يعتقد البعض أن نظرية التطور من بنات أفكار العالم الإنجليزي داروين، بينما بذرة الفكرة في العقل الإنساني قديمة، ولها أنواع متعددة، فهناك من ركّز على الفكرة بيولوجياً، وهناك من ركّز على فكرة التطور اجتماعياً وتاريخياً باعتبار التاريخ والإنسانية في حراك مستمر، وقسم ثالث رأى التطور على مستوى خلق الكون نفسه. أول تلميح عن التطور بيولوجياً حسب «هوكينج» في كتابه «التصميم العظيم» كان للفيلسوف اليوناني آناكسيماندر (610- 546ق.م)، والذي ناقش بأن طفل الإنسان يظهر بطريقة ما على الأرض كطفل، ولن يُكتب له البقاء على قيد الحياة، وبالتالي استنتج أنه لا بد وأن يكون الإنسان قد تطور من حيوانات أخرى كانت صغارها أشد صلابة، وعلى بساطة الفكرة إلا أن هذا لا يمنع من القول إنها كانت البذرة الأولى لفكرة التطور. وعلى المستوى الاجتماعي والإنساني، فهناك نوعان من التطور: تطور للأعلى وتطور للأدنى. ففي كتاب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» يذكر فوكوياما «أنه لا يمكن لأي فرد مثلاً أن يأمل في اكتشاف مجمل الرياضيات، ولكن الطابع التراكمي للمعرفة الرياضية يسمح لكل جيل أن يبني إنجازاته على إنجازات الأجيال السابقة» بمعنى أن العقل الإنساني في تطور مستمر، وهذا تطور للأعلى. أما التطور العكسي من الأعلى إلى الأدنى فيتضح عند شيطان ملتون في ملحمة «الفردوس المفقود» ونقلاً عن «س.إس.لويس» كما في كتاب «قلق المقارنة» للمؤلف عزت خطاب، فإن شيطان ملتون يتدرج من بطل إلى قائد، ومن قائد إلى سياسي، إلى عميل سري، حتى يصل إلى ضفدع، وأخيراً إلى حية. هذا هو مسار تطور الشيطان. بمعنى أن كل شيء يتطور سواء للأعلى أو للأدنى وأن الكون لا يقف بل يتطور ويتحرك. وتحدث عنها ابن خلدون كونياً وبيولوجياً، حيث قسّم المخلوقات إلى عالمين مستقلين، وهما عالم العناصر، وعالم التكوين، فعالم العناصر يبدأ من الأرض إلى الماء إلى الهواء، ثم إلى النار متصلاً ببعضها البعض حتى يصل لعالم الأفلاك. أما العالم الآخر فهو عالم التكوين والذي ينقسم إلى قسمين متصلين ببعضهما يبدأ بالمعادن ثم النبات، ثم الحيوان، فآخر أفق المعادن يتصل بأفق النبات مثل الحشائش، وآخر أفق النبات مثل النخل يتصل بأول أفق الحيوانات مثل الحلزون والصدف، وعليه فإن أخر أفق منها يصير أول أفق الذي بعده، وينتهي عالم الحيوان بعد التدرج إلى الإنسان صاحب الفكر، وكأن الفكرة عبار عن سباق 400م تتابع كل متسابق يصل ليسلم الراية لزميله للوصول إلى خط النهاية. فكرة التطور والتغير على المستوى الحضاري والإنساني، أراها مناسبة فالإنسانية عبارة عن تراكم معرفي، والتاريخ كذلك في حراك مستمر. أخيراً .. اختلفت الأديان والأعراق، ومع ذلك تشابهت الأفكار والعقول.. ما بعد أخيراً .. الإنسانية والإنسان، لا تقف على حال واحد.
مشاركة :