سيناريوهات «الحرب المفتوحة» فى الشرق الأوسط

  • 8/9/2024
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تقف منطقة الشرق الأوسط، وربما العالم، مترقبًا الحدث الكبير الذى يتوقع الجميع حدوثه، ولكن لا أحد يعرف متى يحدث؟ ومكان حدوثه وتداعياته. ويدعو كثير من زعماء الدول فى المنطقة وخارجها إلى ضبط النفس وعدم التصعيد، لكن دون تأثير واضح. والحدث الكبير المرتقب هو رد فعل إيران وحزب الله اللبنانى وحركة حماس على قيام إسرائيل بسلسلة من الاغتيالات النوعية المؤثرة لعدد من قادتها فى طهران وبيروت وقطاع غزة. وكان اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، فى ٣١ يوليو ٢٠٢٤، بمثابة إهانة وإحراج للدولة الإيرانية واستفزاز لها لعدم قدرتها على حماية ضيف رسمى، قَدم إليها للمشاركة فى حفل تنصيب رئيسها الجديد، مسعود بزشكيان. ويسود المنطقة شعور بالخوف من أن تؤدى ردود الفعل المتوقعة إلى تغيير قواعد الاشتباك بين إسرائيل وكل من إيران ووكلائها، والانجرار نحو حرب إقليمية مفتوحة. ١- رد إيران: توعدت إيران بأن الرد قادم لا محالة، وأكد المرشد الأعلى، على خامنئى، فى نفس يوم اغتيال هنية، أن الرد سيكون «قاسيًا»، وأن التصرف الإسرائيلى مهد الطريق لمعاقبتها بقسوة. وصرح الرئيس الإيرانى، بزشكيان، بأن منفذى الاغتيال «سيرون قريبًا عواقب عملهم الجبان». وأعلن حزب الله على لسان أمينه العام، حسن نصر الله، فى ١ أغسطس الجارى، أنه «على العدو ومن خلفه أن ينتظر ردنا». ووصف بيان حماس، فى ٣١ يوليو الماضى، اغتيال هنية بأنه «حادث فارق وخطر وسينقل المعركة إلى أبعاد جديدة». وفى الأيام القليلة الماضية، ثارت أسئلة عديدة بشأن متى يكون هذا الرد؟ وهل سيأتى منفردًا من جانب إيران أو يكون بالتنسيق مع حزب الله اللبنانى ووكلاء طهران فى العراق وسوريا واليمن؟ وهل يكتفى حزب الله بالاشتراك فى عمل عسكرى مع أطراف أخرى، أم يقدم على رد فعل مستقل؟ الطرف الأهم فى هذه المعادلة هو إيران، التى تضع يدها على زناد الحرب الكبرى أو الشاملة فى المنطقة. فهى دولة إقليمية كبيرة، لها رؤيتها الاستراتيجية لمستقبل المنطقة ولدورها القيادى فيه، ولها حساباتها بشأن التوازنات بين القوى الفاعلة فى الإقليم ومع القوى الكبرى فى العالم. ولن تقوم إيران بعمل متسرع خارج عن هذه الحسابات، أو مخالف لعقيدتها العسكرية تجاه إسرائيل، والتى تنهض على ثلاث ركائز: الأولى أن المواجهة مع إسرائيل «طويلة» تعمل فيها إيران على أن تعيش إسرائيل فى حالة شعور دائم بالخطر وعدم الأمان، ومن هنا يأتى التزام طهران بسياسة «النفس الطويل» أو ما يُسمى بـ«الصبر الاستراتيجي». والثانية، حصار إسرائيل بعدد من التنظيمات المسلحة الموالية لإيران، والتى تستطيع كل منها ضرب العمق الإسرائيلى، مما يُشكل «حلقة من النار»، حسب التعبير الذى ورد فى مقال بعنوان «إسرائيل على حافة الهاوية» فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم ١ أغسطس الجاري؛ الأمر الذى يُتيح لإيران اتباع سياسة «الضرب عن بُعد». والركيزة الثالثة هى تحاشى نشوب حرب مباشرة مع إسرائيل؛ إذ تعلم طهران مُقدمًا أن واشنطن سوف تشارك فيها إلى جانب تل أبيب. والضغوط على إيران اليوم كثيرة ومتداخلة ومتقاطعة، فهى مصممة على القيام بعمل عسكرى ردًا على