"جمهورية الموز" ترد الضربة -- تاريخ نضال هندوراس ضد الانتهاك الأمريكي

  • 8/6/2024
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يوجد في مدينة لا ليما في هندوراس منشأة مخصصة لاستقبال المهاجرين العائدين، ويستقبل هذا المكان كل يوم تقريبا أكثر من 100 هندوراسي مرحّل من الولايات المتحدة. أصبح تصاعد الهجرة غير الشرعية أحد الموضوعات المحورية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام. واتهم الساسة الأمريكيون هندوراس ودول أمريكا الوسطى الأخرى بأنها "مصدرة للمهاجرين غير الشرعيين". ومع ذلك، سيكون من الصعب القضاء على مشكلة الهجرة غير الشرعية في الولايات المتحدة طالما لم يتم حل قضايا الفقر المدقع في هذه البلدان. إذا ما استعرضنا التاريخ، فإن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية لا يمكن إنكارها عن الفقر طويل الأمد في دول مثل هندوراس. كان يُشار إلى هندوراس ذات يوم باسم "جمهورية الموز"، والتي كانت بمثابة "واحة" لرأس المال الأمريكي غير الخاضع للرقابة و"قفص" حُبس فيه العمال الفقراء المحليون. ــ صندوق باندورا من الموز في عام 1870، أحضر قبطان أمريكي يدعى لورينزو بيكر حمولة سفينة من الموز من جامايكا وباعها في نيوجيرسي. ومنذ ذلك الحين، أصبح الموز من أكثر الفواكه مبيعًا في الولايات المتحدة. وتم تأسيس عدد كبير من شركات التجارة لنقل الموز من أمريكا الوسطى والكاريبي إلى الولايات المتحدة. وفي أوائل القرن العشرين، حصلت شركات أمريكية مثل شركة ((كوياميل للفواكه)) على حقوق امتياز في أراضٍ شاسعة في هندوراس. ومن أواخر القرن الـ19 إلى أوائل القرن الـ20، ومع تدخلات مسلحة متعددة وانقلابات مدبرة، اكتسب رأس المال الأمريكي تدريجيًا السيطرة على القطاعات الاقتصادية الرئيسية في هندوراس. احتلت شركات أمريكية مثل ((كوياميل)) أراضٍ شاسعة في الجزء الشمالي من هندوراس، وبنت مزارع موز كبيرة. كما سيطرت على قطاعات اقتصادية حيوية مثل النقل والكهرباء والتصنيع. بحلول عام 1913، كانت الولايات المتحدة تحتكر أكثر من 90 بالمئة من التجارة الخارجية لهندوراس. وتحت سيطرة شركات احتكارية أمريكية متعددة الجنسيات، طورت هندوراس بنية اقتصادية شديدة التركيز تتمحور حول إنتاج الموز، وأصبحت تعتمد بشكل كبير على واردات للحصول على السلع الأساسية مثل الغذاء، ما أدى إلى ضعف الاقتصاد. في الواقع، كانت أيضا شركة ((الفاكهة المتحدة)) الأمريكية تسيطر ذات يوم على شرايين الحياة الاقتصادية لعدة دول في أمريكا الوسطى. ومن خلال تشغيل شركات السكك الحديد، استحوذت الشركة على أراضٍ شاسعة على طول خطوط السكك الحديد واستخدمت بحرية الموارد المحلية مثل الأخشاب. ــ إضراب تحولي في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، سعت الولايات المتحدة إلى توسيع أسواقها الخارجية. خلقت "دبلوماسية الدولار" وسياسات "العصا الغليظة" في السابق مشاعر معادية قوية لأمريكا في أمريكا اللاتينية. ولمعالجة هذه المشكلة، قدمت الولايات المتحدة "سياسة حسن الجوار"، التي استمرت، على الرغم من ادعاءاتها بتعزيز "المساواة" و"عدم التدخل"، في فرض سيطرتها على المنطقة. ووسط الاستغلال والنهب والتدخل من جانب الولايات المتحدة، لم يتوقف شعب هندوراس عن المقاومة. وخلال أوائل القرن الـ20، كان العمال في هندوراس ينظمون إضرابات بشكل متكرر للمطالبة بزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. وفي أبريل 1954، هدد عمال الموانئ في تيلا بالإضراب بسبب قضايا تتعلق بالأجور. وبحلول مايو، انضم إلى الإضراب عمال من صناعات التعدين والسكك الحديد والمنسوجات والتبغ، إلى جانب عمال زراعة الموز والمزارعين وملاك الأراضي الصغار شمالي هندوراس. استمر الإضراب الضخم لأكثر من 60 يومًا، وانتهى في النهاية بالنصر حيث تم تلبية معظم مطالب العمال. بدءًا من عام 1975، ألغت حكومة هندوراس جميع الامتيازات