لا يمكن الحديث عن الأماكن التراثية في إمارة دبي من دون الوقوف مطولاً عند حصن الفهيدي، فهو ليس معلماً تاريخياً قديماً يعود تاريخ إنشائه إلى العام 1787 وحسب، وإنما تحول في العام 1971 إلى متحف للتراث الإماراتي، فصار بذلك مركزاً معمارياً جمالياً تاريخياً وقلعة فريدة يمكن لزائرها تلمس تاريخ المنطقة وشكل حياتها خلال مئتي سنة خلت. يفتح الحصن بابه العريق وقد تقدمته عدد من المدافع القديمة التي كانت تستخدم في أوائل القرن العشرين، مشرعاً أمام زائره نافذة على الزمن، ومعيداً إياه إلى تاريخ الحضارة التي تعيشها دبي اليوم بكل ما فيها من أبراج شاهقة، وجسور، ومعمار معاصر، إذ يكشف الحصن عن واحدة من أشكال البناء التاريخية. يشكل الحصن اليوم واحدة من العلامات السياحية البارزة التي تستقطب زوار دبي، فاليوم لا يمثل تاريخاً حياً شاهداً على معمار المنطقة وسيرة صمودها وحسب، وإنما يقع في منطقة حية، تتجاور مع الكثير من الأماكن السياحية التي تجعل منه مكاناً حياً طوال أيام العام، إذ يقع الحصن في الجهة الجنوبيّة من خور دبيّ - في منطقة السوق الكبير الذي يعج بالحركة التجارية النشطة - وبجوار ديوان سمو الحاكم. يرجع المتتبع لتاريخ الحصن إلى سلسلة من التواريخ المفصلية لإمارة دبي، حيث شيّد الحصن قبل مئتي عام ليكون مقراً لحاكم الإمارة، ومركزاً دفاعياً لدبي إذ تكشف التحولات الجغرافية التي جرت على الإمارة أنه كان يقع في مكان حساس يحتاج إلى حصن متين يحمي الإمارة من الغزوات، والاعتداءات الخارجية. لذلك يعتبر الحصن أقدم مبنى قائم بدبي، وظل حتى عام 1896م مقراً للحاكم، إذ قرر الحاكم الانتقال إلى الشندغة، ويعد الحصن قلعة مربعة الشكل تقدر مساحتها بنحو 1,535 متراً مربعاً، يكشف شكل بنائها والمواد التي شيدت فيها عن جانب واسع من تاريخ العمارة في دبي والإمارات بصورة عامة. ويحيط بالحصن ثلاثة أبراج دفاعية، اثنان دائريا الشكل والأخير مربع. استخدم أعلاها كمربض للمدافع، فكانت بذلك صورة واضحة عن واحدة من أنماط تصميم العمائر، والحصون، والقلاع في الخليج بصورة عامة، ويشير الدارسون لتاريخ الحصن أنه مر بتحولات عديدة كان أبرزها تحوله إلى مخزن للذخائر والسلاح، واستخدامه كسجن للخارجين عن القانون، وأخيراً تحول في عام الاتحاد 1971 إلى متحفٍ يعرض تاريخ دبي، وتراثها الأصيل الذي يرتبط بتاريخ المنطقة وجذورها العربية. لم يتوقف العمل على الحصن عند ذاك التاريخ، حيث أنشئ معه المتحف الجديد تحت الأرض أضيف إلى أروقة الحصن التاريخية، فاشتمل بذلك على معالم جديدة وتفاصيل دقيقة من الحياة التراثية لمجتمع دبي ما قبل النفط. لذلك يعّد الحصن متحفاً حضارياً بارزاً في دبي، يمكن لزائره، ويمثل كل واحد من الأجنحة نقلاً حياً لصورة التراث الإماراتي بكامل تفاصيله، إذ يشتمل جناح الآثار على الكثير من المكتشفات الأثرية الضاربة في القدم، منها مدافن، وأسلحة معدنية قديمة، وأوانٍ، وفخاريات، وغيرها من الصناعات اليدوية التي عرفها البيت الإماراتي القديم. أصالة ومعاصرة اليوم وبعد مضي مئتي سنة على تشييده، يشهد الحصن على العلاقة التي نسجتها دبي بين الأصالة والمعاصرة، إذ يعتمد المتحف أحدث التقنيات التكنولوجية في تقديم المعلومات لزواره، فيستخدم الشاشات السينمائية، والعروض الحية التي توظف المؤثرات الصوتية، إضافة إلى الوثائقيات المتلفزة، وسائر الخدمات المتاحة للزائر للتعرف إلى تاريخ المنطقة.
مشاركة :