انتهاك سيادتها واختراق حدودها، بحكم أن اغتيال هنية تم على أرض إيرانية. ويزيد من هذا التصميم، الآراء التى ذهبت إلى أن بعض أجهزة الأمن فى إيران ربما تكون متورطة فيما حدث، وغضت النظر عنه من خلال تفاهمات مع واشنطن. وسوف يكون الحكم على مدى صحة هذه الآراء من خلال جدية التحقيقات التى تجريها النيابة العامة فى طهران، ثم فى نوعية الرد العسكرى الذى سوف تقوم به. لكن الرد العسكرى الإيرانى يقيده عدم رغبة إيران فى الدخول فى حرب مع إسرائيل، وكسب مزيد من الوقت لاستكمال مشروع إنتاجها للسلاح النووى. وسوف يتأثر القرار أيضًا بتولى رئيس جمهورية من التيار الإصلاحى السلطة، والذى كان من أول قراراته اختيار وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، مساعدًا للرئيس للشؤون الاستراتيجية، وهو من أبرز رموز الحوار مع الولايات المتحدة والغرب، ولا يرغب بزشكيان أن يبدأ فترة ولايته باتخاذ قرار حرب لا يمكن السيطرة عليه. أضف إلى ذلك، أن طهران لها تقديراتها بشأن موقف الولايات المتحدة تجاه الأحداث الجارية، خاصةً فى ضوء ما تم إعلانه عن الاتصال بين الرئيس الأمريكى، جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى ١ أغسطس، والذى جدد فيه بايدن التزامه بأمن إسرائيل ضد التهديدات من إيران وحماس وحزب الله والحوثيين، وأن واشنطن قامت فعلًا بزيادة وجودها العسكرى فى الخليج وشرق المتوسط والبحر الأحمر. وتسعى إيران لمعاقبة إسرائيل وإثبات قدرتها على اختراق حدودها والدخول بطائراتها وصواريخها إلى العمق الإسرائيلى، وأن «القبة الحديدية» غير قادرة على وقفها، لكن دون أن يترتب على ذلك خسائر بشرية كبيرة أو الانزلاق إلى حرب بين الطرفين. وهذا ما حدث بالضبط فى الهجوم الإيرانى على إسرائيل فى ١٣ إبريل الماضى، ردًا على هجوم إسرائيل على مبنى القنصلية الإيرانية فى دمشق قبلها بأسبوعين. وقد يأتى رد إيران منفردًا، لتأكيد أنها تعاقب إسرائيل على ما قامت به على أراضيها. وقد يأخذ شكل الهجوم السيبرانى الموجه ضد أهداف حيوية إسرائيلية كخطوط الاتصالات والكهرباء، أو شكل الهجوم بالمُسيّرات والصواريخ ضد حقول الغاز الإسرائيلية أو أهداف أخرى. وهناك أيضًا سيناريو أن تقوم إيران بالرد بالتنسيق مع وكلائها لإلحاق أكبر قدر من الأضرار بإسرائيل، ولإضعاف قدرتها على توجيه ضربة مقابلة. وفى جميع الأحوال، فإن طهران سوف تقوم بإدارة تصعيد محسوب يمكنها السيطرة عليه، ولا يضطر تل أبيب للرد عليها. ٢- مغامرة إسرائيل: فى ظل قيادة نتنياهو، تبدو إسرائيل الطرف الأكثر مغامرة واستعدادًا للتصعيد، بحكم رغبتها فى استعادة «قوة الردع» التى سقطت يومى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ على يد حماس، و١٣ إبريل ٢٠٢٤ على يد إيران، وتجلت فى عدم إحجام حزب الله اللبنانى عن الرد على كل ضربة إسرائيلية فى جنوب لبنان. وربما تخدم سياسة الاغتيالات واستعراض العضلات، رغبة نتنياهو وقادة الجيش فى تحقيق انتصارات، يقدمونها للرأى العام الإسرائيلى كتعويض عن تقصير يوم ٧ أكتوبر. وتسعى تل أبيب أيضًا للاستفادة من الارتباك السياسى فى الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية المقررة فى نوفمبر المقبل، وهى متأكدة من أن واشنطن سوف تقف معها فى أية مواجهة ضد طهران؛ لذلك صرح