والعقود مع شركات الموز الأمريكية، وأممت بعض الأراضي التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. كما سيطرت الحكومة على الموانئ والسكك الحديد التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، ما جعلها تسيطر على إنتاج الموز ونقله وبيعه. كانت هذه الخطوات بمثابة بداية استعادة هندوراس لسيادتها وبناء اقتصادها الوطني. وقال الرئيس السابق مانويل زيلايا، وهو أيضًا مستشار رئاسي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "نضال شعبنا المناهض للإمبريالية تاريخي وقد اتحد مع الحركات العمالية أيضًا. ما يحدث في بلادنا هو ثمار لهذا النضال". ــ "ظلم صارخ" ولكن بالنسبة لشعب هندوراس فإن الظلم لم ينته بعد. خلال فترة إقامتهم في مراكز احتجاز المهاجرين في الولايات المتحدة، يتعرض أغلب المهاجرين لمعاملة غير إنسانية. "شعرت وكأنني أتعرض للاختطاف. بقيت هناك لمدة 17 يومًا، ولم تكن عائلتي على علم بوضعي. لم تسمح لي (السلطات الأمريكية) بإجراء مكالمات هاتفية، كنت منقطعا تمامًا عن العالم الخارجي. كنت أنام على الأرض كل يوم حتى تم إطلاق سراحي"، هكذا قال برنارد (25 عامًا) من هندوراس، والذي لم يذكر اسمه الأخير. في 28 يونيو 2009، حدث انقلاب عسكري في هندوراس، ما أجبر الرئيس آنذاك زيلايا على التنحي. وظل الوضع السياسي في هندوراس مضطربًا لمدة نصف عام تقريبًا بعد ذلك. وأشارت التقارير إلى أن الولايات المتحدة كانت متورطة في الانقلاب، وبعد ذلك واجه الشعب الهندوراسي المقاوم القمع والتشريد. وقد أجبر العنف والفقر البعض على البحث عن ملجأ في الولايات المتحدة. وقال زيلايا إن العديد من الانقلابات السياسية التي شهدتها أمريكا اللاتينية والكاريبي في القرن العشرين كانت مرتبطة بمصالح الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات. ــ الوحدة والصحوة في نهاية عام 2021، انتُخبت زيومارا كاسترو، عقيلة الرئيس زيلايا، أول رئيسة سيدة في تاريخ هندوراس. وبعد توليها المنصب، بدأت كاسترو في تغيير الوضع السياسي النخبوي المدعوم من قوى خارجية. وعلى الرغم من الضغوط المستمرة من الولايات المتحدة، أظهرت حكومة هندوراس مقاومة وأقامت علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين في مارس 2023. وخلال زيارتها للصين بعد ثلاثة أشهر، قالت كاسترو إن هندوراس تدعم بقوة مبدأ صين واحدة وتلتزم به، وتؤمن إيمانًا راسخًا بأن التعاون الودي مع الصين سيجلب لهندوراس المزيد من فرص التنمية الأفضل. وقال آلان فاخاردو، الأكاديمي من الجامعة الوطنية المستقلة في هندوراس، إن "التعاون مع الصين يسهم في التنمية الاقتصادية لهندوراس، ويظهر استقلالها وحكمها الذاتي في النظام الدولي الجديد". لقد تعهدت كاسترو بتعزيز التكامل الإقليمي والديمقراطية، وتدعيم بناء منطقة أكثر عدلاً وإنصافاً وازدهاراً. كما عارضت هندوراس بنشاط التدخل الخارجي في الأزمة في هايتي، وتوسطت في النزاع الدبلوماسي بين الإكوادور والمكسيك. يؤمن زيلايا بأن انتخاب كاسترو كأول رئيسة سيدة لـ هندوراس والقرار بإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين "يعني خلق عصر جديد". "تشارك بلادنا بنشاط في تنمية الجنوب العالمي"، وفقا لما قال زيلايا. وسلطت ساندرا ديراس، الرئيسة التنفيذية لشركة ((نانا بانانا هندوراس))، الضوء على الانتقال من حقول الموز المملوكة للولايات المتحدة إلى شركات تديرها هندوراس في أكثر من 50 ألف هكتار من مزارع الموز في هندوراس. "نحن أصحاب هذه الأرض، أصحاب موارد زراعة الموز، ونضع دائما الأولوية لمصالح الشعب الهندوراسي". حاليًا، يستهدف معظم الموز الذي تنتجه الشركة حاجات السوق المحلية. وشددت ديراس على أن زراعة هكتار واحد من الموز يمكن أن توفر فرص عمل لعائلتين، وأن هندوراس، باعتبارها دولة نامية، تحتاج إلى خلق المزيد من فرص العمل لمنع الهجرة إلى الولايات المتحدة.■

مشاركة :