تعد صناعة الخوص من الحرف اليدوية الشعبية، التي تميزت بها النساء قديماً في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنها تعتمد على تجديل الخوص ليشبه الضفيرة، ثم صنع احتياجاتهن المنزلية المتعددة، من تلك الجدائل الخوصية، ومنها السلال والحقائب والمكب، الذي يغطى به الطعام والصرود وغيرها من الاحتياجات التي تستخدم لأغراض عدة. وصناعة الخوص حرفة تناقلها الأجداد، لسد احتياجاتهم اليومية من الأواني والفرش وغير ذلك، وما زالت بعض الأسر الإماراتية حتى اليوم، تتخذ منالخواصة حرفة تمتهنها، وتجتهد في تطوير منتجاتها، وتطعيمها بتصاميم جديدة، وأحجام وألوان مختلفة، حيث انتشرت هذه الحرفة في القرى القريبة من الواحات، حيث تكثر مزارع النخيل، إذ يتاح لمحترفي هذه المهنة الحصول على الخوص من دون عناء، ولعل إمارة الفجيرة من أشهر المناطق في هذه الحرفة، التي باتت الآن صناعة تراثية تقتنى، تعبيراً عن روح الماضي الجميل للإماراتيين، وصناعة تقع في أولويات اهتمامات السياح، كما تحتل مساحات واسعة بين العناصر التزيينية في الديكور الحديث، كونها تمتاز بخفتها وبإضفائها البساطة والجمال على المكان، فضلا عما تحمله من ملامح أصالة الآباء والأجداد، وبلغت تلك الصناعة من الحضور المؤثر لدرجة أصبح يقام لها العديد من المهرجانات لإبرازها، وللتعرف أكثر إلى صناعة الخوص، كان لنا هذا التقرير: مراحل الوالدة عفراء اليماحي أم راشد من منطقة الطويين بالفجيرة، تقول: تحضير السعف لهذه الصناعة يتطلب مراحل عدة، فبعد جمع السعف يتم تجفيفه في الظل حتى لا يتعرض للاحتراق من أشعة الشمس، وبعدها يتم وضعه داخل إناء كبير ويضاف له الماء ومواد الصبغ ويترك فوق النار يغلي حتى يثبت اللون، ثم يجفف لمدة أسبوع، ويجمع لتبدأ صناعته، ثم تأتي عملية الخياطة بواسطة العروق والخواص والأوراق والجرائد، وجميعها من السعف، كما تجمع أوراق السعف وتصنع باليد بطريقة تجديلة عريضة، تضيق أوتتسع باختلاف ما يودون صناعته منها، وتتشابك أوراق الخوص مع بعضها بعضاً في العمل، وتتعدد الطرق في التصنيع وتحضير السعف، ويتبع عادة لتعدد الأشكال والأدوات، التي يمكن تنتج عن هذه الصناعة وتكتسب هذه المصنوعات السعفية ألقاً وبهاء إضافيين، عند تلوينها بألوان براقة صارخة، مثل الأحمر والبنفسجي والأخضر والأصفر، ليتم تداخل هذه الألوان بصورة استثنائية تذكر ببراعة الفنان الشعبي القديم، الذي لم يوفر حيلة لاستخدام واستغلال كل ما تقع عليه يداه في البيئة المحلية، بصورة تبعث على الاحترام والتقدير، وتشير اليماحي إلى أن أدوات العمل الرئيسية في صناعة الخوص فيها، بسيطة وميسورة، وهي المخايط أوالمخارز، التي تقوم مقام الإبرة، إلى جانب بعض الأدوات الأخرى كالمقص ووعاء تغمر فيه أوراق النخيل. وعن أوراق النخيل واستعمالاته، تقول الوالدة مريم راشد من منطقة وادي العبادلة: استعمالات أوراق النخيل التي تدخل في صناعة الخوص عدة ، بحسب موقعها من النخلة، فالذي يقع في قلب النخلة تصنع منه السلال والحصر والسفرة، والنوع الذي يليه أخضر اللون يستعمل لصناعة الحصير وسلالة الحمالات الكبيرة والمصافي والمكانس وغيره ومن الجريد تصنع الأسرة والأقفاص والكراسي، وعن أهم الصناعات اليدوية من سعف النخيل، تقول: هناك الجفير وهو عبارة عن وعاء دائري من الخوص المحكم ومغلق من جميع الجوانب، ماعدا الجانب العلوي، له عروتان جانبيتان أو عروة واحدة علوية، ويستخدم لنقل الأتربة والأسمدة وثمار النخيل وحفظ الأطعمة، وهناك القفة، وتشبه الجفير، إلا أنها أصغر قليلا، ومصنوعة من الخوص الملون، وتستخدم لحفظ الملابس والأغراض المنزلية، وأيضاً