يحدثني صاحبي عن تلك الوجبة البسيطة جداً التي كانت تصنعها أمه في طفولته: هي ألذ وأشهى وجبة أكلتها في حياتي، ويتمنى أن تعود لمائدته. قلت له: لن تكون بنفس الطعم! قال: لماذا؟! قلت: عليك أن تستعيد اللحظة، والمكان البسيط، والطقس، ورائحة أمك، والبساطة، ومزاج طفولتك وبراءته، وأشياء كثيرة قبل أن تجمع مكونات الوجبة. الآن.. بإمكانك أن تصنعها كما كانت وأفضل: ستحصل على الطعام.. ولكنك لن تحصل على الطعم! كل شيء أحببناه (طعم، رائحة، صوت، طقس، منظر، لون، لمسة) أحببناه لأسبابه، وتوقيته، ولأجل من كانوا معنا لحظتها. هذا العطر الذي عشقته لأنه عطرها - حتى إنني كنت أرش القليل منه على معطفي - أصبحت أكرهه في غيابها، صار يؤلمني.. حتى أنفي صار يتحسّس منه! كل الأشياء مرتبطة بناسها ولحظاتها: نحبها ونكرهها بأسبابهم. فارق التوقيت يجعلك تحب الشيء أو تكرهه: - أغنية (صوتك يناديني: تذكّر) موجعة بالنسبة لي؛ صاحبي يستمع إليها وهو يبتسم! - رائحة (علك أبو سهم) لا تزال بالنسبة لي تنافس أغلى الروائح وأشهرها! - ليلة عيد الفطر - رغم كل ما أعيشه الآن من أوضاع مادية جيّدة - لا تزال تذكّرني بلحظة لم يكن فيها في بيتنا مئة ريال! - جرّبت أغلى وأفخر أنواع الشوكولاتة في العالم؛ ولكن لا تزال حلوى (الماكنتوش) هي الألذ، طعمها: طعم طفولتي. شخصياتنا تتشكّل بهذا الشكل: روائح ونكهات وألوان وأصوات، وكل ما يصاحبها من مواقف ومشاعر مبهجة ومؤلمة. بهذا الخليط العجيب من الأشياء الصغيرة.. تصبح: أنت. لا تظن أنك المواقف العظيمة والأحداث الجسام فقط.. أنت - بالضبط - كل التفاصيل الصغيرة: - رائحة شممتها في طفولتك وحددت ذاكرة أنفك وعلاقته مع الأشياء. - طعمٌ ظننت أنه طعم الحياة ونكهتها. - لونٌ صنع مزاجك تجاه الأشياء. - صوتٌ كلماته حددّت طباعك. - ولمسة... إلى هذه اللحظة تجعلك تحلم بيدها!
مشاركة :