نتنياهو بأن إسرائيل تخوض حربًا متعددة الجبهات وأنها قادرة على مواجهة أى هجوم عليها. فى المقابل، تؤكد إسرائيل أنها لا ترغب فى توسيع نطاق الحرب لتصبح حربًا إقليمية، ربما لأن جيشها منهك بعد انخراطه فى عمليات قتالية لشهور طويلة دون توقف؛ ولأنها تعانى نقصًا فى الذخائر والمعدات العسكرية بسبب توتر العلاقات أحيانًا مع الولايات المتحدة، ولتفاقم مشكلات الانقسام الاجتماعى بسبب ازدياد شهية اليمين الدينى المتطرف وسعيه لفرض أفكاره على المجتمع والدولة. ٣- قيود حزب الله: سيتعين على حزب الله اللبنانى أن يرد على اغتيال قائده العسكرى، فؤاد شكر، وهو يمتلك القدرات العسكرية التى تمكنه من الوصول إلى أهداف اقتصادية حيوية فى منطقة الجليل وتل أبيب. وقام، فى ٤ أغسطس الجارى، باستهداف مستوطنة «بيت هلل» لأول مرة بعشرات الصواريخ. كما أكد، يوم ٥ أغسطس، أنه استهدف عددًا من الثكنات والمواقع الإسرائيلية بـ«المُسيَّرات الانقضاضية»، معلنًا إيقاع قتلى وجرحى. ومع أن حزب الله يتمتع بمساحة معتبرة من حرية اتخاذ القرار، فإن رد فعله سوف يكون مقيدًا بالوضع المتردى فى لبنان، وبالتقدير الإيرانى للوضع فى المنطقة. ٤- موقف حماس: يشعر قادة حماس بالرغبة فى الرد على اغتيال رئيس مكتبهم السياسى، ولكن القدرة على ذلك تتحدد بالوضع العسكرى للحركة على الأرض، وحجم ما تمتلكه من أسلحة وذخائر، ومدى تماسكها التنظيمى فى ضوء الضربات المتلاحقة التى أصابت عددًا من قادتها العسكريين، فى ظل إعلان إسرائيل مقتل محمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام وهى الجناح العسكرى للحركة، ونائبه مروان عيسى. لذلك، فقد يكون رد حماس فى شكل هجوم ضخم بالصواريخ على إسرائيل. ٥- أطراف أخرى: من المتصور أن يكون للأطراف الأخرى الداعمة لإيران أكثر من دور، فهى قد تتصرف لأسبابها الخاصة، مثل أن تقوم جماعة الحوثيين فى اليمن بعمل عسكرى ردًا على الضربة الإسرائيلية ضد قواعدها فى ميناء الحديدة، أو أن تقوم قوات الحشد الشعبى فى العراق بالرد على الهجمات الأمريكية على قواعدها واستهداف أحد قادتها. وقد تتصرف بالتنسيق مع إيران ووكلائها للقيام بعمليات عسكرية فى نفس الوقت أو بشكل متتالٍ. ويُشار فى هذا الصدد إلى ما تردد عن نقل أسلحة إيرانية يوم ٤ أغسطس الجارى عبر منطقة البوكمال من العراق إلى الفصائل الموالية لإيران فى دير الزور شرقى سوريا. كما أُصيب ما لا يقل عن خمسة جنود أمريكيين فى هجوم على قاعدة عين الأسد فى غرب العراق يوم ٥ أغسطس. نحن لم نتحدث عن روسيا التى قام سكرتير مجلس الأمن القومى فيها، سيرغى شويغو، بزيارة لطهران يوم ٥ أغسطس الجارى، أو عن الصين واحتمالات التدخل لدعم الحليف الإيرانى فى حالة قيام الولايات المتحدة بالمشاركة فى هجوم على طهران. وتبدو الصورة قاتمة وسط مناخ من الغموض وعدم اليقين. والأرجح أن الأيام المقبلة سوف تشهد مزيدًا من العنف، وأن التطور سوف يأخذ شكل الضربات العنيفة المتبادلة بين إسرائيل والأطراف الأخرى؛ بحيث تزداد ضراوة واستخدامًا لأسلحة أكثر تقدمًا. أما الحرب الإقليمية الشاملة التى يمكن أن تمتد لتشمل المصالح الأمريكية فى المنطقة ومصادر النفط والمضائق المائية؛ فإنها «سيناريو كارثى مروع» ولا يُرجح أن هناك طرفًا يريد أن يتحمل مسؤولية حدوثه.

مشاركة :