. وما رأيناه وشاهدناه لا يعدو كونه مقدمات لسيناريوهات قادمة، لا نعلم على وجه الدقة ماهيتها، لكننا نكاد نجزم بأن "وراء الأكمة ما وراءها". فقد علَّمنا التاريخ أن الإرهاصات الإعلامية بكل صورها تعمل وفق خطط بعيدة المدى، وتستند إلى دراسات واستراتيجيات تهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف المرسومة مسبقًا، وهي أهداف لا تقوم على الخيرية المطلقة أو حسن النوايا، وإنما تراعي كيف نبدأ ومتى ننتهي وفق مصالحها المرتبطة بأكثر من كيان، من خلال تسويق على شاكلة الانتماء والدخول في دائرة الـ"دي إن إيه". مثل هذه العموميات والفرضيات يجب أن تُقرأ وتُحلل، ومن ثم طرح هذا السؤال: لماذا تتعمد بعض الشخصيات المجتمعية الظهور على حساب الآخرين، واعتماد أسلوب القول بشيء وهو يعني شيئًا آخر؟ ومَن يقدم طعنته بين الكلام المغطى بالورود؟! قد يقول قائل: مثل هذه الصور هي بمنزلة "بطر الحق وغمط الناس"، بمعنى: رد الحق واحتقار الناس، وهذا من الكِبر الذي يخالف هوى مَن يتعمد ذلك، ويحتقر الغير، وأنهم ليسوا على شاكلته، وكأنه الأعظم بينهم.. وتلك طبيعة الاحتقار!! مثل هذه المَشاهد والصور تولد البغض والكره، بل تسلب الفضائل وتُكسب الرذائل. وأحيانًا أقول: لا تقل الحقيقة لمن لا يرقى لمستواها. وصاحب هذه الفكرة مبغوض صاحبها، ممقوت من الناس؛ وهذا دليل على نقص في العقل والدين. ونعلم يقينًا بما عبّر عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنها جاهلية، وأخبر بأن هذا الأمر لن تتركه أمته حتى قيام الساعة، ولكن علينا أن ندرك خطورة ذلك، وألا ننساق وراء مَن يقلل من ذلك، أو يبرر لهم بأي طريقة؛ فالتبرير يُفسد التعبير، ويخرج الحقيقة من ماعون الإصلاح إلى قدح الإفساد!!
مشاركة :