هناك المهفة، وهي ذات شكل مربع، وفي أحد جوانبها عود من الجريد، وتستخدم يدوياً للتهوية، وخاصة في فصل الصيف، كما يصنع من سعف النخيل: الحصير والسرود، ويسمى السفرة، والمكشة، وكيسة، والجيسة، إضافة إلى بيوت العريش، وهي المنازل الصيفية، وهناك أيضاً الحبال، وهو خيوط من ليف النخل بعدة أحجام، وتستخدم لربط الأشياء، وأيضاً المكبة، أوالمجبة، والحابول، ويراب، وهو كيس كبير الحجم مصنوع من الخوص العريض نسبياً، ويستخدم لحفظ التمر بعد تجفيفه وكبسه جيدا، ويغطى بسعف أو ليف ويخاط بالخوص، وتؤكد مريم أن الحرفيين يجتهدون، في ابتكار نماذج جديدة من الخوص، مثل أواني التمر والحلويات الحديثة، وتحف الزينة التي توضع على الجدران مثل البراويز، إضافة إلى حاملات الأقلام والمرايا، ودفاتر الذكريات التي تلاقي استحساناً كبيراً في مناسبات الأعراس وحفلات التخرج. إتقان وجمال تقول الوالدة عائشة عبيد الخديم من مدينة دبا الفجيرة: تتميز مهنة صناعة الخوص بوصفها مهنة نسائية بالدرجة الأولى، يمكن للصانعات أن ينجزن عملهن فيها ببيوتهن، ولا يزال العديد من النساء من مختلف الفئات العمرية يتقن صناعات يدوية مختلفة من سعف النخيل، ويتخذنها حرفة لهن، وهي تتميز بالإتقان والدقة والجمال، وبأنامل اليد الخبيرة للجدات والأمهات، التي تتطلب بالضرورة دقة في الصنعة وحرفية في التشكيل، فضلاً عن ذائقة جمالية. وتقول الوالدة فاطمة محمد عبد الله أم خالد: تعلمت صناعة الخوص من جدتي، حيث كنت أشاهدها وهي تحضر السعف وتشققه وتبله في الماء ثم تتركه تحت أشعة الشمس لفترة بسيطة، حتى يجف، ثم تبدأ بخياطته، مبينة أن استخدامات الخوص متعددة كصناعة الأدوات المنزلية، والحصير والمهفة والأواني المنزلية، كالأطباق والسلال والسفر والمكانس وأدوات الزينة وغيرها من الاستخدامات، وأشارت أم خالد إلى أن الزوار في المهرجانات، يقبلون على شراء المنتجات المصنوعة من سعف النخيل بشكل كبير، والذين يستخدمونها للزينة في المنازل ولحفظ التراث وجماليته. أما موزة سعيد الكعبي أم سعيد، فتقول: تعلمت حرفة الخوص منذ طفولتي، حتى أصبحت خبيرة في التعامل مع الخوص، مشيرة إلى أنها تعلمت واكتسبت هذه الحرفة من والدتها قبل نحو 30 سنة، وحول أسعار المنتجات الخوصية، أشارت إلى أن الأسعار تعتمد في الأغلب على الحجم والشكل، لافتة إلى أن القطع الصغيرة كسفرة الطعام والسلال، يستغرق صنعها من ثلاثة أيام إلى خمسة أيام، بحيث يصل سعرها إلى أكثر من 100 درهم، أما القطع الكبيرة كالتي تصنع حسب رغبة الزبون، فتصل إلى أكثر من 500 درهم، أما الحاجة فاطمة عبد الله المرشودي أم عبد الرحمن، فتقول: إنها أمضت ستين عاماً في هذه المهنة، وتعتبر عائدها دخلاً إضافياً يساعدها على المعيشة، حيث تقوم بعرض منتوجاتها اليدوية من الخوص وبيعها في الأسواق الشعبية الكثيرة المنتشرة في الدولة، ويقبل على شراء هذه المنتوجات والحرف الكثير من مرتادي السوق، والبعض يجعله تراثاً ومنظراً في بيته من أجل تعريف الأبناء بحياة آبائهم وأجدادهم سابقاً، والبعض الآخر يقوم باستخدامه في الحياة اليومية كالسفرة، والحصير، والسجادة، والمهفة وغيرها. تاريخ طويل سعيد سماحي مدير هيئة الفجيرة للسياحة والآثار في الفجيرة أكد أن صناعة الخوص تاريخ حضاري طويل، وتراثها الشعبي يتسم بالعراقة والثراء، والتنوع وبسبب قيمتها التراثية وبمساعدة الجهات المهتمة بها، وعلى رأسها الهيئة، لم تعد مشغولات الخوص تباع في الأسواق الشعبية فقط، بل فرضت وجودها في مختلف المهرجانات. وأشار إلى أن السياح يحرصون عند زيارتهم الدولة على شراء المنتجات المصنوعة من الخوص.
مشاركة :